فاطمة سلامة
كثر من اللبنانيين لا يعرفون كيف “يرقّعون” أوضاعهم ويؤمّنون الحد الأدنى من متطلبات الحياة. على الورقة والقلم كل الحسابات تبيّن أنّ جزءًا كبيرًا من المواطنين يصرف أكثر مما يتقاضى. الرواتب تتبخّر حتى قبل تقاضيها وتذهب فواتير كهرباء واتصالات وبدل محروقات. أما باقي المصاريف فتتطلّب رواتب مضاعفة لتسديدها. هذا الواقع الكارثي الذي وصل اليه المواطن والذي باتت قدرته الشرائية معدومة لم يكن ينقصه سوى أن يُغلّف بقرارات رسمية تفاقم الحالة المعيشية. قرار مضاعفة الدولار الجمركي ثلاث مرات ورفعه من 15 ألفًا الى 45 ألف ليرة لم يكن في محله ووقته أبدًا. في الشكل، يُقال أنّ القرار لزيادة إيرادات الدولة، لكن في الحسابات فإنّ هذه الزيادة ستنعكس زيادة في الأسعار ما سيُرهق المواطن أكثر فأكثر. تمامًا كما أنّ هذه الزيادة قد تزيد من التهرب الجمركي ما يساهم في خفض إيرادات الدولة بدلًا من رفعها دون أن ينسحب ذلك على الأسعار التي سيكون الدولار الجمركي شمّاعة لرفعها.
قطب: تحديد الدولار الجمركي يجب أن يصدر بقانون من مجلس النواب
قرار رفع الدولار الجمركي الذي أتى خارج السياق ــ في وقت لا تزال تُدفع فيه ودائع المواطنين وفق الـ15 ألف ليرة ورواتب القطاع العام خسرت أكثر من 95 بالمئة من قيمتها ــ يطرح السؤال عن مدى قانونيته خاصة أنّه صدر بكتاب من وزراة المالية ووافق عليه رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي. وفي هذا السياق، يطرح أستاذ المالية العامة في الجامعة اللبنانية الدكتور مروان قطب علامات استفهام حول قانونية ما حصل. وفق حساباته، فإنّ قرار تحديد الدولار الجمركي كان يجب أن يكون بقانون صادر عن مجلس النواب، أما أن يصدر قرار بهذا الحجم بناء على مشاورات بين رئيس الحكومة والإدارة الجمركية فقد شكّل هذا الأمر مفاجأة. للأسف في ظل الظروف الاستثنائية التي نعيشها يفتقد لبنان لإطار واضح لاتخاذ القرارات وهذا ما حصل بالدولار الجمركي.
وفي حديث لموقع “العهد” الإخباري، يذهب قطب أبعد من ذلك، في ظل الظروف الاستثنائية التي نعيشها وتعذر انعقاد جلسة لمجلس النواب قد يُتخذ قرار تحديد الدولار الجمركي من وزير المالية ولكن بعد إجراء دراسة بالتنسيق مع وزير الاقتصاد. اقتصاديًا، فإنّ الأمر لا يجب أن يتم بالطريقة التي تم بها. ما المعيار والاعتبارات الاقتصادية التي زاد بموجبها الدولار الجمركي ثلاثة أضعاف؟ ما دراسة الجدوى التي تمّت؟ وكم تبلغ الإيرادات المحقّقة التي من الممكن أن نصل اليها؟.
وفق قطب، للأسف القرارات المالية والنقدية تُتخذ “ارتجاليًا”. حتى الإعلان الذي أصدره حاكم مصرف لبنان رياض سلامة ورفع بموجبه سعر منصة “صيرفة” الى 70 ألفًا يطرح علامات استفهام كثيرة. هل استند الى موافقة البنك المركزي؟ مع الإشارة الى أنّ هذه القرارت يجب أن تُتخذ بقرار وليس إعلان لأن الإعلان في القانون غير مُلزم وبعض المصارف قد لا تلتزم به. ثمة إجراءات غير نظامية يجري اتخاذها ستحمّل المواطن تداعيات كبيرة وستزيد أعباء الاتصالات، الكهرباء، الرسوم الجمركية ما سيؤثر على مختلف الأسعار خصوصًا أنّ بعض السلع التي يعتبرها الاقتصاد “كمالية” باتت في عصرنا الحالي أساسية كالأدوات الكهربائية والهواتف الخليوية، يختم قطب.
رمال: الأسعار سترتفع فورًا من 5 الى 15 بالمئة
الى جانب الشق القانوني يتحدّث عضو المجلس الاقتصادي الاجتماعي عدنان رمال عن تداعيات اقتصادية ومالية للتسعيرة الجديدة للدولار الجمركي. الأسعار ستزداد حكمًا وستختلف حسب قيمة الرسم الجمركي على الأصناف سواء 5 أو 10 أو 20 بالمئة. وهنا يُقدّر رمال أن ترتفع الأسعار فورًا من 5 الى 15 بالمئة. لنفترض مثلًا أنّ “جمرك” سلعة كان 500 ألف ليرة، سيصبح اليوم مليونا ونصف المليون ليرة. وهنا لا ينكر رمال أنّ من يتقاضى راتبًا بالدولار قد لا يشعر بالزيادة الجمركية، لكن الأمر سيرهق المواطن اللبناني حكمًا، لأنّ 20 بالمئة فقط يملكون دخلًا بالدولار. وعليه، فإنّ 80 بالمئة من الشعب اللبناني إما يتقاضى راتبًا بالليرة اللبنانية وإما لا يتقاتضى أبدًا. وفق رمال، كلما ارتفعت الضريبة على الليرة ليس من المنطقي أن نحتسب كم تبلغ بالدولار فليس كل الناس تتقاضى دولارًا.
يشدّد رمال على أنّ هذه القضية تشكّل عبئًا كبيرًا جدًا على الأسر والعائلات خاصة في طريقة استهلاكها وعيشها لأنّ سحب الودائع يتم وفق الـ 15 ألف ليرة والرواتب أيضًا تبخرت قدرتها الشرائية، وفي المقابل تؤخذ الرسوم والضرائب وفق أسعار أعلى، فنحن لم نتحدث فقط عن دولار جمركي بل الكثير من الرسوم والضرائب باتت على منصة “صيرفة” من اتصالات، كهرباء، بلدية وما الى هنالك. وعليه، يرى رمال أنه لا يمكن زيادة الراتب ثلاث أو 4 مرات وأخذ الرسوم والضرائب وغيرها وفق الـ30 مرة. هل يُعقل أن نضاعف الدولار الجمركي ثلاث مرات، وتبقى ودائع الناس التي تتقاضاها في المصارف على الـ 15 ألف ليرة؟ يسأل رمال الذي يشير الى ظلم جزء كبير من الشعب اللبناني والذي تقارب ودائعه المئة مليار ليرة. في هذا السياق، تغيب أدنى مقومّات التوازن بين الضريبة والرسوم وما بين أموال المودع الذي يظهر وكأنه يتسول وديعته.
وفي سياق حديثه، يوضح رمال أنّنا أمام مشكلة كبيرة فالدولة غير قادرة على إنجاز توازن مالي والاقتصاد بات قائمًا على اقتصاد نقدي مئة بالمئة والمتحكّم بهذا الاقتصاد هو سعر الدولار الحقيقي أي السوق السوداء وليست منصة صيرفة أو أي منصة أخرى، فأي شخص سواء مواطن أو تاجر يحصل على دولاراته من السوق وفق الـ 90 ألف ليرة. وهنا يلفت رمال الى أنّ الاقتصاد النقدي بحاجة الى دولارات نقدية فالمواطن العادي يشتري بالدولار لأن الليرة أصبحت بلا فعالية.
وفي سياق آخر، يشدّد رمال على أنه كلما كبرت الكتلة النقدية بالليرة في السوق، كلما ذهبنا نحو تضخم أعلى وأكبر، وبالتالي نعطي الموظّف الزيادة في يد ونأخذها باليد الثانية. ويتطرق رمال لمسألة رفع سعر الدولار الجمركي في سياق بحث الدولة عن إيرادات لتغطية زيادة رواتب موظفي القطاع العام وبدل النقل الخاص بهم فيقول: “وكأن الشعب اللبناني كله يدفع ضريبة رواتب القطاع العام مع أحقية مطالبهم وضرورة تحسين قدرتهم الشرائية ولكن من دون هيكلة ومن دون معرفة كم لدينا نفقات، فإنّ 5 ملايين لبناني سيدفعون ثمن انهيار اقتصادي ومالي غير مسبوق وثمن للقطاع العام، وهذا الأمر يحتاج الى إعادة نظر كبيرة لأن كل زيادة هي ثقل كبير على الموازنة والخزينة وثقل على المواطن لأنّ الخزينة في نهاية المطاف تمول من الضرائب والرسوم والقطاع الخاص. الأخير شبه منته باستثناء القطاع الغذائي الذي بقي فعالًا في الأزمة، أما بقية القطاعات فتعمل بنسبة 20 و30 بالمئة”.
كما يلفت رمال الى نقطة مهمّة فكلما زادت الرسوم والضرائب كلما زاد التهرب الجمركي والرسم المكتوم. وعليه، بدل أن يبقى الاقتصاد فعالًا ويدفع ما يستحق عليه يزداد الجزء المكتوم على حساب الجزء الشرعي، مع الإشارة الى أنّ نسبة ما هو شرعي قبل الأزمة كانت 70 بالمئة والمكتوم 30 بالمئة، أما اليوم فيبدو أن الواقع معكوس، وبالتالي فمداخيل الدولة تقل وشركاتها تضعف والتوظيف يتراجع.