قد يتفاءل الكثير من النخب السياسية والفكرية والأكاديمية الأميركية بإمكان وصول جو بايدن إلى سدّة الرئاسة. لكن هؤلاء وغيرهم يعرفون تماماً أنّ ما خَلّفه دونالد ترامب من إرث اقتصادي، بسبب سوء إدارته لأزمة فيروس «كورونا» خصوصاً، سيكون من الصعب احتواؤه على المدى المنظور، هذا إذا لم تمتدّ آثاره على مدى سنوات مقبلة
مقالات مرتبطة
فرحة بعض النُّخب السياسية والفكرية والأكاديمية بتقدّم بايدن في استطلاعات الرأي لا تُغيّب عن بالهم التفكير في الواقع الآتي، في حال وجدوا أنفسهم أمام لحظة دخول المرشّح الديموقراطي إلى البيت الأبيض، آخذاً في الاعتبار عمليات التضليل التي يمارسها ترامب في شأن تراجع الاقتصاد، وتصويره الحديث عن الصعوبات المعيشية التي يعانيها الأميركيون وكأنها «مبالغات». إذ إن الأرقام الرسمية وغير الرسمية المتداولة تُظهر حقيقة ما آل إليه الاقتصاد نتيجة فشل سياسات ترامب الاقتصادية والاجتماعية والصحية، ولا سيما في ظلّ تخبّطه في التعامل مع جائحة «كورونا».
تؤكّد الإحصائيات أن الولايات المتحدة تعاني أكبر كارثة اقتصادية منذ الكساد الكبير في الثلاثينيات من القرن الماضي. إذ انكمش الاقتصاد بمعدّل سنوي وصل إلى 31.4 في المئة، خلال الربع الثاني من هذا العام الوبائي. وبينما بلغت البطالة ذروتها في فترة الركود العظيم بين عامَي 2007 و2009 بوصولها إلى 10 في المئة، فقد حققت ذروة أعلى هذا العام في نيسان/ أبريل 2020 بتسجيلها 14.7 في المئة، بعدما فُقدت 40 مليون وظيفة في فصل الربيع، ما أدّى إلى ضياع جميع المكاسب التي تحقّقت خلال عامَي ما قبل الجائحة.
مع ذلك، برزت، أخيراً، بعض المؤشرات إلى انتعاش نسبي، وخصوصاً في أعقاب إمرار الكونغرس حزمة المساعدات المالية في مواجهة فيروس «كورونا» في 27 آذار/ مارس الماضي، والتي أدّت إلى ضخّ حوالى 2.2 تريليون دولار في الاقتصاد. لكن التباطؤ في نموّ الوظائف بين شهرَي تموز/ يوليو وأيلول/ سبتمبر الماضيين يشير إلى أن آثار هذا الانتعاش كانت محدودة، وقد بدأت في التلاشي، حتّى إن الاقتصاد لا يزال يعاني من حالة سيئة جدّاً، وفقاً لبنك الاحتياطي الفدرالي.
إذا خسر ترامب فسيترك لجو بايدن كارثة اقتصادية من الدرجة الأولى
وفي السياق نفسه، تكشف البيانات المأخوذة من مسح السكّان الحالي الشهري لمكتب الإحصاء الأميركي، والتي صدرت في 9 أيلول/ سبتمبر الماضي، أرقاماً مهمّة في شأن فقدان الوظائف بين شهرَي شباط/ فبراير وآب/ أغسطس 2020. إذ تَبيّن أنّ هناك نحو 35 مليون شخص، إمّا استوفوا التعريف الرسمي لـ»العاطلين عن العمل» (بمعنى أنهم بحثوا عن عمل، أو سُرّحوا مؤقتاً) أو عاشوا مع أحد أفراد الأسرة العاطلين عن العمل في آب/ أغسطس، ويشمل هذا الرقم 9 ملايين طفل لتلك الأسر. ويستبعد التعريف الرسمي لـ»العاطلين» بعض العمّال المهمّشين بسبب الأزمة، مثل أولئك الذين يتغيّبون عن وظائفهم من دون أجر، أو غيرهم ممّن يرغبون في العمل، لكنهم لا يقومون بالبحث عنه. وعلى رغم استمرار ارتفاع معدّلات البطالة، إلا أن صلاحية المساعدة المالية البالغة 600 دولار لإعانات البطالة انتهت في تموز/ يوليو الماضي؛ ذلك أن الإجراء التنفيذي الذي اتّخذه الرئيس لتمديد إعانة أسبوعية بقيمة 300 دولار كان ساري المفعول لبضعة أسابيع فقط، بسبب نقص التمويل.
أكثر من ذلك، يُظهر مسحٌ أجراه مكتب الإحصاء، في الفترة من 2 إلى 14 أيلول/ سبتمبر 2020، أن الملايين من الأُسر تواجه مشاكل خطيرة في توفير الطعام، كما تتخلّف عن دفع الإيجار. وقد أفاد نحو 23 مليون بالغ ــــ 10.5 في المئة من جميع البالغين ــــ بأّن أُسرهم، أحياناً أو غالباً، «لم يكن لديها ما يكفي من الطعام»، خلال أسبوع كامل. أيضاً، أظهر تحليل لبيانات استطلاع أجراها مكتب الإحصاء في آب/ أغسطس الماضي أن ما بين 7 و11 مليون طفل يعيشون في منزل لا يحصلون فيه على طعام كافٍ، لأن الأسرة لا تستطيع تحمّل تكاليفه. أدّت هذه الأوضاع إلى ازدياد الالتحاق ببرنامج المساعدة الغذائية التكميلية (المعروف حتى عام 2008 باسم برنامج قسائم الطعام) بنسبة 17 في المئة، بين شهرَي شباط/ فبراير وأيار/ مايو المنصرمين، ما أجبر الحكومة على زيادة تمويلها. يأتي هذا فيما شهدت بنوك الطعام إقبالاً كثيفاً، ما دفعها إلى المطالبة بالمزيد من المال والمتطوّعين.
إضافة إلى ما تقدّم، يواجه الأميركيون صعوبات تتعلّق بالسكن، إذ يُقدِّر المسح الذي أجراه مكتب الإحصاء أن واحداً من كلّ أربعة مستأجرين مِمَّن لديهم أطفال، يعيش في منزلٍ عجِز عن تسديد استحقاق إيجاره للمالكين. وفي الإطار ذاته، ذكرت وكالة «رويترز»، في تقرير لها أواخر تموز/ يوليو 2020، أن الأميركيين مدينون، بالفعل، بمبلغ 21.5 مليار دولار جرّاء تأخّرهم عن تسديد مستحقّات الإيجارات للمالكين. والأسوأ من ذلك، أن 17.3 مليوناً من أصل 44 مليون أسرة مستأجِرة لم تكن قادرة على دفع بدلات الإيجار، ما يعني مواجهتها الإخلاء المحتمل.
تشي هذه الأرقام والمعطيات بأنه في حال خسارة ترامب الانتخابات الرئاسية التي ستجرى الثلاثاء المقبل، فهو سيترك لجو بايدن كارثة اقتصادية موصوفة، قوامها الأول التخبّط على المستوى الصحّي، والذي تفاقمه الإدارة الحالية عبر الاستخفاف بإجراءات مواجهة فيروس «كورونا»، وتجاهل توصيات الخبراء الصحّيين، وتقديم تكهّنات وردية لا أساس لها. بين الثالث من تشرين الثاني/ نوفمبر والعشرين من كانون الثاني/ يناير أيام عصيبة أخرى في حال فوز بايدن، إذ يتوقّع الأميركيون «ترامباً» أكثر غضباً وانتقاماً.