بومبيو يُسخِّر وزارة الخارجية… لطموحاته

يقود التدقيق في تاريخ بومبيو إلى معرفة أنّه يعطي الأولويّة للسياسة الحزبيّة (أ ف ب )

الاخبار / علي دربج

لم يسبق للسياسة الخارجية في الولايات المتحدة، أن تعرّضت للضرر – في تاريخها الحديث على الأقلّ -، الذي ألحقه بها الرئيس دونالد ترامب، ووزارة خارجيّته على وجه الخصوص. رائحة الفساد الممنهج، باتت تفوح من أروقة هذه الأخيرة ومكاتبها، حيث انتهاك القوانين والقواعد الخاصة بالوزارة، لم يعد يُصنّف في خانة النوادر، بل أضحى سلوكاً متواتراً دفع مكتب المستشار الخاص لوزارة العدل إلى التحقيق في ما إذا كان وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، استغلّ منصبه للانخراط في أنشطة سياسية – حزبية (وتلك ممارسة محظورة وفقاً لقانون «هاتش» الذي يمنع الموظفين الفدراليين من الانخراط في أنشطة حزبية أثناء أداء مهمّاتهم الحكومية الرسمية).

تقليديّاً، سعى وزراء الخارجية الأميركيون، سواء في الإدارات الجمهورية أو الديموقراطية، إلى تجنّب التعليق أو التورّط في قضايا حزبية أثناء فترة تَقلُّدهم مناصبهم، استناداً إلى مبدأ أنه ينبغي التخلِّي عن الولاءات الحزبيّة، حتى يتمكّن المسؤولون من التحدُّث بصوت واحد إلى كل الأميركيين، كما إلى البلدان الأخرى. في ظلّ إدارة ترامب، برزت وزارة الخارجية كجهةٍ حكوميّة تفتقر إلى الضوابط المؤسّساتية التي تُقيِّد، عادةً، سوء السلوك الفردي للموظّفين، وتمنع تضارب المصالح الشخصية بالواجب الوظيفي. على سبيل المثال، تلقّى الرئيس الأميركي تحذيرات من محامين غداة اختياره الرئيس التنفيذي لشركة «إكسون موبيل»، آنذاك، ريكس تيلرسون، على اعتبار أن هذا التعيين يشكّل تضارباً محتملاً في المصالح. واقعاً، لا يمكن المقارنة بين سجلّ بومبيو الحافل بالتجاوزات، وسياسة سلفه تيلرسون. مع ذلك، استفاد هذا الأخير، بشكلٍ أو بآخر، من وجوده في منصبٍ درّ عليه مكاسب ماليّة، على رغم أنه لم يمضِ سوى عام واحد على رأس الدبلوماسية الأميركية. إذ تمكّن من بيع حصّته في «إكسون موبيل»، والتي تُقدَّر قيمتها بنحو 54 مليون دولار، ما سمح له بتجنّب دفع ما يقدر بـ 71 مليوناً كضريبة على أرباح رأس المال مقدّماً. أما مخالفات وارتكابات خَلَفه، فحدِّث ولا حرج. في عهد بومبيو، أدّى التسييس المتزايد في وزارة الخارجية إلى هجرة الخبراء الذين إما استقالوا احتجاجاً، أو جرى عزلهم بحثاً عن آخرين يدينون بولاء أكبر لترامب وإدارته. أبرز هؤلاء، كبير المستشارين السابق في الوزارة، مايكل ماكينلي، الذي حذّر من أن “مكتب المستشار القانوني” “ينجرف إلى الحزبية السياسية”. وهو ما ظهر جليّاً في عام 2019، عندما عيّن بومبيو المحامي ماريك سترينغ مستشاراً قانونياً للوزير. تشير السيرة الذاتية الرسميّة الصادرة عن وزارة الخارجية، إلى أن سترينغ الذي انضمّ إلى وزارة الخارجية كمستشار أوّل في تموز/ يوليو 2017، أدار أكثر من 400 عمليّة بيع أسلحة للحكومة الأميركية، بلغت قيمتها نحو 200 مليار دولار. ساهمت هذه الصفقات بترقيته، على رغم المآخذ بأنه أتى من خارج الرتب المهنية، وهو ما ركّزت عليه جلسة الاستماع التي عقدتها لجنة الشؤون الخارجيّة في مجلس النواب في تموز/ يوليو 2019. حينها، طُرحت تساؤلات عمّا إذا كان لترقيته أيّ صلة بمبيعات الأسلحة هذه. وامتدّت جلسة الاستجواب لتشمل علاقة سترينغ بصياغة الإجراء الطارئ الذي أطلقه بومبيو في ذلك العام، والذي سمح بتجاوز الرئاسة للكونغرس من أجل بيع أسلحة إلى السعودية والإمارات. وصلت هذه القضية إلى طاولة المفتّش العام السابق في وزارة الخارجية، ستيف لينيك، والذي كان يحقّق في سوء سلوك بومبيو وإساءته استخدام موارد الوزارة لتمرير مبيعات أسلحة بقيمة 8 مليارات دولار إلى الرياض وأبو ظبي. تحقيقٌ شكّل دفعاً إضافياً لإقالته في 15 أيار/ مايو 2019 من منصبه، استناداً إلى توصية بومبيو. وقرئت خطوة الوزير على أنها إجراء انتقامي أقدم عليه من أجل التستُّر على فضيحه بقيت طيّ الكتمان. إذ إن لينيك كان يحقّق أيضاً، في احتمال إساءة استخدام بومبيو موارد الوزارة من أجل المنفعة الشخصية له ولزوجته، وذلك من خلال تعيين أحد الموظفين لتأديه أعمال منزلية، واصطحاب الكلب في نزهة.

وصل استغلال بومبيو إلى حدِّ إساءة استخدام أموال دافعي الضرائب

أكثر من ذلك، وصل الاستغلال إلى حدِّ إساءة استخدام بومبيو أموال دافعي الضرائب، لتنظيم عشاوات ما يسمّى “ماديسِن دينرز” مع حلفاء مرتبطين سياسياً، واستغلال الأعمال الحكومية لتعزيز طموحاته السياسية. أثارت الطريقة التي أقام فيها بومبيو سلسلة العشاوات، مخاوف لدى مسؤولين في الوزارة، وخصوصاً أن الأموال التي صرفت لتغطيتها تشمل تلك الخاصة بدافعي الضرائب والموارد الحكومية، فضلاً عن تورط زوجته، سوزان، التي كان لها دور مركزي في هذه الحفلات. يتم دفع تكاليف العشاوات هذه من صندوق حالات الطوارئ التابع للوزارة ومن مخصصات الخدمة الدبلوماسية والقنصلية، والمعروفة باسم “صندوق K”، والتي يمكن استخدامها “للمتطلبات السرية في إدارة الشؤون الخارجية، بالإضافة إلى الأنشطة الأخرى المصرّح عنها، والتي تعزّز تحقيق أهداف السياسة الخارجية الأميركية”، بحسب موقع الوزارة.
وفقاً لمسؤولين حكوميّين، يقود التدقيق في تاريخ بومبيو إلى معرفة أنه يعطي الأولوية للسياسة الحزبيّة. لذا، فإن اللامبالاة بالحدود المؤسساتية، كانت تتماشى مع سجلّه. وأصبحت الأعمال اليومية لوزارة الخارجية ومسؤوليها غارقة في السياسة. مخالفة بومبيو لـ”هاتش”، لم تقتصر على ظهوره من القدس المحتلّة في اليوم الثاني من المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري في آب/ أغسطس الماضي، بل تنسحب أيضاً على قيامه بعدد من الرحلات داخل الولايات المتحدة، مثل التوجه إلى كانساس وفلوريدا، حيث كان يغازل فكرة الترشُّح إلى مجلس الشيوخ، أو وأيوا التي تعدُّ محطّة رئيسة في الطريق إلى البيت الأبيض.