عن آخر “فرمانات” المركزي.. شُحّ السيولة بالليرة يهدد الدواء والغذاء والمحروقات

خاص العهد

ياسمين مصطفى

مع كل تعميم جديد للمصرف المركزي يخص التعاملات المالية تعلو صرخات المعنيين بتطبيقه.

التعميم الأخير رقم 573 والقاضي بإلزام الشركات المستوردة دفع متوجباتها للدولة بالليرة نقدًا خلق أزمة سيولة للبعض وأحدث إرباكًا لوجستيًا لآخرين. منشآت النفط في الزهراني وطرابلس عازفة لليوم العاشر عن توزيع مخزونها من الديزل أويل، أما المشافي فاضطرت لإلغاء عدد من العمليات الجراحية المقررة، فضلاً عن عجزها عن تأمين الدواء لبعض المرضى.
واقع يعرّض السلع الحياتية للانقطاع في أية لحظة، حتى بات كثيرون يرون في تعاميم الحاكم “فرمانات”، تصدر فجأة دون تنسيق مسبق مع المعنيين بتطبيقها.

لا ديزل أويل من الدولة..والشركات المستوردة تواجه عقدة لوجستية 

التعميم الأخير أحدث للشركات المستوردة للنفط أزمة لوجستية، فرضت عليها دفع أكلاف إضافية. هذه الشركات وجدت أن الحلّ يكمن بإجبار زبائنها على الدفع نقدًا، ما يلزم المستهلكين بالدفع بالطريفة نفسها، في حين يجد الموزعون صعوبة في التعامل مع المشافي بعد هذا التعميم، وذلك لتقاضيهم “شيكات” مصرفية. 

نقيب أصحاب الشركات المستوردة للنفط جورج فياض قال في حديث لموقع “العهد” الإخباري:”التعميم جاء مفاجئًا ودون تنسيق معنا، لو تم أخذ إبلاغنا مسبقًا كشركات مستوردة للنفط والاستماع إلى مقترحاتنا لكان الوضع مختلف الآن”، وأضاف “لو تمت مشورتنا لاقترحنا فرض الدفع نقدًا تدريجيا مثلاً، عبر دفع نسبة 50 % من المبالغ نقدًا والنصف الآخر عبر الشيكات”. 

وأوضح فياض أن “التعميم الذي فرض علينا دفعة واحدة يرتب علينا أكلافا إضافية لنقل الأموال، أما المؤسسات الحكومية مثل منشآت النفط فأزمتها أكبر، لذلك أوقفت توزيع مخزونها من الديزل أويل حتى يتم تعديل التعميم وإيجاد سبل يسيرة لتطبيقه”.

موقع “العهد” علم أن اجتماعًا عقد بين وزير المال غازي وزني وممثلين عن الشركات المستوردة للنفط ومنشآت النفط في الزهراني وطرابلس وموزعي المحروقات، وجرى خلاله التواصل مع المصرف المركزي. واتفق المجتمعون على فتح حساب في المصارف بعنوان “لبنان كاش”، تضع فيه الشركات المستوردة للنفط ومنشآت النفط متوجباتها وتُنقل بالتالي من المصارف إلى المصرف المركزي.

فتح الحساب المصرفي باسم الشركات المستوردة، أوجد أملاً لدى ممثل شركات توزيع المحروقات فادي أبو شقرا بإعادة توزيع الديزل أويل من منشآت النفط  مطلع الأسبوع المقبل.

وفي حين أشار أبو شقرا إلى الشركات المستوردة للنفط، في إجابة عن سؤال حول المصدر المزود للموزعين بالديزل أويل بدلاً من منشآت النفط، شدد على ضرورة أن تتسلح الدولة بمخزون كبير من المشتقات النفطية، وفق قرار وزيرة الطاقة السابقة ندى البستاني القاضي بشراء الوزارة البنزين بنسبة معينة كما المازوت، للحيلولة دون أي شح في قطاع المحروقات.

دخول مستوردي النفط والأدوية والمستلزمات الطبية سوق القطع يهدد الأمن الغذائي 

الشركات المستوردة للمواد الغذائية لم تتأثر مباشرة بتعميم المصرف المركزي، السبب وفق رئيس نقابة مستوردي الأغذية هاني بحصلي أن “التعميم لم يؤثر على القطاع بالمباشر، إذ إنه مطبق بفعل تعاميم سابقة ربطا بدعم مصرف لبنان للسلع الغذائية المستوردة”.

لكن المشكلة-وفق حديث بحصلي لموقعنا-تكمن في تداعيات التعميم غير المباشرة:”منافسة مستوردي النفط والأدوية والمستلزمات الطبية لنا في سوق القطع سيخلق ضغطًا هائلاً، قد يهدد الأمن الغذائي، ويدفعنا وغيرنا للجوء للسوق السوداء لتأمين الدولار بشكل تام، خاصة أن المستوردين الذين يستفيدون من آلية الدعم لا يتعدى حجمهم 20 في المئة من مجمل المستوردين، وعليه فإن فقدان السيولة بالليرة يهدد أيضا القطاع الغذائي”.

خلفيات التعميم..سياسية أم اقتصادية؟

وفي أهداف التعميم الأخير لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، يرى الخبير الاقتصادي د. عماد عكوش أنها “تنقسم إلى قسمين، الأول سياسي، والثاني اقتصادي”.

في السياسة، “جاء إصدار التعميم متأخرًا جدا في ظل الواقع المالي والنقدي الصعب، وللتأخير مع وصول الرئيس سعد الحريري لسدة رئاسة الحكومة غاية، فالهدف قبل التعميم في ظل عهد حسان دياب كان ترك السوق للمضاربات والفساد ومراكمة الأرباح لأن تصويب الأمور لم يكن يخدم الموقف السياسي للمركزي، لكن الوضع تغير اليوم، والحاكم قد يرغب في تقديم انخفاض سعر الصرف هدية للحريري عبر تجفيف السوق من السيولة بالليرة”.

وفي هذا السياق، أضاف عكوش: “كان بعض التجار الفاسدين يشترون الشيكات من السوق الموازي بالليرة، ويودعونها في حساباتهم المصرفية ويتم تحويلها لاحقًا لمصرف لبنان، وتحويلها لدولار وفق سعر الصرف الرسمي أي 1500 ليرة”.

وأوضح عكوش أن هذه العملية كانت تدر أرباحًا كبيرة مخفية للتجار، معتبرا أن “في انخفاض أرباحهم سببًا في ارتفاع صرختهم ضد التعميم الأخير، خاصة أن معظم الشركات- ما عدا المشافي وتلك التي تتعامل مع الجهات الضامنة وتتقاضى لقاء خدماتها شيكات مصرفية- مثل المحروقات والمطاحن لا تقبل التقاضي بالشيك لأنه ليس مضمونًا ولا يتم استيفاؤه بقيمته الفعلية”.

وشدد عكوش على وجوب تعديل التعميم كي لا يشمل الشركات المستوردة التي تقبض لقاء خدماتها على شكل شيكات مصرفية وليس نقدًا، كمستوردي الأدوية والمعدات الطبية والمستشفيات المتعاملة مع الجهات الضامنة عبر الشيكات.