سجال الوقت الضائع الرئاسي: مبارزة الموارنة الأربعة وتحالفاتهم

 المدن

على وقع الحركة السياسية الداخلية التي يسعى فيها عدد من الأفرقاء لفصل مسار الحرب في الجنوب عن المسار الرئاسي، هناك من يعود إلى استذكار تجربة الانتخابات الرئاسية في العام 2016، والتي أعطاها عرّابوها طابعاً لبنانياً. إذ نسبوا التسوية حينها إلى تفاهمات داخلية، وخصوصاً تفاهم التيار الوطني الحرّ مع القوات اللبنانية. علماً أن تلك التسوية كانت قد حصلت بناء على حوارات ومشاورات ومفاوضات ثنائية، إلى جانب الحوار الموسع الذي كان يترأسه رئيس مجلس النواب نبيه برّي في عين التينة. وآخر جلسة لذاك الحوار كانت قبل أسبوعين من موعد جلسة 31 تشرين الأول التي انتخب فيها ميشال عون رئيساً للجمهورية.

سيناريو متكرر؟
على هامش ذاك الحوار الموسع، والذي طرح فيه برّي يومها الاتفاق على سلّة شاملة لتحصين العهد، وهو الأمر الذي رفضه رئيس التيار الوطني الحرّ، جبران باسيل، يومها، نظراً للتقارب مع تيار المستقبل وتلقي بوادر إيجابية للسير بخيار “الجنرال”. حصلت التسوية قبل 8 أيام من انتخاب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة الأميركية. وهنا يختلف اللبنانيون في تفسيراتهم، بين من يعتبر أن بعض القوى المتابعة للشأن الأميركي أيقنت يومها تقدم الجمهوريين، فسارعت إلى إنتاج تسوية في الداخل، ووصل الأمر بأحد أبرز المسؤولين اللبنانيين إلى القول إنه لو تأخر انتخاب عون أسبوعاً واحداً لما كان حصل، في إصرار على ربط ما جرى بتفاهم أو تقاطع إيراني أميركي، انسجاماً مع الاتفاق النووي يومها في أواخر أيام باراك أوباما.

حالياً، هناك من يسعى إلى إعادة نسج سيناريو مشابه. وينطلق في تحركه الداخلي، بتقديم طروحات متعددة، أبرزها اقتناع باسيل بالحاجة إلى التفاهم، واعتباره أفضل من الانتخاب على قاعدة التحدي، لتأمين نجاح العهد إلى جانب تأمين نجاح العملية الانتخابية. هي مساحة يسعى باسيل فيها إلى خلق المزيد من التقاطعات مع بعض القوى الوسطية، في محاولة لتشكيل كتلة نيابية وازنة ومقررة في المسار الانتخابي.
في المقابل، هناك طرح آخر أبرزه رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، بدعوة المسيحيين الأربعة الأقوياء للنزول كمرشحين إلى المجلس النيابي وخوض المعركة الانتخابية وليبارك الثلاثة منهم لمن يفوز.
عاد فرنجية وأكمل طرحه بالردّ على التيار الوطني الحرّ، الذي كان يتحدث سابقاً وفق معادلة الأقوى في طائفته، فاعتبر رئيس المردة أنه بناء على هذه المعادلة لا بد من انتخاب سمير جعجع.

أمام خيارين
أراد فرنجية من خلال هذا الطرح أن يوضح مدار الإنقسام في لبنان، بين حزب الله وحلفائه من جهة والذي يتقدمهم فرنجية كمرشح لهذا الخطّ. وبين سمير جعجع وحلفائه من جهة أخرى، وهو بذلك يضع باسيل أمام خيارين، إما الوقوف إلى جانب خط حزب الله أو الخط المعارض. وهو بدا متقيناً من أن التسوية قريبة، وستكون في صالح الخط السياسي الذي يمثله. بخلاف وجهة نظر باسيل، الذي يدعو إلى عدم الرهان على تطورات الخارج لإنتاج رئيس في الداخل. ما بينهما، قدّم رئيس حزب الكتائب سامي الجميل اقتراحاً جديداً يدعو فيه إلى انسحاب الأقوياء الأربعة في الطائفة المارونية، لإفساح المجال أمام التفاهم، وهو بذلك يردّ على فرنجية.

عملياً، يبقى التراشق في إطار إضاعة الوقت، بانتظار حصول تطور يتقاطع ما بين الداخل والخارج يفضي إلى نوع من التسوية. وهو ما يعبّر عنه الفرنسيون في أوساطهم حول توفر الظروف لفرصة تمرير الاستحقاق الرئاسي في هذه المرحلة، كجزء من مسار لتخفيف حدة الصراع والتوتر في لبنان، وكمحاولة لتجنّب التصعيد في الجنوب. إلا أنه لبنانياً لا يبدو هناك إرادة لتجاوز ذلك، نظراً لحسابات مختلفة ومتضاربة لدى الأطراف.

يذكر أنه خلال وجود لودريان في بيروت، توافق مع برّي على عقد حوار للتوافق على اسم أو أكثر والتوجه بعدها إلى جلسة انتخابية، وتعهد برّي ان تستمر الجلسات إلى حين انتخاب رئيس للجمهورية، وأن هذا الحوار يمكن أن يؤسس لضمانات بعدم تعطيل النصاب من قبل أي طرف، وطلب برّي من لودريان أن يقنع جعجع بالحوار.

جعجع وبرّي
سعى لودريان مع القوات لإقناعها بالحوار، وطلب من جنبلاط مساعدته في ذلك، فكلف جنبلاط غازي العريضي التواصل مع برّي وحزب الله، حيث التقاهما وأبلغه الحزب أنه يكلف الأمر إلى برّي ومستعد للمشاركة في حوار من دون شروط ومن دون أن يطالبه أحد بسحب مرشحه، ومتلزم بما يقرره برّي، الذي أكد أيضاً أنه لا يجب على أي طرف أن يطالب الطرف الآخر بسحب مرشحه. عندها كلف جنبلاط وفد الاشتراكي زيارة جعجع وإقناعه. وافق جعجع بشرط أن لا يكون برّي رئيس جلسة الحوار، مقترحاً إما أن يكون لودريان هو مدير الجلسة، أو أن يفتتح برّي الجلسة بكلمة، وبعدها يوكل المهمة لنائب رئيس مجلس النواب وهيئة مكتب المجلس، أو أن تنشط كتلة الاعتدال في التحاور بين الكتل. فرفض برّي كل هذه الصيغ تحت شعار أنه ليس سائحاً في المجلس النيابي، ولا يمكن أن يسهم في إهانة موقع رئيس مجلس النواب. عندها رفض جعجع المشاركة في حوار برئاسة برّي، كي لا يسعى إلى تكريس أعراف جديدة. وتكشف مصادر متابعة أنه قبل زيارة الاشتراكي إلى معراب، تلقى جعجع نصيحتين أميركية وفرنسية، من سفيري أميركا وفرنسا في لبنان حول عدم تعطيل الحوار. حينها قرر جعجع فتح التواصل الثنائي مع برّي عبر أحد موفديه، حيث تم عقد لقاء تم خلاله الوصول إلى صيغة حصر الحوار بثلاثة أيام فقط، وبعدها يتم التوجه إلى الجلسة. لكن جعجع اقترح أن يكون التشاور ثنائياً أو عاماً في القاعة العامة لمجلس النواب وبحضور 128 نائباً، فاعتبر برّي أن الطرح مزحة وغير جدّي، وتوقف التفاوض مجدداً.