قمح اللبنانيين في خطر: الأزمات تتفاقم وتشتدّ

قمح اللبنانيين في خطر: الأزمات تتفاقم وتشتدّ

إيمان مصطفى / خاص العهد

أرخت الحرب الروسية على أوكرانيا بظلالها على لبنان الذي يستورد قمحه منها بنسبة تصل لـ 60 بالمئة. وفي حين أن الكميات المتوافرة في السوق لا تكفي لأكثر من شهر، تظهر العقبات أمام استيراد هذه المادة الأساسية، فضلًا عن ارتفاع سعره العالمي. 

أمام هذا الواقع لم يحرك المعنيون في لبنان ساكنًا، والخلية الوزارية للأزمة لم تتمكن من عقد اجتماعها بعد! 

لا أزمة خبز

“في الوقت الحالي لا أزمة قمح ولا أزمة على مستوى رغيف الخبز”، يقول رئيس نقابة صناعة الخبز طوني سيف لـ “العهد”، ويؤكد أن المطاحن والمخابز تتكبّد عناء التقلبات الهائلة في أسعار المواد الأولية مثل السكر والطحين، في حين أن الضربة الكبرى تأتي في سعر المازوت الذي قفز سعر الطن منه عالميًا بشكل كبير.

ووفقًا لسيف، فإن مخزون الطحين والقمح الموجود في إهراءات المطاحن والبواخر الموجودة في البحر يبلغ تقريبًا 50 ألف طن، وهذه الكمية تكفي لشهر تقريبًا فقط. ويشدد على ضرورة متابعة الأمن الغذائي واتخاذ التدابير اللازمة في هذا الموضوع، آسفًا لتقاعس الحكومة ووزير الاقتصاد في هذا الملف، اذ لم يتم العمل بعد على التواصل مع دول أخرى مصدرة للقمح لإيجاد سوق بديلة عن أوكرانيا وروسيا، بحجة أن مصرف لبنان المركزي يعاني من مشاكل في تحويل العملة الصعبة الى الخارج، وبالتالي يتأخر بتحويل المبالغ اللازمة لاستيراد القمح نتيجة عدم توافر الدولارات.

وبناء عليه، يحذّر سيف من احتمال انقطاع القمح عالميًا، الى جانب ارتفاع سعره يوميًا، ويوضح في هذا السياق أن لبنان استورد باخرتيْ قمح على سعر 360 دولارًا للطن الواحد، في حين يبلغ سعر الطن اليوم 550 بفارق 200 دولار تقريبًا، داعيًا للتحرك في هذا الملف خصوصًا أن حجم استيراد هذه المادة يبلغ 100% في لبنان، اذ إن القمح​ الطري الذي يُزرع محليًا غير صالح لصناعة ​الخبز​، ويتم توريده للخارج لصناعة البرغل أو المعكرونة وغيرهما. 

الأفران قد تتوقف قسريًا عن العمل 

من جهته، لا يجد عضو اتحاد نقابات الأفران في لبنان علي إبراهيم أن لبنان سيقع في أزمة شح كلي من مادة القمح، وما أصاب لبنان بعد الحرب بأوكرانيا، هو أن ارتفاع سعر القمح عالميًا فرض على مصرف لبنان المركزي دفع مبالغ أكبر بالدولار لاستيراد كمية القمح نفسها، فـ”أصبح يسعى للتقنين بالاستيراد”. وعليه، ثمة علاقة مباشرة بين قدرة البنك المركزي على دعم استيراد القمح، وارتفاع أسعاره عالميًا، وذلك قد ينعكس تلقائيًا على سعر ربطة الخبز في لبنان.

ويحذّر إبراهيم عبر “العهد” من “عدم قدرة الأفران على الاستمرار في ظل الارتفاعات الكبيرة التي طرأت على أسعار المازوت والسكر مما يلحق بهذا القطاع خسائر فادحة ستؤدي حتمًا الى التوقف القسري عن انتاج الرغيف”. ويلفت إلى أنه “أمام هذا الواقع المستجد، نحمل وزارة الاقتصاد والتجارة مسؤولية فقدان الرغيف لاهمالها قطاع الأفران والمخابز الذي باتت اليوم بحال مأساوية يصعب علينا تحملها”.

ويشير إلى أنه “تم تسعير ربطة الخبز اليوم بـ 10000 ليرة بزيادة 2000 ليرة”. ويتابع: “كانت التسعيرة على أساس سعر الدولار 20500 ليرة في حين قفز هذا السعر اليوم، كما تم اعتماد سعر طن السكر 620 دولارًا في حين بلغ اليوم الالف دولار وهو “مفقود” بسبب احتكار التجار، ووسط وصول سعر طن المازوت الى 1150 بدلًا من 750 دولارًا، فكيف ستستمر الأفران؟”.   

ويختم مشددًا على أن الاتحاد لا يوفر جهدًا لمنع انقطاع الخبز كي لا يمسّ مباشرة بلقمة الفقراء. 

مقبلون على أزمة قمح

“يستورد لبنان سنويًا 500 ألف طن من القمح أي بمعدل 45 ألف طن شهريًا”، بحسب نقيب المزارعين في منطقة البقاع عبد الله زعيتر الذي يتحدّث لـ “العهد”، ويضيف “لا يوجد لدى المطاحن سوى 50 ألف طن من القمح تكفي لنحو شهر، في حين يدعم مصرف لبنان المركزي 100% استيراد القمح على سعر صرف رسمي (1515) ليرة لبنانية للدولار، وهناك صعوبة بفتح اعتمادات جديدة لاستيراده من مصادر أخرى مثل أميركا والأرجنتين، نتيجة الأعباء المالية وكلفة الشحن وارتفاع الأسعار عالميًا”.

زعيتر يؤكد أن مزارعي البقاع يسلمون للدولة قرابة الـ 45 ألف طن سنويًا من القمح، أي حوالي الـ 10 بالمئة من احتياط البلد. ووفقًا له، بإمكانهم كنقابة مزارعي الحبوب في محافظة البقاع أن يوفروا احتياطي أكبر قد يصل لـ 250 ألف طن أي نصف حاجة البلد سنويًا، في حال تعاونت الحكومة ودفعت المستحقات المترتبة عليها للمزارعين وأمّنت لهم حاجاتهم من البذار والمواد الكيمائية وغيرها. 

ولا يُخفي زعيتر مخاوفه من حجم المشكلة القائمة، انطلاقًا من الخفّة التي تتعامل بها الدولة مع هذا الامر الحيوي الذي يهدد الامن الغذائي في البلاد، محذرًا من أننا مقبلون على أزمة قمح اذا استمر الوضع على حاله، مناشدًا المعنيين العمل على تعزيز القطاع الزراعي حتى تحقيق الاكتفاء الغذائي. 

وفي هذا السياق، علا صوت زعيتر محذرًا من انقطاع المازوت، مشددًا على أن القطاع الزراعي قائم على هذه المادة في جميع مراحلها، فهي عصب هذا القطاع بكل ما للكلمة من معنى، وناشد عبر “العهد” المعنيين بضرورة تأمين المازوت لتشغيل مولدات الكهرباء  لاستخراج المياه لري الأرض، والتي ستبدأ عملها في شهر نيسان، حيث يتراوح حجم استهلاك المازوت لكل مولد من 500 الى 1000 ليتر في الليلة الواحدة، واذا لم يتم متابعة الري في شهر نيسان سيصاب موسم القمح بنكبة تصل لتلف 50 بالمئة من المحصول. 

ويختم زعيتر: “الدولة لا تزال غائبة عن الوعي وتحاول أن تعوّض عن فشلها وإهمالها الناتج من التأخر في إعلان حالة الطوارئ الغذائية، فكيف لوزير الاقتصاد أن يُصدّر 35 ألف طن كيلو قمح الى تركيا، في حين أن الأمن الغذائي المحلي ينازع، وعندما استفاق وأصدر قرارًا بمنع تصدير الحبوب، كان المحصول قد نفد ولم يتبقّ إلا ما ندر؟”.