إن كل “متابع” لما سبق الإستشارات النيابيّة الملزمة التي جرت في القصر الجمهوريّ في بعبدا من أخذ ورد واتصالات ومداولات في الأروقة السياسيّة يدرك أن هناك نظريّة أطلّت برأسها علينا تقول إن هناك دعماً دولياً وعربياً كبيراً للرئيس المكلّف سعد الحريري كما أن لديه تسهيلات أكثر من السفير مصطفى أديب لناحية التأليف، فما حقيقة الموقف الدولي – العربي والتسهيلات المزعومة؟
الجواب بسيط جداً، إن الموقف الدولي – العربيّ ينقسم إلى شطرين الأول متعلّق بالتكليف والتأليف والثاني مرتبط بأداء الحكومة.
بالنسبة إلى الشطر الأول من الموقف، فكل متابع للحاليات السياسيّة والمواقف الدوليّة إزاء الأزمة اللبنانيّة منذ 17 تشرين 2019 تاريخ اندلاع الإنتفاضة الشعبيّة حتى يوم هذا يدرك أن المجتمعين الدولي والعربي يبنيان موقفهما على مرتكز أساسي وهو “لا للفراغ” في السلطة التنفيذيّة في لبنان إذ يعتبر المجتمعان الدولي والعربي أن الفراغ يمكن أن يودي بالبلاد إلى المجهول لذا يجب تفاديه بما تيسّر.
إنطلاقاً من هنا يأتي الموقف الدولي – العربي الواضح اليوم داعماً للمرشح الوحيد لتأليف الحكومة وهو الرئيس الحريري وهذا أمر منطقي وبديهي بناءً على مرتكز هذا الموقف الأساس وهذا ما ظهر أيضاً في السابق مع دعم السفير أديب.
لذا نحن امام الموقف الدولي – العربي نفسه الذي لم يتبدل وهو “لا للفراغ” بغض النظر عن الأشخاص الأمر الذي يؤكد أن النظريّة التي يحاول البعض إشاعتها والتلطي خلفها بأنه مدعوم اميركياً وفرنسياً وسعودياً واهية ولا تمت للحقيقة بأي صلة.
أما بالنسبة للشطر الثاني من الموقف الدولي – العربي المرتبط بأداء الحكومة، فهو واضح وضوح الشمس أيضاً منذ السادس من نيسان 2018 تاريخ انعقاد مؤتمر “سيدر” لدعم الاقتصاد اللبناني، فالمجتمعين الدولي والعربي لن يقوما بتقديم أي مساعدات للبنان إن لم تقم الحكومة اللبنانيّة بالإصلاحات المطلوبة من أجل ضبط مكامن الفساد والهدر في الإدارات العامة في البلاد.
لذا، وهذه هي الحال، فأي حكومة عتيدة لن يكون أمامها سوى طريق واحدة تسلكها من أجل إخراج البلاد من الأزمة الماليّة – الإقتصاديّة وإنقاذ الشعب من البؤس الذي يعيشه وهي إقرار الإصلاحات المطلوبة، الأمر الذي يجعل من هذه الأخيرة جوهر قيام أي حكومة عتيدة اللهم إن كانت هذه الحكومة آتية للإنقاذ وليس لمجرّد تكرار التجارب السابقة التي أظهرت فشلها.
وفي هذا الإطار، نسأل لماذا لم تقر الإصلاحات في حكومتي الرئيس الحريري الأولى والثانية من هذا العهد وحكومة الرئيس حسان دياب؟ إذا كان التحجج بالتعطيل والعرقلة من الممكن أن يقنع البعض بالنسبة لحكومتي الحريري الأولى والثاني إلا أن هذه الشماعة تسقط عند الوصول إلى تقييم أداء حكومة الرئيس حسان دياب التي هي حكومة لون واحد.
ما يوضح الجواب على هذا التساؤل وهو أن الثلاثي الحاكم “حزب الله”، “التيار الوطني الحر” و”حركة أمل” لا يريد إقرار هذه الإصلاحات ويرفضها.
بناءً على كل ما تقدم، نجد ان الرئيس المكلف سعد الحريري اليوم وبعيداً عن نظريات الدعم والتسهيل يقف أمام خيار من إثنين لا ثالث لهما: إما الإعتذار على غرار السفير أديب أو الإنصياع لشروط الثلاثي الحاكم، باعتبار أنه إذا ما كان فعلاً يريد تشكيل حكومة إنقاذيّة، على ما يعلن، فمن الواضح أن عماد هكذا حكومة يجب أن يكون الإصلاحات التي من الواضح أيضاً أن الثلاثي الحاكم يرفضها كما أنها تتطلّب أن تكون مؤلفة من فريق عمل متخصص ومتجانس الأمر الذي سيصطدم بمطلب الثلاثي الحاكم الاستحصال على حصته في الحكومة إن كان لناحية تسمية الوزراء أو إختيار الحقائب.
من جهّة أخرى، إن أي حكومة تحتاج بادئ ذي بدء إلى توقيع رئيس الجمهوريّة العماد ميشال عون من أجل الذهاب بعدها إلى امتحان الثقة. هذا إن أغفلنا أساساً أن الحريري يبدأ مسار تأليف الحكومة وهو في حالة صداميّة مع مكون أساسي من هذا الثلاثي وهو “التيار الوطني الحر”.
وهنا نجد أنفسنا أمام سؤال بديهيّ وجوهري وهو: إذا ما كان الحريري يريد تأليف حكومة إنقاذيّة فهو حكماً يجب ألا ينصاع لشروط الثلاثي الحاكم إن لناحية تسمية الوزراء واختيار الحقائب أو لناحية البيان الوزاري لأن عكس ذلك يعني إعادة تكرار تجربة حكومتيه الأولى والثانية، فهل بإمكانه الاستحصال على توقيع الرئيس على تشكيلة مماثلة وهو في حالة صداميّة مع هذا الثلاثي أم أنه سينصاع لشروط الثلاثي الحاكم ويكسر السقف الذي رسمه بنفسه لأديب أثناء محاولة الأخير تأليف حكومة؟
في النهاية، في كلتا الحالتين لا يمكننا الوصول إلى نتيجة واحدة أننا لا نزال في دوامة تضييع الوقت ولا حل أمامنا لإنقاذ البلاد سوى التخلّص من الثلاثي الحاكم عبر انتخابات نيابيّة مبكرة تقوم بأسرع وقت ممكن على أساس القانون الحالي كي لا ندخل دوامة إقرار قانون جديد والعودة إلى لعبة تضييع الوقت بشكل آخر.