لأُتمِّمَ مَكَارِمَ الأَخْلَاقِ”… عن أخلاقِ المقاومة

ليلى عماشا

بأخلاقنا وليس بأخلاقهم. لطالما حضر هذا المعيار النقيّ في كلّ مقاربة أو معالجة أو مواجهة قامت بها المقاومة في كلّ الميادين، سياسيًا واجتماعيًا وعسكريًا، حتّى في حالات الجرح الأعمق، وفي المواضع التي تستثير النقمة أو تستدعي الفتنة أو تبرّر الانتقام. حضر المعيار الأخلاقي وبقي عاليًا لا يحتمل أيّ مساس به، وبحضوره أفشل كلّ مخطّطات الفتنة المرسومة للبنان بشكل خاص، وللمنطقة عمومًا، كمّا عرّى بشاعة وكذب ما يُسمّى بإنسانيّة الغرب.

حين التحرير عام ٢٠٠٠، توقّع العالم كلّه أن تقوم المقاومة بإجراءات انتقامية ضدّ العملاء، أو أن تفتح مجالًا للناس بممارسة ما يستحقّ العملاء من عقاب أهليّ. أبى أهل الأخلاق ذلك، قالوا أن الأمرَ للقضاء. وحتّى حين جاءت الأحكام المخفّفة والتي لم تنصف كلّ الذين عانوا الأمرّين من بطش العملاء طيلة فترة الاحتلال، لم تذهب المقاومة إلى خيارات انتقامية لا تشبه أخلاقها، وتعرّضت إلى “تلطيش” كثير بسبب ذلك، إلّا أنّ هذا لم يدفعها إلى المساومة على أخلاقها المحمّدية.

ومنذ اندلاع الحرب الإرهابية على سورية، تعاملت المقاومة مع الأسرى التكفيريين الذين نكّلوا بالناس بأفظع الطرق بأخلاقها، بالأخلاق الإسلامية الدقيقة جدًّا في معاملة الأسير. لم يعطش أسير لديها ولم يُمسّ بسوء رغم أن الإرهابيين كانوا يستعرضون في ذبح أبنائها عطاشى. الشعور العارم بالنقمة إزاء الفظائع التكفيرية لم يدفع المقاومة رغم شدّته إلى أي عمل لا يشبه أخلاقها. حتّى وإن بدا يُشفي الغليل ويبرّد القلوب المحترقة غضبًا بفعل هول الارتكابات غير الأخلاقية وغير الإنسانيّة التي كان التكفيريون يتفنّنون في ارتكابها.

أمّا في الداخل اللبناني، فقد أجهدت أخلاق المقاومة كلّ الأدوات الأميركية التي استماتت في سبيل جرّ المقاومة وأهلها إلى ردود فعل تؤجّج الفتنة، وتشعل فتيل حرب أهلية أو على الأقل معارك جانبية تلهي المقاومة عن عدوّها المباشر وتورّطها في مستنقع صراع لا يشبه أخلاقياتها. عضّت على الجراح، على جسر المطار كما في الطيونة وخلدة وفي شويّا والكحّالة. تصرّفت بأخلاقها، وكرّست معيار الحكمة العالية والأخلاق السامية في مقاربة الشأن الداخلي بحيث ينفضح أهل الأمركة في البلد بأخلاقهم الملوّثة بالحقد وبالتبعية. والأمر لم يكن سهلًا ولا سيّما بالنسبة إلى الشارع الذي تعرض أبناؤه للغدر وللقتل على مفترقات الطرق. وقف المعيار الأخلاقي حاجزًا يمنع انزلاق الناس إلى أيّ ردّ فعل.

وخلال الأزمة الاقتصادية والمعيشية، لم يغب المعيار الأخلاقي الأرقى عن طريقة حزب الله في مدّ يد العون لكلّ الذين دحرجت بيوتهم الأزمة إلى ما تحت خطّ الفقر. لم تميّز بين معارض ومناصر، ولا بين ابن الطائفة وابن سواها. حين حضر “المازوت” من إيران، تمّ توزيعه وفق أولويّات معيارها أخلاقيّ حصرًا، وكذلك الدواء. وحين تمّ تنفيذ مشروع “بطاقة السّجاد”، سرى المعيار نفسه في تحديد المستهدفين. جُنّ جنون الأطراف الأميركية في البلد حينها، إذ كسرت أخلاق المقاومة كلّ الأضاليل التي دفع الغرب الملايين لبثّها تحريضًا ضدّها.

من جهة أخرى، يدّعي الغرب صناعة الإنسانيّة عبر شرعات كاذبة ومعلّبة، ويأتي إلى بلادنا بحجّة تعليمنا الأخلاق والتحضّر: يقتلنا، ينهب مقدّرات بلادنا، يسلبنا احتمالات العيش الكريم، يضع لنا نموذجًا ركيكًا ويفرض على بعضنا تبنّيه والتماهي معه كي يمنحه شهادة حسن أخلاق ويخطو فوق أشلائنا كي يعلّمنا الحضارة. بالمقابل، هنا، يرتفع نموذجنا الأخلاقي المستمّد من دين الله ورسوله وأهل بيته، يثبت في كلّ مفترق أن أخلاقنا هي المنظومة الأرقى إنسانيًّا وحضاريًا مهما حاول الغرب تشويهها عبر أدواته، ويثبت أنّنا نحن مدرسة الحضارة الأنقى والأكثر دفعًا للإنسان نحو الارتقاء.

يقول رسول الله محمد عليه وآله الصلاة والسلام “إنّما بُعثتُ لأتمّم مكارم الأخلاق”، ولدينا الآن أمام أعيننا وفي بيوتنا وأحيائنا النموذج الأخلاقيّ المحمّدي الأصيل العصيّ على التشويه والتضليل والذي يرفع معيار الأخلاق التامّة في كلّ وجوده.. لدينا “حزب الله”.