حرق سعر الدولار اصطناعي “معلّب ومدعوم”، كتب امين القصيفي في “موقع القوات اللبنانية

تحت عنوان “حرق سعر الدولار اصطناعي “معلّب ومدعوم”، كتب امين القصيفي في “موقع القوات اللبنانية”:

لا يزال التذبذب الذي شهده سعر الدولار في السوق السوداء، خصوصاً انخفاضاً، عشية تكليف الرئيس سعد الحريري بتشكيل الحكومة الجديدة والأيام التي تلت، محط متابعة الأوساط السياسية والاقتصادية والمالية والتجارية المختلفة. وذلك، لمعرفة الأسباب الحقيقية وراء ما حصل، وما إذا كان الأمر يتعلق بترددات نفسية، أو بأهداف غير معلنة تحمل في طياتها معطيات ومؤشرات معينة تجاه سعر العملة الخضراء في المستقبل المنظور.

الخبير الاقتصادي والمالي في الأسواق العالمية دان قزي، يكشف، عبر موقع القوات اللبنانية الإلكتروني، عن أنه “تم التلاعب بسوق الليرة في الأيام الأخيرة، من خلال حقن كميات غير مألوفة وغير طبيعية من الدولار في السوق السوداء، لا علاقة له بالعرض والطلب المعتاد أو عمليات المضاربة المتعلقة بالاستيراد”.

ويضيف، أنه “بحسب المعطيات المتوافرة، العملية تمت من خلال مجموعة صغيرة من الصرافين تم إمدادها بكميات من الدولار فاقت الطلب، ومن ثم قام هؤلاء بضخ الدولار إلى باقي الصرافين في جميع أنحاء السوق بمختلف المناطق اللبنانية عارضين الدولار للبيع بكثرة، وبمستوى أدنى مما كان عليه في شبه استقرار في الأسابيع الأخيرة”.

ويشرح، أن “السوق السوداء مبنية على آلاف العمليات التجارية اليومية التي تحصل في مختلف المناطق اللبنانية، والمعدل العام لهذه العمليات يحدد سعر صرف الليرة مقابل الدولار، في حال لم يكن هناك تدخلات غير طبيعية”. ويشير إلى أنه “يحصل أحياناً تلاعب بأسعار الصرف من خلال شائعات عبر التطبيقات ومواقع التواصل المختلفة، لكن تراجع سعر الدولار في الأيام الأخيرة كان حقيقياً”.

ويلفت إلى أنه، “للتأكد مما إذا كان السعر الذي شهدناه حقيقياً أو مفتعلاً وشائعات عبر التطبيقات، أجريت تجربة ميدانية من خلال طلب شراء مبلغ بعشرات آلاف الدولارات على سعر نحو 6500 ليرة لبنانية للدولار الواحد، بحسب ما كان عليه السعر المتداول في السوق السوداء عبر التطبيقات. واللافت أن الرد أتى إيجابياً بالاستعداد لتلبية الطلب”.

ويوضح، أنه “في السابق حين كان سعر الدولار نحو 8000 ل.ل فعلياً فيما السعر بحسب التطبيقات 7000 ل.ل تقريباً، وكنا نعرض شراء مبلغ كبير من الدولارات على سعر الـ7000، كان الرد يأتي سلبياً من أكثر من صراف بحجة عدم توفر الدولار لديهم، ما يعني أن هذا السعر اصطناعي وغير حقيقي. لكن ما لاحظناه في الأيام الأخيرة التي رافقت تكليف الحريري أن سعر الـ6500 ل.ل كان حقيقياً كما أشرنا، علماً أن عمليات محدودة حصلت عند مستوى أدنى بقليل”.

وإذ يجزم الخبير المالي والاقتصادي ذاته، أنه “تم التأكد من أن شخصاً، أو جهة ما، قام بضخ الدولار الحقيقي في السوق لعدد محدود من الصرافين، لكن لا نعرف مَن بالتحديد وما هي الأهداف، إنما ما نعرفه أنه جرت محاولة لخفض سعر الصرف بطريقة اصطناعية مفتعلة وغير طبيعية”، يؤكد في المقابل، أنه من غير “المعقول أن يبقى سعر الصرف على هذا المعدل إلى وقت طويل، إلا إذا استمر ضخ الدولار في السوق لفترة طويلة”.

ويعرب قزي عن اعتقاده، أن “الضخ لن يستمر طويلاً إذا كانت أهدافه سياسية غير اقتصادية”، موضحاً أنه “لم يتم للاستفادة وتحقيق أرباح”. ويضيف، “في السابق مثلاً حين كان يتم نشر شائعات مفتعلة عن أن الدولار سيشهد هبوطاً ويتهافت الناس لبيع الدولار فيما آخرون يقومون بشرائه ومن ثم يعود السعر ليرتفع، يحقق هؤلاء أرباحاً. أما في الحالة التي شهدناها، هناك ما يشبه عملية حرق للدولار من قبل البعض ما يعني أن الأهداف سياسية محض، أي أن هناك شخصاً أو مؤسسة مستعدة لحرق الدولار لخفضه بهذا الشكل”.
ويرى، أنه “حتى لو افترضنا تشكيل حكومة من وزراء اختصاصيين وأصحاب خبرة وتجارب ناجحة، وقاموا بإعداد أفضل خطة إنقاذية ممكنة بالاتفاق مع صندوق النقد الدولي والدول المانحة مثلاً، ماذا لو تمت عرقلة التنفيذ في مجلس النواب لاحقاً تبعاً للتطورات السياسية والمصالح الشخصية الضيقة؟ وذلك، على الرغم من أن الحكومة ستكون انعكاساً للقوى البرلمانية التي تتشكل منها والتي منحتها الثقة”.

ويعتبر، أن “أي خطة إنقاذية جدية، لا شك أنها ستنال من مواقع النفوذ السياسي وتحالف المصالح أو تضاربها للقوى السياسية الفاعلة، والتي تتحكم بمسار الأمور. بالتالي أي طرف يشعر بأن الإجراءات الإصلاحية في قطاعات معينة تهدد نفوذه ومصالحه، سيقاومها بالتأكيد، وسيعمل على عرقلتها ما أمكن، وسندخل في المماطلة والتسويف، ما ينسف العملية الإصلاحية برمتها. فإما أن يكون تنفيذ الخطة الإصلاحية الإنقاذية شاملاً بتعاون الجميع، وإلا لا إصلاح ولا إنقاذ يُرتجى، والأزمة إلى مزيد من التعقيد وسيكون للأمر تردداته حكماً على سعر الدولار”.

من جهتها، تعتبر مصادر سياسية ذات خلفية مصرفية، عبر موقع “القوات”، أن “ما تشهده سوق الصيرفة من تذبذب في الأيام الأخيرة، هو انعكاس لما يحصل على صعيد الملف الحكومي”، مشيرة إلى أن “تكليف الحريري بتشكيل الحكومة ومن ثم إشاعة أجواء معينة حول اتجاه الأمور نحو الإيجابية في التأليف، أرخى ظلاله على سعر الدولار في السوق السوداء ما دفعه إلى التراجع بشكل جزئي”.

لكن المصادر ذاتها، تستدرك، وتوضح، أن “هذا الأمر لا يمكن أن يستمر لفترة طويلة، إذ يبقى عرضة للتبدل في أي لحظة تبرز فيها معطيات سلبية حول تعثر عملية تأليف الحكومة، أو دخولها في سياقات توحي بأن النتيجة سترسو على حكومة تشبه سابقاتها من حيث المحاصصة وتوزيع الوزارات على القوى السياسية المؤتلفة داخلها، أي حكومة على شاكلة التي أوصلتنا إلى الوضع الذي نحن فيه، فكيف سيكون الحل والشفاء على يد من كان العلّة؟”، لافتة إلى أن “عودة اتجاه الدولار إلى الارتفاع ولو بشكل جزئي مع مطلع الأسبوع الحالي يدعم هذه المعادلة”.