طباعة الليرة اللبنانية بلغت مستوى قياسياَ.. وهذه مخاطرها

فاطمة سلامة

في الأول من نيسان عام 1964 بدأ مصرف لبنان عمله. تراوح سعر صرف الليرة وقتها وحتى بداية عام 1981 بين 3.22 و3.92 ليرات للدولار الأميركي الواحد. في حينها، كان لليرة اللبنانية وزنها وثقلها. ومع الوقت، بدأت قيمة الليرة بالتراجع والتأرجح. وصلت قيمة العملة الوطنية في آب 1992 الى 2880 ليرة للدولار، لتنخفض الى الـ1900 ليرة أواخر السنة. وحين استلم حاكم مصرف لبنان رياض سلامة سدّة الحاكمية في آب 1993 كان سعر صرف الدولار 1950 ليرة. بعدها بسنوات وتحديداً في حزيران عام 1999 صدر قرار بضبط سعر صرف الدولار عند الـ 1507.5 ليرات. ذلك القرار أوهم اللبنانيين لأكثر من عقدين أنّ الليرة مستقرة، لنكتشف لاحقاً أنّ هذا الاستقرار الوهم كلّف لبنان مليارات الدولارات من هندسات الى هرطقات مالية نتيجة سياسة نقدية لا حكيمة. سياسة أوصلت سعر الصرف اليوم الى أرقام جنونية دفع بموجبها المواطن اللبناني أثماناً باهظة. 

والمؤسف أنّ سياسة المصرف المركزي غير السليمة والقائمة على الفوائد العالية والهندسات المالية لم تقف عند هذا الحد، بل ذهب حاكم مصرف لبنان بعيداً في طباعة العملة اللبنانية، وهنا مشكلة المشكلات التي أدّت الى تحليق الدولار بالشكل الذي نشهده اليوم. اذ يؤكّد خبراء في هذا الصدد أنّ الكتلة النقدية وصلت حتى اليوم الى أكثر من  19 ألف مليار ليرة، وهي تزداد شهرياَ بحدود الـ2000 مليار ليرة. فما مخاطر هذه السياسة التي يتّبعها البنك المركزي على العملة الوطنية؟ وما تأثيراتها في السوق اللبنانية؟. 

طباعة العملة بشكل عشوائي أدت الى  توسيع دائرة التضخم بشكل مخيف

الكاتب والباحث الاقتصادي الأستاذ زياد ناصرالدين يعتبر في حديث لموقع “العهد” الإخباري أنّ النهج الذي يتّبعه مصرف لبنان في طباعة العملة بشكل عشوائي أدى الى  توسيع دائرة التضخم بشكل مخيف جداً، حيث لم تعد النسبة على الورقة والقلم 50 بالمئة بل أكثر بكثير، وهو ما بدا جلياً في الأسعار والأسواق. ويوضح ناصر الدين أنّ مصرف لبنان ينكب على طباعة العملة الوطنية بحجة أنّ الدولة تحتاج شهرياً الى الف و300 مليار ليرة كمصاريف ورواتب، ويتذرع بأنه يضطر الى تأمين هذه القيمة عبر الطباعة وسط غياب إيرادات الدولة منذ أزمة 17 تشرين الأول. هذا الكلام -وفق ناصرالدين- يحتاج الى التدقيق بواقع النقد. علينا معرفة كم يدخل إيرادات فعلية الى خزينة الدولة وعلينا التدقيق بوضع النفقات. وهنا أصبح إقرار موازنة الـ2021 أكثر من ضرورة -برأي ناصرالدين- لتحديد الحسابات ومعرفة ماذا لدينا من إيرادات ونفقات خصوصاً أن هناك مرافق حيوية لا تزال فاعلة وتستوفي الرسوم الضريبية. فهل من المعقول القول إنه ليس هناك ايرادات أبدا للدولة؟ يسأل المتحدّث.

طباعة الليرة اللبنانية بلغت مستوى قياسياَ.. وهذه مخاطرها

لطباعة العملة شروط وضوابط

 ويؤكّد ناصرالدين أنّ طباعة العملة بهذه الطريقة العشوائية هي أحد الأسباب التي أدت الى رفع سعر صرف الدولار. وفق حساباته، فإنّ لطباعة العملة شروطا وضوابط، ولا يجب أن تتم كيفما كان. طباعة العملة -بنظره- يجب أن تترافق مع بعض الضمانات لحمايتها، كأن يكون لدينا ما يوازي كمية الطباعة من الاحتياطات الأجنبية، أو ما يوازيها من الذهب. أو أقله يجب أن يكون لدينا ما بين 30 الى 40 بالمئة من نسبة الطباعة مغطاة. لا يمكن طباعة هذه الكميات الكبيرة والقول إن هذا الخيار يساعد السوق، على العكس من ذلك فإنّ هذا الخيار يخنق الناس. وفق ناصرالدين، فإنّ السياسة الحكيمة تستدعي الأخذ بعين الاعتبار موجودات مصرف لبنان قبل الإقدام على الطباعة العشوائية. يلفت ناصرالدين الى أنّ لدى مصرف لبنان -وفق ما يقول- احتياطات من العملات الأجنبية بقيمة عشرين مليارا و300 مليون دولار، وذهبا بقيمة 16 مليار ونصف مليار دولار، كما لدى المصارف موجودات نقدية بقيمة 13 مليار دولار. يستعرض ناصرالدين هذه الأرقام ليؤكّد أننا اذا أردنا أن نقارب هذه الأرقام علينا مقاربتها مقارنةً بحجم الدين العام الذي وصل الى الـ95 مليار دولار، 60 بالمئة سندات بالليرة اللبنانية والمتبقي بالدولار. 

ويُشدد ناصرالدين على أن لبنان يرزح اليوم تحت سندان حالة من التضخم كبيرة جداً، والسبب الرئيسي يكمن في طباعة العملة الوطنية بلا حدود، ما أدى الى ارتفاع سعر صرف الدولار وتدهور العملة. تماماً كما أدى الى حدوث تضخم كبير جداً ما أدى الى تآكل الرواتب والأجور، اذ باتت كافة الأسعار اليوم مرتبطة بسعر صرف الدولار بالسوق السوداء، ما أدى الى تآكل القدرة الشرائية. 

لا يمكن حماية العملة باتباع نهج الطباعة كيفما كان

ويأخذ ناصرالدين على مصرف لبنان إصداره التعميم المتعلّق بدفع التحويلات المتأتية من الخارج لأصحابها بالليرة اللبنانية، فالسوق اللبناني يطلب شهرياً 600 مليون دولار، أما العرض لا يتخطى الـ 120 مليون دولار. تغطية هذا الفرق تتم اليوم بالليرة اللبنانية، وهو الأمر الذي أدى الى حدوث هذا التضخم المرتفع جداً، خاصة أننا في سوق استهلاكي استيرادي. وهنا يُشدد ناصرالدين على أنه لا يمكن حماية الليرة الا بعد تحول اقتصاد لبنان الى اقتصاد منتج. لا يمكن حمايتها إلا بعد إيقاف استيراد مواد غذائية بقيمة ملياري دولار سنويا. لا يمكن حماية العملة باتباع نهج الطباعة كيفما كان. على المصرف المركزي التنبه جيداً -وفق ناصرالدين- فعرض الليرة اللبنانية بهذه الطريقة يجعل سعر صرف الدولار يرتفع بشكل كبير في السوق السوداء. وهنا يُشدّد ناصرالدين على أن بصيص الأمل الوحيد الموجود اليوم يكمن في المشروع المهم جداً الذي تنجزه وزارة الصناعة، والذي إذا سار كما يجب سيخفّف من هذه المشكلة. 

ويعيد ناصرالدين التأكيد أنّ أسوأ أمر تعرّضت له الليرة اللبنانية هو الطباعة العشوائية. برأيه، فإنّ طباعة أي عملة لا يجب أن تتم إلا بعد جردة حسابات عن الأموال الموجودة بالدولار، وليس صحيحاً أن طباعة العملة بهذه الطريقة تشجّع على الاستثمار في لبنان. وفق قناعاته، كلما ضعفت قيمة العملة تزعزعت الثقة ما يحتم ضرورة مواجهة التدهور للنهوض من الأزمة التي نحن عليها اليوم. كما ليس صحيحاً -وفق ناصرالدين- أن طباعة الليرة بهذه الطريقة تحمي المواطنين بل تؤذيهم. فعندما يُخفّف مصرف لبنان من طباعة الليرة، فإنه يُخفّف حكما من الطلب على الدولار، وبالتالي فإنّ من لديه دولاراً سيضطر الى عرضه في السوق، ما يساهم في انخفاض سعر صرفه، وهذا الأمر يحصل في العديد من دول العالم. وفي هذا الإطار، يصب النقاش الحاصل اليوم في لبنان حول ضرورة وجود مجلس نقد لضبط هذه العملية. الأخير -وفق ناصرالدين- عادة يضع مجموعة شروط لطباعة العملة، وهذا الأمر يضمن معرفة سعر الصرف على مدى السنوات الخمس القادمة. قانون النقد والتسليف أقر ليحمي الليرة اللنبانية لا ليدمرها كما الحال التي وصلنا اليها اليوم، يختم الكاتب والباحث الاقتصادي.

موقع العهد الاخباري