المصدر : جريدة الأخبار
ما الذي “يجري” عندما يتوقف تاجر كبير عن مدّ السوق بالمواد الأساسية؟ الجواب عن هذا السؤال بسيط وموجع: انقطاع تلك المواد وارتفاع أسعارها. هذا ما يحدث اليوم في سوق اللحوم، بعدما قررت إحدى أكبر شركات استيراد الماشية التوقف عن تزويد السوق بالماشية بسبب تأخر معاملاتها في مصرف لبنان.
«زعل» الـ«رقم واحد»، باعتراف زملائه في «الكار»، من تأخير ملفاته في مصرف لبنان، فاحتجز المواشي… وكفى الله المؤمنين شرّ القتال، واللبنانيين «شرّ اللحوم»! هذا، حرفياً، ما يجري اليوم. عدد كبير من الملاحم انقطع عن بيع اللحوم، ومن استمر باع بأسعارٍ «غير مدعومة»، فوصل سعر كيلو لحم العجل إلى ما بين 60 ألف ليرة و70 ألفاً. وزارة الاقتصاد سطّرت محاضر ضبطٍ بحق المخالفين، تجاراً وملاحم، وصلت حصيلتها في اليومين الأخيرين إلى 30 محضر ضبطٍ. هنا، يمكن الحديث عن «نوعين» من التجار: نوع يستفيد من الدعم ويبيع «بضاعته» بسعرٍ غير مدعوم، وهذا «ستحال ملفاته إلى القضاء»، على ما تقول مصادر الاقتصاد. و«نوع» يبرّر البيع بأسعار غير مدعومة بأنه اشترى بضاعته من السوق السوداء. وهنا، «سنعمل سؤاله من أين اشتراها للتحقق من الأمر»، قبل أن يحال المخالف إلى القضاء أيضاً.
امتعاض تاجر واحد أو غيره ممن يملكون مفاتيح سوق اللحوم قد يحدث في أي وقت، كما حصل خلال الأيام الماضية، لكن ذلك يبقى سبباً واحداً، لا يختصر جملة الأسباب التي قد تؤدي في أي لحظة الى انقطاع اللحوم في السوق. من هذه الأسباب، تتوقف نقابة القصابين ومستوردي وتجار المواشي الحية عند الـ«كوتا» التي منحتها الدولة لهذا القطاع، إذ استندت في تحديد الكميات إلى ما كان يستورده التجار قبل ثلاث سنوات، أي «موسم» 2018 – 2019. وهو إجراء، بحسب النقابة، «تسبب في تراجع الكمية في السوق إلى حدود النصف»، بحسب أمين سر النقابة ماجد عيد، ما أحدث أزمة في السوق، خصوصاً إذا أخذنا في الاعتبار تضاعف الطلب على هذه المادة، كما غيرها من المواد الإستهلاكية. هكذا، فقد التوازن بين كمية لم تعد تفي بالغرض لأن المصرف المركزي اتبع سياسة «القطارة» بسبب الشحّ الذي فرضته الأزمة المالية، وبين طلبٍ زاد عما كان عليه قبل الأزمة.
سبب آخر تشير اليه النقابة، هو «فرض وزارة الاقتصاد منذ فترة مطالب إضافية تتعلق بإرفاق البيانات الجمركية وبوالص الشحن مع المعاملة، وهو ما يسهم في تأخير وصول الشحنة، خصوصاً أنه ينتظرنا وقت طويل لخروج المعاملة من المصرف المركزي»، يكمل عيد. لكن هذا الإجراء، بحسب وزارة الاقتصاد، ليس ترفاً، بل هو «لتسهيل أمور التجار، انطلاقاً من مراعاة أولوية الوصول. فهناك تجار مثلاً تقدموا بطلبات استيراد وآخرون شحنتهم في طريقها إلى لبنان وفئة ثالثة وصلت شحنتها إلى المرفأ. واستناداً إلى الأوراق نسرّع في إجراءات الشحنة التي وصلت، للسماح للتاجر بأن يقبض أمواله قبل غيره».
أما السبب الثالث، فهو الجشع، وهو من الأسباب التي يستعصي حلها، خصوصاً في ظل الأزمات الاقتصادية التي تخلق «تجار أزمات». اليوم، لا يوجد في السوق بقر مدعوم وآخر غير مدعوم، فـ«كل ما هو موجود في السوق مدعوم»، وفق ما أقرته آلية الدعم. أما في عرف التجار، فالمدعوم يصبح بـ«قدرة تاجر» غير مدعوم، ويصير سعره سعر السوق السوداء. و«تجار الأزمات» ليسوا فئة محددة، بل «تشكيلة» من الكل: بعض التجار وبعض القصابين وكل من يمت بصلة إلى القطاع. وهذا ما دفع بوزارة الزراعة إلى «استدعاء» ممثلين عن القطاع وإطلاق تحذير عالي النبرة، بأنه في حال التلاعب «ما بقى فيه أذونات»، على ما تقول مصادر الزراعة. وفي انتظار ما سيقوم به التجار والقصابون في المرحلة المقبلة، على اللبنانيين «الركّ» على العدس… إذا ما استطاعوا اليه سبيلاً.