لماذا لا تصدر مذكرة توقيف وجاهية بحق سلامة بملف “فُوري”؟ 

 فاطمة سلامة

في السنوات الأخيرة، تصدّر “فساد” حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة عناوين وأخبار وسائل إعلامية محلية وعالمية. حُكي بالسوء الكثير عن الرجل الذي لطالما أبكى عيونًا أودعت “شقاء عمرها” أمانة، فوجدته حبرًا على ورق بين ليلة وضحاها. يكاد لا يجتمع اثنان يعانيان إلا وسيرة حاكم البنك المركزي السابق بينهما. “كل ما نحن فيه من بلاءات بسبب رياض سلامة”، هكذا قال كثيرون. في عام 1993 تسلم دفّة الحكم، وعلى مدى ثلاثين عامًا أمسك المذكور بمفاصل الدولة النقدية والمالية. عمل كفاخوريّ يضع “إذن الجرة” كيفما يحلو له ويرتكب ما يريد. “نكبة” المودعين تُضاف إلى لائحة طويلة من الارتكابات نفذها الحاكم الذي تصرّف على قاعدة “الآمر الناهي”. أودع ذمّته ما “هبّ ودبّ” من قضايا وفيها شتّى أنواع المخالفات من اختلاس، تبييض أموال، سوء إدارة وانعدام مسؤولية، تزكية السوق السوداء، التلاعب بالسوق النقدي، تركيب “طرابيش” وفقًا لأهوائه، وغير ذلك الكثير في زمن بنى فيه سلامة مملكته المالية الخاصة تحت شمّاعة الحاكمية، ليرزح البلد بكلّ ما فيه تحت وطأة استنزاف ومعاناة مالية ونقدية سترافقه لسنوات قادمة. 

أمام كلّ ما سبق، انتظر اللبنانيون على “أحرّ من الجمر” مشهدًا واحدًا أمام شاشات التلفزة، مشهد يشفون فيه غليلهم رُبّما ويُعوّضهم عن “الضربات” التي تلقوها ولا يزالون، وفيه رياض سلامة مقيّد اليدين. رياض الذي لطالما وُصف بأنّ فوق رأسه خيمة زرقاء، بعدما كان ينجو من الحساب كخروج “الشعرة من العجينة”، وفي الذاكرة الكثير من المواقف، لعلّ أبرزها النضال الطويل الذي قادته المدّعية العامة في جبل لبنان القاضية غادة عون في وجه سلامة، لكنّ محاولاتها لم تصل إلى ختامها السعيد جراء الحمايات السياسية والقضائية التي أفردت له. 

أمس الثلاثاء (3 أيلول 2024) فرِح الرأي العام اللبناني بخبر توقيف حاكم مصرف لبنان السابق بملف “أوبتيموم”. لم تسلب الأحداث الصعبة التي يعيشها اللبنانيون “وهج” الخبر الذي انتشر كالنار في الهشيم، وتصدّر مواقع التواصل الاجتماعي. أعاد القرار للبنانيين الأمل بالمحاسبة رغم مرور الوقت. لكن في البال ثمّة هواجس كثيرة وفق ما يقول مصدر قضائي لموقع “العهد” الإخباري. يُعرب المصدر عن فرحته بما حصل، وهي فرحة منتظرة لا تُقدّر بثمن، لكنّه يتوجّس من أن لا يشهد هذا الملف الختام السعيد المنتظر. في جعبة المصدر الكثير من الأسئلة: لماذا يقتصر التوقيف على أربعة أيام؟ لماذا لا يقتنص القضاء اللبناني الفرصة ويُسارع لتوقيف سلامة بملف شركة “فوري” “FORRY ASSOCIATES LTD” وهو ملف “دسم” كفيل بإيقافه ستّة أشهر؟. لماذا لا يوجّه مدّعي عام التمييز القاضي جمال حجار كتابًا إلى قاضي التحقيق الأول في بيروت بلال حلاوي يطلب منه إصدار مذكرة توقيف وجاهية بحق سلامة بملف “فوري” ما يُظهر الإرادة الجادة وحسن نية القضاء للمحاسبة؟. 

ولمن لا يعلم، فملف “فوري” هو الملف الذي تلقّى لأجله القضاء اللبناني طلبًا للمعونة أرسلته السلطات السويسرية منذ عام 2020، وهو ملف يُتهم به حاكم مصرف لبنان وأخوه رجا بغسل أموال في سويسرا مصدرها عمليات اختلاس محتملة على نحو يضر بمصرف لبنان اعتبارًا من عام 2002 على أقل تقدير. وفي هذا الملف، تُفيد وثائق مقدّمة من عدد من المؤسسات المالية في سويسرا بأنّ سلامة قام منذ نيسان 2002 على الأقل بمساعدة أخيه رجا بتنظيم عمليات اختلاس لأموال قدّرت بأكثر من 300 مليون دولار أميركي. وهنا توضح المصادر أنّ ثمّة دعوى مهمّة جدًا في هذا الملف قدّمت، ولم يتم توقيف سلامة بموجبها، وجرى تمييع الملف إلى أن بات حبيس الأدراج، رغم أنّ هذا الملف ــ وفق المصدر القضائي ــ كفيل بإعطاء الدولة اللبنانية حق مصادرة أكثر من 300 مليون دولار لحسابها بدلًا من أن تأخذها فرنسا. 
 
في الختام، يُعوّل المصدر القضائي على شجاعة الرأي العام وإرادته وعزمه في الضغط على القضاة لاستكمال المحاسبة، وهو الذي يشكّل قوة لا يُستهان بها. كما يعوّل على السياسيين “الأوادم” وعزمهم على رفع الصوت لمحاسبة سلامة بكلّ ملفات الفساد السابقة، لكنّ المصدر – رغم فرحته بما حصل – يتخوّف من أن يكون توقيف سلامة تكملة لنهج سابق بأساليب مختلفة.