أثناء كتابتي الأولى ل كتابي الأوّل #العباسيّة في ذاكرة قرن، عشْت أجمل اللحظات بين أحياء بلدتي القديمة وناسها الكبار! قابلت سبعين رجلًا وامرأة، جُلّهم كانوا من المسنين الذين تخطّوا حينها عتبة الثمانين! قابلتهم تحت شجرة السّاحة المعمّرة، وقرب باحة المسجد، ولقاءات الحكايات والعتابا، قابلتهم بسراويلهم وكوفياتهم، والعصا السّاحرة المعكوفة تكاد لا تذهب من البال! قابلتهم قرب دكان الحاح ابو حسن، والفريز القديم، في المقبرة القديمة تحت سندياناتها وصنوبراتها المعمّرة، قابلتهم على البيدر، في ديوانيات المختار أبو علي، حين كان صوت الحاج ابو حسين يصدح ويصدح، وهدوء المير، وتكتكات أصوات النراجيل ونعاس العجائز والأخبار الكثيرة الغارقة في التاريخ! قابلتهم على عَين البلدة ونبعتها، قرب مغاورها وآثار معاصرها وآبارها، في مكتبتها وحقولها، كنت أقصد الشيخ الكبير إلى بستان زيتوناته فأجده غارقًا في لملمة الحصى الصغيرة، او جالسًا ينتظر ابريق الشاي المختال بشحباره فوق الموقد الحجري!! كنتُ أتجوّل وأتجوّل لأسمع حكاية عين التوتة، وقبر النّصراني، والست صالحة، وحلقات الدبكة بين الفرخة والديك وأعراس الأيام السبعة، ورقص الجان، وحكاية الضبع، وشيخ الشباب وستّ الصبايا، وبئر علي الدرّاس، وكروم التّين العسلاني، والعرازيل والعجّال والفقر والقناعة…! وأكثر وأكثر! منذ أيام عاودْتُ السير راجلا إلى ما كنت وكانوا! كان كلّ شيء عاديًّا، جامدًا، الصخب يملأ الساحات والأماكن،،،ولكنّي لم أشعر بالدفء أبدًا،،،! غابوا تحت التراب، وبقيت الزواريب والحارات شاهدة على من مرّوا! وكلّما رحل كبير أو مسن أو عجوز من نكهة الماضي، أحسَسْنا بالفراغ! بالفراغ الكبير! وبعد!
د. محمد حمّود.