تحت عنوان السيناريو الأحدث لرفع الدعم: سعر البنزين والمازوت إلى 90 ألفاً، كتب إيلي الفرزلي في الأخبار، ضمن عددها الصادر اليوم:
يوم غد، يُقرّ المجلس النيابي قانون البطاقة التمويلية. تلك إشارة الانطلاق لتخفيض الدعم. الحكومة، من جهتها، قامت بواجبها كما أراد المجلس. وصلت أمس رسالة الرئيس حساب دياب التي يتعهد فيها بخفض الدعم وفقاً لجدول معدّ سلفاً. مشكلة الاقتراح الحكومي أنه لم يناقش مع المصرف المركزي صاحب القرار الأول في تحديد مصير الدعم. لكن المشكلة الأكبر تبقى في البطاقة التي مهما كانت قيمتها لن تعوض انفلاش الأسعار المتوقع بعد خفض الدعم
تستمر السلطة في اعتماد النكران وسيلة لمواجهة الأزمة. أقصى ما تفعله هو الترقيع، الذي تكون نتيجته المزيد من الإغراق للناس. صار محسوماً أن قانون البطاقة التمويلية سيُقر يوم غد. إقرار القانون لا يعني بالضرورة أنه سيسلك الطريق نحو التطبيق. مسألة التمويل لا تزال عالقة، رغم التأكيد النيابي أن الأمور حُلّت وأن التمويل تأمّن عبر قروض البنك الدولي، وهو الأمر الذي لا تزال مصادر معنية تشكك فيه. المشكلة أنه حتى لو طبّق، فإن ذلك لن يعوض الخسارة التي ستنتج عن رفع الدعم.
مقابل إقرار البطاقة كان المجلس اشترط إرفاق المشروع بتعهد من رئاسة الحكومة، تؤكد فيه الالتزام بخفض الدعم وفق آلية سبق أن عرضت في اللجان المشتركة، ورفضت بتّها من دون تبنٍّ واضح من الحكومة. قضت التسوية حينها أن يصار إلى اعتماد كتاب رسمي مرفق بالقانون، بدلاً من إضافة فقرة إليه تشير إلى مسألة خفض الدعم.
تأخر الكتاب بسبب تأخر الحكومة في حسم مسألة الدعم، إلى أن أرسلته يوم أمس، متضمّناً بعض التعديلات على الجدول الذي سبق أن سُلّم إلى اللجان المشتركة. التعهد الحكومي يتوافق مع ما تم الاتفاق عليه، بشأن التزام الحكومة بخفض الدعم كشرط للسير بمشروع البطاقة التمويلية. ولكي لا يظهر الرئيس حسان دياب بمظهر المتراجع عن قراره عدم خفض الدعم قبل إقرار البطاقة، فقد أشار في كتابه إلى أنه عطفاً على مداولات اللجان النيابية المشتركة المتعلقة بالبطاقة التمويلية، وانطلاقاً من توجّهات الحكومة بخفض الدعم فور بدء العمل بالبطاقة التمويلية، «تتعهد الحكومة تنفيذ برنامج ترشيد الدعم المرفق ربطاً والمستند إلى إقرار اللجان النيابية المشتركة لمعدّل البطاقة التمويلية بمبلغ قيمته الوسطية 93.3 دولاراً، على أن يصار إلى إجراء المقتضى القانوني لتأمين التمويل اللازم لهذه الغاية بالتنسيق مع مصرف لبنان. مع الإشارة إلى أنه في حال تم تعديل قيمة البطاقة من قبل الهيئة العامة لمجلس النواب، فإن هذا الأمر سينعكس بطبيعة الحال على نسب الترشيد في البرنامج المرفق».
الحكومة نفسها كانت أرسلت إلى مجلس النواب ثلاثة سيناريوات لخفض الدعم في بداية العام، إلا أن رئيس المجلس ردّها جميعها، مطالباً بإرسال سيناريو واحد. حينها فضّل دياب طيّ الموضوع، بحجة رفض ما يسمّى «الترشيد» قبل إقرار البطاقة. لكن أمس، ولأن قانون البطاقة وصل إلى الهيئة العامة، أفرج عن سيناريو جديد مرتبط بقيمة البطاقة، بحيث لو أراد المجلس تعديل قيمتها، فإن الحكومة تترك لنفسها حق تعديل نسبة الدعم مجدداً. لكن بحسب المعلومات التي رشحت عن اجتماع هيئة مكتب المجلس، فإن ملاحظات عديدة على الرسالة عرضت في الاجتماع، أبرزها أنه يستشف منها تشريع استعمال الاحتياطي الالزامي («تأمين التمويل من خلال إجراء المقتضى القانوني بالتنسيق مع مصرف لبنان»). ولذلك، علمت «الأخبار» أنه تم التواصل مع السراي الحكومي لتعديل النص، حيث يطلب بري شطب العبارة التي تشير إلى «إجراء المقتضى القانوني لتأمين التمويل». فرئيس المجلس يعتبر أن تغطية البطاقة ستتم من قروض البنك الدولي وليس من الاحتياطي. أما الملاحظة الثانية، فتتعلق بنسب الدعم المحددة في الاقتراح، والتي يعتبر البعض أنها لا تزال مرتفعة. هؤلاء يطالبون بإلغاء الدعم تماماً عن المحروقات، متجاهلين أن سعر صفيحة البنزين سيرتفع إلى 192 ألف ليرة وسعر صفيحة المازوت سيصل إلى 179 ألف ليرة، وسعر قارورة الغاز إلى 125 ألف ليرة. لا يكترث أصحاب هذا الرأي إلى أن معدّل الاستهلاك العائلي شهرياً، المقدّر من الحكومة، هو 5.3 صفائح بنزين و6.3 صفائح مازوت وقارورتا غاز، ما يعني أن المبلغ الذي تحتاج إليه الأسر لتغطية حاجتها إلى المحروقات فقط يفوق 2.3 مليون ليرة، فيما قيمة البطاقة التي لا تتخطى قيمتها حالياً مليوناً ونصف مليون ليرة، يفترض أن تعوّض، إضافة إلى كلفة المحروقات، كلفة المولد (347 ألف ليرة شهرياً) والسلة الغذائية (763 ألف ليرة)، وبالتالي فإن البطاقة ستكون غير كافية لتغطية الحدّ الأدنى من مصروف الأسر.
في النتيجة، وبحسب السيناريو الحكومي، ستنخفض كلفة الدعم من 5.044 مليارات دولار سنوياً إلى 2.513 مليار دولار، أي بتوفير 2.526 مليار دولار. لكن فيما يُصرّ مجلس النواب على عدم تمويل البطاقة من الاحتياطي، وكلفتها لا تتجاوز 566 مليون دولار، فإن أحداً لا يعرف كيف سيتم تأمين تمويل الدعم، إذا لم يكن من الاحتياطي، علماً بأنه لم يتم التواصل مع مصرف لبنان لأخذ رأيه بشأن تمويل الدعم. فمهما كانت قد خططت الحكومة ومهما قررت، فإن مصرف لبنان هو المتحكم الوحيد في نسبة الدعم ووجهته. وإذا لم يُوافق على استمرار الدعم، فلن يستمر، علماً بأنه وفق حسبة الحكومة، فإن كلفة الدعم والبطاقة التمويلية معاً لن يكون أكثر من 3 مليارات دولار، بما يعني توفير ملياري دولار عن الدعم الحالي.
يذكر أن السيناريو الذي قدم إلى اللجان النيابية قد قضى بتخفيض الدعم على البنزين بنسبة 40 في المئة، عاد وزير الاقتصاد، المسؤول عن إعداد الورقة، وخفّض النسبة إلى 30 في المئة. ولذلك، بعد أن كان يتوقع أن يكون سعر الصفيحة 104 آلاف و700 ليرة سيصبح 90 ألفاً و150 ليرة.
الحكومة تتعهد للمجلس النيابي بخفض الدعم بقيمة 2.5 مليار دولار سنوياً
إضافة إلى التعديل المتعلّق بالبنزين، فإن النسخة الأخيرة من سيناريو الدعم شهدت أيضاً تعديلاً في نسبة دعم المازوت، لكن بدلاً من زيادة نسبة الدعم كما حصل مع البنزين، ينصّ الاقتراح على تخفيض نسبة الدعم إلى 61 في المئة، بدلاً من 68 في المئة، بما يعني أن سعر الصفيحة سيكون 90.500 ألف ليرة بدلاً من 81 ألف ليرة (على الأسعار الحالية للنفط). أما في ما يتعلّق بالمواد الأخرى، فقد بقي الاقتراح كما هو، بحيث يُخفّض الدعم على الغاز بنسبة 30 في المئة (سعر القارورة 58.850 ألف ليرة)، ويلغى الدعم تماماً عن المواد الغذائية، ويبقى الدعم نفسه على القمح (85 في المئة) فيما ينخفض الدعم على الأدوية بنسبة 54 في المئة.