تحت عنوان “الحليب ومشتقّاته: نحو زيادة الأسعار 300%؟”، كتبت راجانا حمية في الاخبار:
عادت النقمة على الدعم من باب تسعير الحليب الطبيعي. فبعد جولة «اشتباك» أولى بين نقابة مربّي الأبقار الحلوب ووزارتَي الزراعة والاقتصاد والتجارة حول إدخال مادة الحليب البودرة ضمن الأصناف المدعومة، بدأت الجولة الثانية مع اتخاذ وزارة الزراعة، منفردة، قرار تسعير ليتر الحليب الطبيعي بـ1700 ليرة، من دون العودة إلى النقابة، وهو ما دفع بالأخيرة إلى رفع سقف الاعتراض، مؤكدة أن «القرار لا يلزمنا».
تعترض النقابة على القرار لسببين، أولهما أنه صدر من دون أخذ رأيها، وثانيهما أنه «لم يستند إلى دراسة مفصّلة لاحتياجات إنتاج مادة الحليب وأسعارها»، على ما يقول رئيس النقابة عمر خير الجراح. هذان التفصيلان يجعلان القرار «باطلاً». لذلك، وضعت النقابة خطتها للدفاع عن «المهنة»، والتي بدأت أول من أمس بلقاء مع وزير الزراعة عباس مرتضى لتقديم دراسة مفصّلة عن كلفة إنتاج الحليب. خلال اللقاء، وضع مربّو الأبقار الحلوبة لائحة بالمواد التي تُستخدم في عملية الإنتاج وقدّروا على أساسها كلفة ليتر الحليب. وتضمّ اللائحة «الأعلاف والمضافات العلفية والأدوية البيطرية واللقاحات والمطهّرات والبكاكير المستوردة التي تصبح بقراً حلوباً». وهذه كلها، بحسب الجراح، «تُسعّر بالدولار الأميركي كونها في غالبيتها مستوردة. ورغم إدخال الأعلاف ضمن السلة الغذائية المدعومة، إلا أن العلف المدعوم لم يصل بعد إلى معظم المزارعين الذين لا يزالون يشترون الأعلاف من ذرة وصويا وشعير وغيرها بسعر صرف السوق السوداء». بناءً على ذلك، تقدّر النقابة كلفة إنتاج ليتر الحليب بضعف تسعيرة وزارتَي الاقتصاد والزراعة. فبحسب النقابة، تبلغ كلفة إنتاج ليتر الحليب 2850 ليرة في أرض المزرعة، على أن يسلّم إلى المعمل بـ3050 ليرة، وهذه الكلفة «لا تتضمّن كلفة استبدال القطيع التي تمثّل نسبة 1,5% من عدد القطيع شهرياً»، على ما يشير بيان النقابة.
نقطة الخلاف بين الأطراف الثلاثة هي كيفية احتساب سعر الليتر بالليرة. بالدولار الأميركي، يبلغ سعر الليتر 60 سنتاً، وكان الاتفاق الأولي بأن يتم تسعير 33% على أساس سعر الصرف الذي أقرّه مصرف لبنان عند حدود 3900 ليرةو27% على أساس سعر الصرف الرسمي 1500 ليرة. الأزمة هنا أن «سعر الـ1500 بات مستحيلاً مع وصول سعر الصرف إلى أكثر من سبعة آلاف ليرة». لذلك، تطلب النقابة التعديل، بحيث تصبح الـ33% على أساس سعر صرف السوق الموازي، وعندها «يصبح سعر ليتر الحليب 2500 ليرة، ويمكننا التفاوض على السعر».
المشكلة الأخرى المتوقّعة هي في الخطوة التي لم تتخذها المعامل بعد برفع سعر منتجاتها لتتلاءم مع سعر الـ 3000 ليرة لليتر الذي تتسلّمه من المزارعين. فعندما كان المزارعون يسلّمون الحليب إلى المعامل بـ950 ليرة، رفعت هذه الأخيرة أسعارها بين 100 و120%. لذلك، فالخوف من الآتي، في حال قرّرت رفع الأسعار بما يتناسب وسعر الحليب، أي بنسبة 300%، وهو ما ألمح إليه صاحب أحد المعامل الكبرى. عندها، سيدفع المستهلكون الثمن، كما هي الحال دائماً.
تقدر نقابة مربّي الأبقار كلفة إنتاج ليتر الحليب بضعفَي تسعيرة الوزارة
يكبر الخلاف اليوم. لا المربّون قادرون على التنازل عما يعتبرونه حقوقهم، بعدما انتهى إنتاج الحليب إلى 250 طناً يومياً من 700 طن، ولا الوزارات قادرة على توضيح آلية الدعم، وخصوصاً في ظل سعر صرف غير ثابت وتحكّم التجار في مواد سلة الدعم. ولئن كانت وزارة الاقتصاد تنفي مسؤوليتها في ما يخص التسعير، مشيرة إلى أن «دور الوزارة فقط يأتي في إطار الرقابة على السعر المحدد»، على ما يقول المدير العام، محمد أبو حيدر، لم تتخذ وزارة الزراعة بعد أية خطوات «تصحيحية»، بما يُعفي المواطن من دعم الفارق بين الأسعار. ما فعلته وزارة الزراعة إلى الآن هو اتخاذ قرار يتيم يتعلق بـ«إفادة الوزارة خطياً باسم وعنوان أي مؤسسة يتخلّف صاحبها عن تسليم العلف المدعوم إلى المزارعين لإحالته إلى النيابة العامة المالية لاتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة بحقه».
إلى الآن، لا حلول، فيما عدّاد سعر الصرف يسير تصاعدياً، ويُحتسب من جيب المواطن. وما الدليل، سوى أصناف مشتقات الحليب التي زادت أضعافاً مضاعفة منذ بداية الأزمة.