تقلّبات “طارئة” لسعر صرف الدولار.. من يخطط وهل تستمر؟

علي ماضي
بات الدولار والليرة الطبق الرئيسي على موائد اللبنانيين، فاللبناني ينام ويستيقظ على أخبار ارتفاع سعر الصرف أو هبوطه، إذْ يتأرجح السعر حينًا ببضعة مئات الليرات مقابل الدولار الواحد، أو يهتز بقوّة ليتجاوز آلاف الليرات حينًا آخر.

والسؤال الذي يجول في أذهان الناس، ما الذي يشعل فتيل العملة الخضراء بهذه السرعة خلال ساعات، ثم يطفئها فجأة، وهذا ما حصل مؤخرًا، حيث هبط سعر صرف الدولار إلى حدود 27000 ليرة لبنانية، بعد أن وصل سعر صرف الدولار إلى الـ 34000 منذ أيام قليلة.

وفي ظل تنوّع المؤثرات المباشرة وغير المباشرة على هذه التحوّلات الدراماتيكية في سعر الصرف، يبقى المتضرّر الأبرز هو المواطن الذي يحتار كيف يتوازن على حبلٍ يشدّه التجار من جهة وعدم وجود الدولة من جهة أخرى، وفي بلد تتحكّم فيه الإشاعة وتطبيقات هاتفيّة.

حول هذه التطوّرات، يرى الخبير الاقتصادي والمالي الدكتور عماد عكّوش في حديثٍ لموقع “العهد” الإخباري، أنّ كلّ ما يحدث اليوم هو ناتج عن عدم الثقة بالليرة اللبنانية، فأيّ خبر أو إشاعة أو توضيح أو تعميم أو بيان، سواء من حاكم مصرف لبنان أو من السلطة السياسيّة أو حتّى من خارج لبنان سواء من صندوق النقد الدولي أو من البنك الدولي قد يحرّك سعر صرف الليرة، لأنّ العوامل التي تساعد على استقرار سعر الصرف غير موجودة في لبنان.

وبحسب عكّوش، يدخل في هذه العوامل، قيام مصرف لبنان بوظيفته الطبيعيّة، إذ أنّه وفقًا للمواد 69 و70 من قانون النقد والتسليف فإنّ الوظيفة الأساسيّة للمصرف المركزي هي الحفاظ على استقرار النقد الوطني، وهو ما لا يقوم به المصرف إلاّ إن وُجدت أهداف سياسيّة، عندها يتحرّك ضمن السوق بوقت محدّد ليقول أنّه ممسك بسعر الصرف، ومصداق على هذا هو تعميم حاكم مصرف لبنان رقم 161 والتعديلات التي طرأت عليه، والتي بموجبها تدخّل في السوق وعرض كمية كبيرة من الدولار ليعمل على سحب الكتلة النقدية بالليرة اللبنانية الموجودة في السوق، ويسحب جزءًا كبيرًا منها ويعمل على تخفيض سعر الصرف.

تقلّبات "طارئة" لسعر صرف الدولار.. من يخطط وهل تستمر؟

عكّوش يؤكّد أنّ هناك أهدافًا عدّة خلف هذا التغيّر بسعر الصرف، أحدها سياسيّ يتمثًل بدفع من السفيرة الأمريكية في بيروت دوروثي شيّا لمصرف لبنان لكي يبقى هناك استقرار نقدي إلى حين حلول الانتخابات النيابية.

ويختصر عكّوش المستفيدين من هذا الوضع بثلاثة هم:
– المصارف.
– الصرافين.
– التجار وعملاء المصارف.

فالبيان كان واضحًا أنه يحقّ لعملاء وزبائن المصارف أن يشتروا الدولار على سعر المنصة، وبالتالي فإنّ غالبية زبائن المصارف اشتروا على سعر المنصة، وهم يعيدون بيعه إلى أقرب فرع OMT على سعر السوق الموازية، ليحققوا بذلك أرباحًا خيالية، خاصة أنّ تعميم مصرف لبنان أبقى السقف مفتوحًا لكي تشتري المصارف منه الكميات التي تريدها من الدولارات.

فالمصارف حققت أرباحًا نتيجة بيعها كميّات كبيرة، إضافة للصرافين الذين حققوا أرباحًا نتيجة شرائهم الدولار من السوق السوداء بأسعار متدنيّة جدًا، وهم بصفتهم عملاء للمصارف اشتروا الدولار منها على سعر المنصة، واستفادوا من الفارق الكبير. كذلك زبائن المصارف، اشتروا الدولارات من المصارف، وأعادوا بيعها في السوق السوداء.

ويدخل في هذا الإطار من “يشتري المعلومات” من الجهة التي تصدّر هذه المعلومات، وبالطبع هذه المعلومات لها ثمنها، ويمكن الاستفادة منها قبل نشرها، وبالتالي بيع الدولار على سعر مرتفع وصل إلى 33000 و34000 ليرة لبنانية لكل دولار، وإذا حصلوا على المعلومة فيمكنّهم ذلك من شراء الدولار على سعرٍ منخفض.

يشير عكّوش إلى أنّه لا يمكن الفصل بين التجار والكارتيلات والطبقة السياسيّة، لأنّ معظم الطبقة السياسيّة هم من ضمن كارتيلات التجار، مثل المحروقات والأدوية والإسمنت والسلع الغذائية، وهؤلاء سبق واستفادوا من عملية الدعم التي وفّرها مصرف لبنان للدولار للسلع الأساسية والغذائية والمحروقات، والتي خسر فيها المصرف أكثر من 20 مليار دولار.

هل تصنفنا الأمم المتحدة كـ”دولة فاشلة”؟

ويعتبر عكّوش أنّ العامل السلبي في تعميم مصرف لبنان أنّ المركزي يتدخّل بكميات كبيرة، وهذه الكميّات تأتي من الاحتياطي الإلزامي، وهو ما سيتسبب بمزيد من الانخفاض بهذا الاحتياطي، والذي من المفترض أن لا يسحب منه حاكم مصرف لبنان، وهذا الاحتياطي المقدّس لا يحق لحاكم المركزي أن يستعمله بعمليات المضاربة في السوق ولا بتثبيت سعر الصرف.

ويضيف عكّوش أنّ هذا الاحتياطي هو ملك للمودعين، والمسّ به نتيجته المزيد من خسارة هؤلاء لودائعهم التي سبق أن خسروا جزءًا منها، وبالتالي قدرة مصرف لبنان بالمستقبل على الاستقرار وعلى الدخول في خطة شاملة لحماية النقد الوطني ستكون أضعف.. فالفرق بين أن تملك كمية أكبر من العملة الصعبة وتدخل بقوانين مثل قانون “الكابيتال كونترول” وفي خطة التعافي وفي خطة هيكلة المصارف، يكون أفضل من أن تدخل فيها وأنت ضعيف، وبالتالي كلّما تدخلت في السوق -وكما قال حاكم المصرف المركزي أنّه مستمر بهذه العملية- فمن الممكن أن نصل إلى الانتخابات النيابيّة ويكون الاحتياطي الإلزامي ضاع بأكمله أو ضاع جزءًا أساسيًّا منه، ومن الممكن أن يصل مصرف لبنان لحالة من الإفلاس الكامل لجهة العملات الصعبة.

وعند هذا المفصل، هناك من يستفيد من عدة نواحٍ، فمن الناحية السياسية عندما نذهب مفلسين إلى صندوق النقد الدولي ليس كما لو ذهبنا وفي جعبتنا كتلة نقدية نكون قادرين أن نفاوض من خلالها، فإن ذهبنا إلى المفاوضات مع هذا الصندوق وليس في جعبتنا أيّ دولار، سيترتّب على ذلك الخضوع بالكامل لهذا الصندوق، وإنْ وصلنا إلى مكان لا نملك فيه أيّ إحتياطي إلزامي أو أي احتياطي من العملات الصعبة، فهذا سينتج عنه انهيار شبه كامل في القطاع العام، لأنّه سيؤثر على سعر الصرف ويرفع سعر صرف الدولار بشكل جنوني في حالة عدم امتلاكنا أيّ احتياطي إلزامي، وأوّل المتضررين سيكون القطاع العام الذي قد يتوقف بشكل كامل، وبالتالي يتم تصنيفنا من قبل الأمم المتحدة بأننا “دولة فاشلة”، لأننا غير قادرين على إدارة القطاع العام، وعندها قد تلجأ الأمم المتحدة لهذا التصنيف بحق لبنان، وتضع اليد على هذا البلد بشكل كامل وقد تلجأ لوضعنا تحت البند السابع لكي تتمكّن من إدارة هذه العمليّات.

ما الخطوة المقبلة من مصرف لبنان؟
عكّوش يتوقّع أن يتراجع مصرف لبنان عن التعميم الأخير خلال أيامٍ معدودة، لأنّه ليس بمقدوره الاستمرار بعرض الدولار بكميّات غير محدودة في السوق، لأنّ هذه الكميات بالأصل محدودة جدًا، وهي ليست ملكه بالأساس، والمصرف المركزي ليس قادرًا على المضي بهذا الأمر إلاّ من خلال خطة شاملة، فمثلًا إنْ تمّ تفعيل قانون “الكابيتال كونترول” وخطة التعافي وأُقرّت قوانينها، قد يكون حينها من الممكن أن يتدخّل مصرف لبنان ويكون تدخله فاعلًا، لكن إذا تدخّل منفردًا دون وجود خطط أو قوانين تساعده على هذا التدخل، فعندها سيذهب باتجاه الإفلاس.

ولأنّه لا وجود لخطط شاملة فالأمر مخيف للمودعين وللتجار ولكلّ القطاعات، فقد رأينا كيف تقلّب سعر صرف الدولار بشكل دراماتيكي نتيجة للهلع الذي حصل في السوق.

ويشير عكّوش إلى أنّ “حجم كتلتنا النقديّة اليوم في السوق هي بحدود 47 ألف مليار ليرة لبنانية، وإن قيّمناها بالدولار على سعر السوق الموازي، فهي تعادل تقريبًا 1.52 مليار دولار، وبمقابلها هناك كتلة نقدية حوالي 10 مليارات دولار، وهذه الكتلة النقدية بالليرة لا تساوي شيئًا أمام الكتلة الثانية بالدولار، وعندما عرض مصرف لبنان الدولار بقيمة كبيرة رأينا كيف فُقدت الليرة البنانية من السوق بشكل فوري، وهذا الأمر ساعد مصرف لبنان بأن يهبط سعر الصرف بشكل دراماتيكي، إلا أن هذا التكتيك لا يعالج المشكلة، لأنّه في أيّ لحظة قد تصدر إشاعة جديدة أو تعميم أو بيان جديد، قد نشهد قفزة دراماتيكية للدولار وتتخلّى الناس عن الليرة بسرعة قياسية”.

ولدى سؤاله إن كان الدولار سيعاود الصعود إن توقف العمل بالتعميم الأخير لمصرف لبنان، قال عكّوش “إن هذا الأمر ممكن، نظرًا لأن العوامل التي تساعد على استقرار سعر الصرف غير موجودة حتى الآن، واليوم العملة الوطنية في أيّ بلد تستقر بحسب درجة الثقة التي تحصل عليها من الناس التي تحملها، وهي للأسف مفقودة لدينا، لأنّ لا ثقة بالنظام السياسي ولا بالطبقة السياسية ولا بالقطاع المصرفي سواء مصرف لبنان أو القطاع المصرفي التجاري، وبالتالي لا أحد يحمي الليرة اللبنانية في ظل غياب الثقة بكلّ هؤلاء”.