ليلى عماشا
في الذكرى، ندرك أنه لم يتكفّل الوقت بخياطة الجرح.. قل غفا ذاك الفجر عند حافة النّزف الوفير، يوقظه كلّ شهيد يعبر على طريق القدس، يلقي السلام على يقينك بأن كلّه خير ثمّ يلتحق بعينيك في السما.. يا سيد شهداء المحور، ويا أجمل الناصرين.. هل حقًّا مرّت أعوام أربعة، أم أنّ تلك اللحظة المرصّعة بدمك لم تزل تحاصر القلب، تمعن في تشكيل يتمه في كلّ مرّة يظنّ فيها أنّه أدرك الفكرة.. ليس انكسارًا.. لا ليس انكسارًا هذا القهر الذي كلّما تعتّق صار حيًّا أكثر.. وليس انكسارًا هذا الغرق المرّ في حرِّ الدموع عند موضع كفّك التي ظلّت لتلقي سلام المواساة الأصدق على العباس(ع).. كم مرّة أحييت فينا كربلاء يا أجمل المجيبين حبًّا على صرخة “أما مِن ناصر؟!”… كم عاشرٍ أيقظت في مواقيت النبض حتى صارت صورتك وحدها إحياء!
في كلّ شهيدٍ تُرى.. ونراك في مقدّم زفّاتهم إلى العليّ باسمًا تحنو على جراحهم وجرحنا.. نراك تتكفّل ببلسمة الفقد، بالمسح على رؤوس القلوب الوالهة المتألّمة، بطمأنة الأمّهات على أبنائهنّ في كنف الزهراء (ع).. اللحظات الأولى التي تلت دويّ الصوت استحضرت كلّ ساعات الحروب التي مرّت على الضاحية، وكنت فيها حاضرًا ها هنا، سندًا لا يتعب. لحظات تعيدنا إلى كلماتك عن الحرب، عن السيّد والحاج عماد، عن رجال الله وعن النصر الإلهي.. تضع أرواحنا في كنف صوتك المطمئن أبدًا..
ونعود إلى البكاء، وهل يطهر القلب بغير الدموع إذا سُكبت في حبّ الأولياء وفي الشوق إلى من عبروا إلى عليائهم على طريق الحق، وهل القدس سوى مرادف الحق في زمن الباطل هذا؟! في مثل هذا اليوم منذ سنين أربعة، لو أمكن للباكين جمع الدموع لتشكّلت نهرًا منبعه القلوب الوالهة ويصبّ في السما.. مرت السنين وما جفّ النهر.. ما زال أهل الحب يبلغوك الشوق بماء أعينهم، ويخطون لك الكلمات على سطور الخدود المحمّرة ، عسى بدمعة يتحقّق الوصل بين نور العين ونورك.. ماذا يقول الدمع؟ كثير هذا الفقد كثير.. يشقّ الصدر ويملأ الجرح بالعزّة.. يقطع نياط القلب ثم يخيطها باليقين… ينحت في الروح ويزيل عنها شوائب الدنيا، ثم يسكب فرح المباركة لك بأن نلت الشهادة التي تمنيتها دومًا، وبكيت طويلًا في طلبها، واجتهدت كثيرًا في السعي إليها..
كلّ دمعة يا أجمل الباكين حبًّا ونصرة، تسعى ناحية كفّك القطيعة.. يعود صوت وصول النبأ إلى مقام العباس (ع)، يخبره عن كفّك.. كما كلّ المستضعفين في الأرض يخبرون عنها، وهي تجول على مواجعهم وترفع عن أكتافهم ثقل الطغيان وقسوة الظلم.. جميع بنات محور المقاومة ونسائه يتحدثون عن اليتم في كلّ مرّة يذكرن فيها اسمك.. أما الرجال، فيتحدثون كما سيد المقاومة، عن أخ وسند.. سبحان من زرع وجهك في دم أهل المقاومة حتى غدت صلتهم فيك رابطة دم، حتى إذا حضر وجهك بينهم، بلغت تنهيدتهم أعمق نقاط الروح، هناك، حيث يسكن حبّ أولياء الله والأهل والأبناء..
مرّت السنين الأربعة.. في الأولى ذرفنا الدمع محمرًا، وقلنا هل حقًّا مرّ عام؟! في الثانية، ألقينا برؤوسنا على كتف الصور، وقلنا كيف لعامين أن يمرّا على جرح ولا يلتئم؟! في الثالثة أدركنا أن الزمن لا يراكم أيامه فوق لحظة تبلغ بعظمتها الأبد.. في الرابعة، وعلى وقع صوت الحرب نقول لك، يا شهيد القدس وعزيز كلّ أهلها، لم تزل فينا، ولم تزل قاصمًا ظهر العدو، ويقينك مثلك حيًّا لم يزل، يبشّرنا بنصر من عند الله، بنصر عظيم.