وزير التربية يغسل يديه من دولرة الأقساط: الحلبي «لا يضمن» بدء العام الدراسي

المصدر : فاتن الحاج – الأخبار

رمى وزير التربية، عباس الحلبي، كرة نار العام الدراسي في ملعب السلطة السياسية، فالوزارة لا تضمن أن يكون هناك عام دراسي مستقر من دون أن تدفع الحكومة 150 مليون دولار كبدلات إنتاجية للمعلمين في التعليم الرسمي، ونفى أن تكون الوزارة وحدها قادرة على معالجة «التفلت الدولاري» في الأقساط من دون تعديل القانون 515 في المجلس النيابي أو «تغطية» حكومية

مرّة جديدة، ربط وزير التربية عباس الحلبي افتتاح العام الدراسي الرسمي بتوفير الأموال، وطلب من السلطات تأمين بدلات إنتاجية مقبولة لنحو 63 ألفاً و450 أستاذاً في التعليم الأساسي والثانوي والمهني الرسمي كشرط أساسي لضمان عودتهم إلى الصفوف، متعهّداً، من جهته، بتولي التواصل مع روابطهم ولجانهم لحضّها على بدء عام دراسي بلا اضطرابات وبالحد الأدنى من الاستقرار، على أن تُحتسب البدلات المالية الشهرية وفق الحضور والتعليم اليوميَّيْن. وفي موازاة تعليم اللبنانيين، تستمر الوزارة في تعليم التلامذة اللاجئين السوريين الذين وصل عددهم في المدارس الرسمية إلى 200 ألف، وهو ما يستدعي، بحسب الحلبي، فتح مدارس جديدة لاستيعابهم، والحاجة إلى مزيد من الأموال، طالباً من الدول المانحة زيادة المبلغ الممنوح عن كل تلميذ من 140 دولاراً إلى ما كان عليه في السابق ومساواة لبنان بما هو ممنوح للتلميذ السوري في الأردن وتركيا أي 600 دولار، «وهذه المبالغ قد تساعد في إعادة تأهيل المدارس الرسمية وتغذية صناديقها لتتمكن من دفع جزء من البدلات المالية للأساتذة المتعاقدين».

«لا إقلاع للتعليم الرسمي قبل دفع الأموال من الخزينة، ولا سيما في ظل غياب الدعم الدولي المؤكد»، هكذا ردّ الحلبي على سؤال عدد من أعضاء لجنة التربية النيابية الذين نظّموا الورشة التربوية، أمس، عما إذا كانت المدرسة الرسمية ستفتح أبوابها أم لا هذا العام. أما أركان وزارته في التعليمين الأساسي والثانوي فقدّموا «داتا» تعكس عوائق أخرى لانطلاقة سليمة للعام الدراسي، منها عدم طباعة الكتاب المدرسي الرسمي بسبب عزوف الشركات عن المشاركة في المناقصة وعدم قدرة المخزون المتبقّي من النسخ التي طبعتها منظمة اليونيسف قبل سنتين على تلبية الاحتياجات المطلوبة، ارتفاع أعداد مقدّمي طلبات الاستيداع والإجازات المفتوحة (400 مدرّس في «الأساسي» و500 في الثانوي)، ما يرتّب نقصاً متواصلاً في عدد الأساتذة، النزوح إلى التعليم الخاص رغم ارتفاع الأقساط، انتفاضة مالكي المباني المدرسية المستأجرة والضغط على الوزارة لإخلاء جزء لا بأس به منها رغم القرار الأخير بزيادة قيمة الإيجارات 7 أضعاف، ضرورة ترشيد الإنفاق بدمج المدارس المتعثّرة، حاجة مدارس كثيرة إلى الترميم، ارتفاع الكلفة التشغيلية مقابل صناديق المدارس الخاوية والنقص في التجهيزات، تراكم المستحقات للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي.

وفيما رأت رئيسة المركز التربوي للبحوث والإنماء، هيام إسحق، أن الأولوية ليست لعودة الأساتذة إلى الصفوف فحسب إنما لجودة التعليم، مشيرة إلى نتائج دراسة أجراها المركز ولم تُنشر بعد أظهرت أن 50% من المتعلمين لم يتخطوا 10 من 20 في مهارات الكتابة والقراءة، و50% لم يتجاوزوا 7 من 20 في مهارات التعبير الكتابي، و10 من 20 في مهارات الهندسة والحجم والقياس. واقترح المركز اعتماد سنة تعويضية لعام 2023 تمتد لـ 10 أشهر لردم الفقدان التعلّمي.
وفيما أشار النائب إدغار طرابلسي الذي ترأّس جلسة التعليم الرسمي إلى أن لجنة التربية تنتظر من الوزارة تزويدها باقتراحات قوانين وليس عرض «داتا» فحسب، أكّدت النائبة حليمة القعقور ضرورة أن تُقرن الداتا بـ«خطة قصيرة الأمد وطويلة الأمد وشفافية تامة تتعلق بكيفية صرف أموال الجهات المانحة». الوزير ردّ بأن الخطة منجزة والوزارة مستعدّة لعرضها في جلسة خاصة للجنة التربية. وسأل النائب علي خريس عما إذا كانت العودة إلى الصفوف مؤكدة، «وإلا فليعمل كل منا في منطقته لدعم بدء العام الدراسي»!

وطالب النائب إيهاب حمادة بجلسة تشريعية تربوية على غرار الجلسة الحكومية كي تُقر كل مشاريع القوانين المعدّة للقطاع التربوي، مجدداً القول: «إننا لن نسمح بتعليم أي نازح سوري قبل تعليم اللبناني، خصوصاً أن هؤلاء يستهلكون مدارسنا وأماكننا وحياتنا، فيما يأخذ التلميذ السوري 140 دولاراً مقابل 18 دولاراً للتلميذ اللبناني، وممثلو المنظمات الدولية يشاركون في مؤتمرنا ولا يتوانون عن القول إنهم لن يدفعوا قرشاً واحداً للتعليم اللبناني».

وبدا لافتاً ما قاله النائب سليم الصايغ لجهة أن «ما يجذب التمويل الدولي هو الكلام على نوعية التعليم وليس تقديم مضبطة بمأساة القطاع الرسمي، وإبداء نية حقيقية بالإصلاح من دون تورية وتغليب منطق الحوار لا المواجهة بين المكوّنات التربوية».
على مقلب التعليم الخاص، تذرّع الحلبي بصلاحيات الوزارة المحدودة في القانون 515 (قانون تنظيم الموازنة المدرسية) لتبرير عدم إصدار قرارات استثنائية تعالج التفلّت الدولاري في المدارس الخاصة، «فأقصى ما يمكن أن نفعله سحب توقيع مدير تستطيع المدرسة بسهولة تعيين بديل منه أو تحويل الاعتراض المقدّم من الأهل إلى مجالس تحكيمية تربوية معطّلة». واستنجد بمجلس النواب لتعديل بعض مواد هذا القانون أو تقديم اقتراح قانون جديد يلحظ التغييرات، وتنظيم المساهمات الدولارية من الأهل وإدخالها في الموازنات، وبمجلس الوزراء لتبني خيارات أخرى مرتبطة بالأقساط تغطي إجراءات الوزارة في هذا الموضوع. وقال إنه «ليست هناك رؤية واضحة بالمطالب لدى المكوّنات، فهناك أكثر من رأي داخل لجان الأهل وأكثر من وجهة نظر في صفوف إدارات المدارس»، لافتاً إلى «أن حرية التعليم مصونة بالدستور، فيما دور الدولة لا يتجاوز المنظّم لهذه العملية».

وبينما دعا حمادة الذي ترأّس جلسة التعليم الخاص إلى «مقاربة التعليم ككتلة واحدة بجناحيه الرسمي والخاص وأن تكون القراءة بشأن تحديات القطاع في إطار النقاش التكاملي وليس المواجهة»، أكّد رئيس مصلحة التعليم الخاص في الوزارة عماد الأشقر أن اعتماد الدولرة «مخالف للقانون، وما تدفعه المدارس للمعلمين لا يتناسب مع حجم الزيادة التي يدفعها الأهل»، داعياً إلى احتساب جديد لاشتراكات صندوق التعويضات وصندوق التقاعد ولا سيما أن ملاءة هذه الصناديق في وضع يُرثى له.

هذه المداخلة أثارت امتعاض الأمين العام للمدارس الكاثوليكية، يوسف نصر، الذي وصف كلام الأشقر بالمحاكمة، في حين أبدى ارتياحه لـ«النفس الإيجابي الذي أشاعه الوزير والنواب»، داعياً إلى «احترام حرية التعليم وإصدار تشريعات تعفي المساعدات الاجتماعية التي تقدّمها المدارس للمعلمين من الرسوم والاشتراكات تماماً كما حصل مع الضمان الاجتماعي، واحتضان المدرسة شبه المجانية لخدمة الطبقة الفقيرة، وإعطاء سلسلة رتب ورواتب وحوافز للمعلمين قبل المطالبة بإدخال كل الإيرادات التي تتقاضاها المدارس في الموازنات». ورفض قطع الحساب والتدقيق المالي الذي طالب به اتحاد لجان الأهل وأولياء الأمور في المدارس الخاصة، مطالباً بأن يُذكر في التوصيات تعديل القانون 515 فحسب، علماً أن الاتحاد أودع لجنة التربية اقتراح مشروع مرسوم استثنائي واقتراح قانون استثنائي لضبط العشوائية في الأقساط.
أما الصايغ فبدا متماهياً مع إدارات المدارس لجهة أن «الزودة بالدولار ليست صادمة بالنظر إلى حجم الانهيار في البلد، وهي بالكاد تكفي لتأمين المصاريف التشغيلية، ويجب مقاربة المسألة من باب التضامن والعدالة الاجتماعية، وأن لا يكون الأستاذ هو الحلقة الأضعف».