أطلقَتِ الشبكةُ الدوليةُ لدراسةِ المجتمعاتِ العربيةِ ومنظمةُ النهضةِ للديمقراطيةِ والتنميةِ، سلسلةً مِنَ الندَواتِ العلميةِ الرقميةِ بعنوانِ “التحوُّلاتُ في العالمِ العربيِ ومشروعُ النهضة”. وانطلقَتِ الندوةُ الأولى في 15 مِنْ شهرِ آبَ / أوت 2021 بعنوانِ “تحوُّلاتُ العالمِ العربيِ وأسئلةُ النهضةِ”، بمشاركةِ ثُلَّةٍ مِنَ المفكّرينِ العربِ مِنْ مِصْرَ والمملكةِ العربيةِ السعوديةِ، والذينَ اختصّوا في هذهِ المسائلِ المعرفية.
افتتحَتِ الندوةَ المنسّقةُ العامةُ للشبكةِ الدوليةِ لدراسةِ المجتمعاتِ العربيةِ الدكتورة ماريز يونس التي رحّبَتْ في بدايةِ كلمتِها بالمشاركينَ، وبجمهورِ المتابعينَ مبيِّنةً المبرّراتِ الموجبةَ للعودةِ إلى مناقشةِ مفهومِ “النهضةِ” وما يستجرُّهُ مِنْ أسئلةٍ إشكاليةٍ رغمَ مضيِّ عقودٍ طويلةٍ على طرحِها، وأشارَتْ إلى أهميةِ الشراكةِ بينَ الشبكةِ والمنظّمةِ في هذا المشروعِ المهمِّ الذي يُسهِمُ في بناءِ أسئلةٍ جديدةٍ للنهضةِ العربيةِ تواكبُ التحوُّلاتِ العميقةَ التي يشهدُها العالمُ العربيّ.
بعدَها أحالَتِ الكلمةَ إلى ميسرِ الندوةِ الفيلسوفِ العربيِّ الكبيرِ الدكتور مصطفى النشار الذي أكّدَ أنَّ الصدامَ الحضاريَّ الذي عاشَهُ العالمُ العربيُّ منذُ ما يقاربُ القرنيْنِ مِنَ الزمنِ، أيْ منذُ الحملةِ الفرنسيةِ على مِصْرَ، وما أعقبَها مِنْ حروبٍ استعماريةٍ واجهَ فيها العربُ بوارجَ المعتدينَ بالأحصنةِ، وأسلحتَهُم الفتّاكةَ بالعِصِيِّ!!!، مُبرِزًا أهميةَ المباشرةِ بالحلولِ التي قدَّمَها السَّلَفُ النهضويُّ الأوّلُ، مِنَ أتباعِ الأصالةِ والمعاصرةِ والقيمةِ الفعليةِ للمواءمةِ بينَهما.
بعدَها كانَتِ المداخلةُ الأولى معَ الدكتور مجدي عبد الحافظ مِنْ مِصْرَ، الذي أقرَّ بموجةِ التحوُّلاتِ الحاصلةِ في عالمِنا العربيِّ منذُ ما يقاربُ القرنيْنِ مِنَ الزمنِ، وبتأثيراتِها على الوسائلِ والأجهزةِ والمؤسّساتِ والهيئاتِ والثقافةِ والسلوكِ والقيم. وقدْ ميّزَ عبدُ الحافظ بينَ مفهومَي “النهضةِ” و”الحداثةِ”… مُشيرًا إلى ميلِهِ إلى المفهومِ الثاني؛ لكونِهِ أعمقَ وأشملَ، بينَما لا يجدُ المفهومُ الأوّلُ إلّا جهدًا لصيقًا بزمانٍ ومكانٍ معيّنيْن .
بينَما سلكَ الأستاذُ شايع الوقيان مِنَ المملكةِ العربيةِ السعوديةِ غورًا عميقًا في أسئلةِ النهضةِ، مستوضحًا ماهيّتَها بالتحديدِ، وارتباطَها الوثيقَ بمفهومَي الأنا – الهُويةِ الملتبسةِ قوميًّا ودينيًّا ومشرقيًّا منذُ كانَ مفهومُ النهضة .
المداخلةُ الأخيرةُ كانَتْ معَ الدكتور عصمت سيد حسين نصار مِنْ مِصْرَ ، والذي ميّزَ في قراءتِهِ لأسئلةِ النهضةِ بينَ خطابٍ مرسلٍ، ومشروعٍ حقيقيٍّ يرتكزُ على أعمدةِ الوعيِ والحريةِ والتراثِ والإصلاحِ وغيرِها مِنَ العناوينِ والأسسِ التي أرساها المتنوِّرُ حسن العطار وصحبتُهُ ومُريدوهُ مِنْ رُوّادِ النهضةِ في القرنيْنِ الثامنَ والتاسعَ عشرَ الذينَ حاولوا تشكيلَ فلسلفةٍ للمستقبلِ بالاتكاءِ على التراثِ بمكوِّناتِهِ الخصوصيةِ الروحيةِ والدينيةِ، وعمِلوا على ترسيخِ مشروعٍ نهضويٍّ سليمٍ يقاربُ الواقعَ ويُوفِّقُ بينَ مكوِّناتِهِ وأفرادِهِ بعيدًا مِنَ العدائيةِ والراديكاليةِ والإلغاءِ، وينفتحُ على الآخرِ – الغربِ، بما يخدمُ صيرورةَ مشروعِ النهضةِ، في منحًى سلِسٍ يحافظُ على الهويةِ ويحصِّنُها مِنَ التقويضِ أوِ التزييف .
بعدَ عرضِ الأوراقِ العلميةِ، شهدَتِ الندوةُ نقاشًا معرفيًّا وتفاعليًّا بينَ المفكّرينَ المتدخّلينَ والجمهورِ العربيِّ المتابعِ عبرَ وسائلِ التواصلِ الاجتماعيِّ، الذي طرحَ جملةً مِنَ الأسئلةِ شكّلَتْ إضافةً مهمّةً للندوةِ؛ لما أثارَتْهُ مِنْ تفاعلٍ وتداولٍ معمّقٍ للأفكارِ والطروحاتِ مِنْ قِبلِ المفكّرينَ المتدخّلين.
وأجمعَ المفكّرونَ في ختامِ الندوةِ على أهميةِ هذهِ السلسلةِ مِنَ الندَواتِ المعرفيةِ، كأرضيةٍ تأسيسيةٍ لبناءِ أسئلةٍ جديدةٍ لمشروعِ النهضةِ تتجاوزُ الأسئلةَ التي طرحَها رُوّادُ النهضةِ ما قبلَ تحوُّلاتِ العالمِ العربيِّ، ولإعادةِ تعريفِ المصطلحاتِ والمفاهيمِ المرتبطةِ بالنهضةِ ضِمْنَ سياقِ هذهِ التحوُّلاتِ الجديدة.