“تحت عنوان “تحليق الدولار يهدّد تجارة قِطَع السيارات… وسلامة المرور”، كتبت فرح نصور:
تعاني سوق قِطَع السيارات كما غيرها من الأسواق التي ترتبط بال#دولار، بعدما قارب الأخير حدود الـ 10 آلاف ليرة لبنانية. ولا يهدّد ارتفاع سعر الدولار عمل تجار هذا القطاع فقط، الذي تراجع بشكل ملحوظ وصار على شفير الهاوية، بل يهدّد أيضاً السلامة العامة نتيجة عدم قدرة المواطنين على تغيير ما يجب تغييره بسياراتهم من فرامل ومصابيح وغيرهما، جرّاء تقلّص قدراتهم الشرائية.
اضطر شاكر إلى أن يغيّر ملقطاً واحداً للفرامل منذ شهرين. دفع ثمنه مليون ليرة، ما يعادل سعره 100 دولار، “على رغم أنّ راتبي مليونا ليرة، لم يكن لدي خيار سوى أن أغيّره، فعدم تغييره يهدد سلامتي وسلامة الناس، فاقترضت من صديقي لأشتري قطعة جديدة”. ليس شاكر وحده مَن يحمل هم تعطّل قطعة في سيارته، فأصغر قطعة أصبحت تكلّف راتباً أو نصف راتب. والمشكلة أنّ هذه القطع سواء كانت مستعمَلة أم جديدة تُستورد بالدولار، وبالتالي تُباع بالدولار.
الطلب على القطع المستعمَلة زاد عن الجديدة بطبيعة الحال لأنّها أرخص، رغم أنّها بالدولار، “لكن ليس هناك بيع”، ولم يعد المواطن يستطيع دفع ثمنها. وعندما كان سعر صرف الدولار نحو 5000 أو 6000 ليرة، كانت الأسعار لا تزال مقبولة، لكن الآن ومع وصول الدولار الـ 10000 ليرة، توقّفت الحركة نهائياً، و”تمرّ علينا أيام لا نبيع فيها بأكثر من 10 دولارات، وضعنا تراجع كثيراً إلى الوراء، ويُقال إنّ سعر الدولار سيرتفع أكثر، وسنذهب إلى الإفلاس حينها”، يقول نرسيس نرسيسيان، تاجر قطع غيار سيارات مستعمَلة. ومع كل ارتفاع ب#سعر الصرف يخسر التاجر، فهو يبيع قطعه بسعر، ويقفز الدولار إلى سعر أغلى، ويذهب ربحه “فرق عملة”.
الأسعار هي نفسها بالدولار وتُباع أيضاً بالدولار للتمكّن من شراء غيرها، لكن لدى ذهاب نرسيس إلى السوق السوداء لشراء الدولار، يقول له الصرافون إنّهم لا يمكنهم بيعه حتى بالدولار لأنّه من المُحتمل أن يرتفع سعره أكثر، “هناك أمر غامض في السوق”.
وأصبحت أسعار أبسط القطع المستعمَلة تكلّف مبلغاً. مثلاً ملقط السيارة الذي يُستهلك كثيراً في السيارة، خصوصاً على طرقات لبنان حيث الكثير من الحفر والمطبّات، ثمنه 20 دولاراً أي ما يعادل 200 ألف ليرة اليوم، ومصباح إشارة السيارة سعره 10 دولارات أي ما يعادل 100 ألف ليرة. وضمن المستعمَل، هناك أنواع أفضل لكن أغلى من غيرها، لأن مدة استهلاكها قصيرة وليست ذات نوعية جيدة، ورغم ذلك، يبقى سعره أيضاً بالدولار.
“المحروق على القطعة فقط هو مَن يشتريها جديدة”، هذا ما يؤكّده مصطفى الزعيم، مدير محل الزعيم لبيع ##قطع السيارات الجديدة. وأصبح الناس ينتظرون حتى تتعطّل سياراتهم نهائياً لكي يشتروا لها قطع غيار، وعدا عن ذلك، قليلون جداً من يشترونها بشكلٍ مبكر.
لم تعد المشكلة محصورة فقط بانعكاس ارتفاع سعر الدولار على القطعة. وكي تزيد وزارة المال “الطين بلّة”، ألزمت التجار بإصدار الفواتير بالليرة، فأصبحت الضريبة على القيمة المضافة أيضاً على سعر الصرف بعد أن كان التجار يحتسبون هذه الضريبة على سعر 1500 ليرة. وبالتالي، يدفع الزبون هذه الزيادة، ما زاد من سعر القطعة أيضاً. وكلّما ارتفع الدولار، ترتفع معه هذه الضريبة على الزبون.
ومع كل ارتفاع للدولار يتراجع المبيع أكثر، فالقدرة الشرائية لدى الناس تتقلّص مع ارتفاع الدولار، “ولو لم يكن المحل ملكنا لكنّا أقفلنا بسبب تراجع العمل الكبير”. وأكثر القطع التي تُطلب هي القطع التي تعطّل السيارة نهائياً، كالفرامل.
إلى أي مدى يزيد عدم تغيير قطع السيارات من نسبة الحوادث؟
في حين أنّ لا أرقام علمية عن نسب حوادث السير المرتبطة بسوء حالة السيارات، يرى الخبير في إدارة السلامة المرورية، كامل ابرهيم أنّه من الطبيعي أن يزيد احتمال وقوع الحوادث بسبب سوء الحالة الفنية للسيارة.
بالمفهوم العلمي للحوادث، هناك ثلاثة عناصر أساسية تؤدي إلى حادث سير، ومنها أن تكون المركبة بحالة فنية جيدة من خلال الصيانة الدائمة لها. لكن أصبحت صيانتها في لبنان صعبة بسبب تراجع قدرة الناس الشرائية وارتفاع سعر الدولار، فقطع الغيار جميعها بالدولار ومَن كان يستبدل فرامل سيارته كل ستة أشهر، أصبح يغيّرها كل سنة ولن يكون تغييرها من أولوياته في مقابل الهموم الأخرى التي يعيشها، وبات ينتظر تعطُّل سيارته نهائياً لتصليحها من دون صيانتها بشكلٍ مسبق.
ولن نرى بالتالي التداعيات السلبية لمشكلة عدم تغيير قطع السيارة الواجب تغييرها الآن، إنّما في المدى الأبعد، لأنّ خلال العام الماضي لم تتنقل الناس كثيراً بسياراتها بسبب الإقفال وكورونا، لكن ستظهر مشاكل السيارات عندما يعاود الناس التنقل أكثر وستصبح الصرخة أكبر لأنّ الدولار ينحو إلى الارتفاع.
يقصد ابرهيم هنا السيارات التي يفوق عمر استهلاكها الـ 15 عاماً وليس الجديدة منها، والتي نسبتها كبيرة جداً في لبنان. وإذا ما اعتبرنا أنّ هناك مليوني سيارة مسجَّلة في لبنان، سيكون هناك نحو 10 آلاف سيارة غير قابلة للسير بسبب سوء حالتها وتتسبّب بحوادث وتشكل خطراً على السلامة العامة. إذ يكفي أن تواجه سيارة واحدة منها مشكلة على الخط السريع لتتسبّب بحادث مع 10 سيارات أخرى.
لذلك، أصبحت مخاطر حوادث السير مرتفعة جداً، خصوصاً نتيجة عدم تغيير الفرامل والإطارات، فهاتان القطعتان على تماس تام مع الحوادث، ويجب أن تراقبا بشكل دائم، إضافة إلى المسّاحات والمصابيح والإشارات.