فاطمة سلامة / خاص العهد
تُعطي مختلف الدول على امتداد العالم الأولوية لمرضى السرطان، إلا في لبنان. المرض “الخبيث” كما يسمونه يتطلب مرضاه اهتمامًا وحرصًا شديدين للتغلب عليه، وهذا ما لا يجده المريض في هذا البلد. المريض بالسرطان في لبنان يعيش المرض ضعفين عن غيره. يعيشه جسديًا من جهة، ونفسيًا من جهة أخرى حيث يفتقد الأمن والأمان الصحي ويلفه القلق على مصيره من فقدان الأدوية حينًا، وتحليق أسعارها حينًا آخر. وفيما يُصادف يوم غد السبت (4 شباط 2023) اليوم العالمي للسرطان، يُضاف قلق جديد الى لائحة هؤلاء المرضى يتمثّل بما جرى الحديث عنه حول سريان قرار رفع السعر الرسمي الى 15 ألفًا على الأدوية السرطانية. ماذا يعني ذلك إن حصل الأمر فعلًا؟ يعني بكل بساطة أنّ حاكم مصرف لبنان رياض سلامة سيطلب من الدولة بدل أن تحوّل له 52 مليار ليرة بدل الـ35 مليون دولار لدعم الأدوية السرطانية والمستعصية والمستلزمات الطبية، سيطلب تحويل 525 مليار ليرة. والسؤال هنا: ماذا لو عجزت الدولة عن تأمين هذا المبلغ الذي يؤمّن العلاج بالمجان لهؤلاء المرضى أي أن نسبة الدعم لهم مئة بالمئة؟ ماذا سيحل بنحو 30 ألف مريض سرطان قيد العلاج؟ كيف سيؤمّن هؤلاء بدل علاجاتهم التي باتت بأسعار خيالية؟.
قضية مرضى السرطان يجب أن تكون خطًا أحمر
وزير الصحة السابق الدكتور حمد حسن يتحدّث بغصّة كبيرة عن الأوضاع التي يرزح تحتها مريض السرطان في لبنان. ينطلق من العنوان العريض الأساسي الذي تشدّد عليه كل الدول والمواثيق الدولية والتشريعات والتي تتحدّث عن الحفاظ على صحة المواطن وفي طليعتهم مرضى الأمراض السرطانية والمستعصية. وفق حسن، حتى وقت ليس ببعيد كانت كل المرجعيات أكانت سياسية أم نقابية أم صحية ومن ضمنها وزراة الصحة تعرف أن قضية مرضى السرطان يجب أن تكون خطًا أحمر وليس فقط عنوانًا بل بالتطبيق أيضًا، وإلا سيدفع المواطن الثمن في حياته فالقضية ليست مزحة. لكن للأسف -يقول حسن- ما يحدث في القطاع الصحي والدوائي من قرارات غير مسؤرولة من السلطة المالية تتماهى مع العجز في السلطة التنفيذية والتي تُرجمت برفع الدعم عن كل الأدوية تدريجيًا دون البحث عن حلول. ما يُطرح من حلول وخطط ومؤتمرات تنفع في أيام الرخاء ولكن في وقت الأزمات -كحالتنا اليوم- يجب أن يكون هناك قرارات استثنائية وشجاعة لا وعود فارغة فقط فالناس باتت تموت عند أبواب المستشفيات وفي المنازل.
يشدّد حسن على أنّ القطاع الصحي والدوائي يجب أن يكون بمنأى عن الخلل الحاصل في السلطة المالية والفلتان النقدي وعن التجاذبات الحاصلة ولعبة التجار في السوق السوداء والتي تجلّت بفقدان الأدوية. كما يلفت حسن الى أنّ الآلية الأخيرة التي اعتمدتها وزارة الصحة في ما يخص الأدوية فيها نوعًا من الاستنسابية. مثال بسيط على ذلك، أحد المرضى بحث عن دواء مدعوم فلم يجده وبعد التواصل مع وزراة الصحة لسؤالها عن عدم صرفه قال المعنيون أن الآلية الجديدة تنص على أن صرفه يتم عبر المستشفى بعد أن يكون قد أخذ موافقة الوزراة. وهنا يشدّد حسن على أنّ بعض المستشفيات تحصل أحيانًا على الدواء المدعوم من الوزراة وتبيعه للمريض وكأنه غير مدعوم وسط غياب الرقابة والاستسلام لسلطة وحيتان المال وكارتيلات الدواء. واضح جدًا أن ثمّة استنسابية حتى بالأدوية المدعومة لجهة صرف الدواء وسط غياب الشفافية والمتابعة والرقابة والمحاسبة وبموازاة استسلام مطلق للسلطة المالية التي “تقرش” ما لديها بالأموال بعيدًا عن الانسانية. وفي هذا السياق يشدّد حسن على أنّ مريض السرطان يحتاج أن يسمع تطمينات ومعنويات لكن للأسف فالخطاب الإيجابي مفقود والمريض متروك لمصيره وقدره.
فارق كبير في أرقام المصرف والواقع!
وفق حسن، قرار إبقاء أدوية الأمراض السرطانية في دائرة الدعم -تجنيبًا للمواطن العواقب- هو عند رئاسة الحكومة مجتمعة لإلزام حاكم المصرف بذلك. يكشف عن تفاوت في الأرقام بين ما يُعلن عنه وبين ما يتلقاه المريض. بحسب حسن، فإن المضمونين على نفقة وزارة الصحة يبلغون 28 ألف شخص بين أمراض سرطانية ومستعصية ونادرة، يضاف الى الـ28 الف مريض ما يقارب الـ22 ألف مريض يتلقون الدعم عبر الجهات الضامنة أي أن المجموع الكلي 50 ألف مريض. الكلفة الوسطية في الشهر الواحد للمريض تتراوح ما بين 250 و300 دولار، فيما يرصد مصرف لبنان شهريًا 35 مليون دولار. لكن فعليًا اذا ما “ضربنا” عدد الـ50 ألف بـ300 دولار فإنّ الرقم يساوي 15 مليون دولار وفي أسوأ الحالات 20 مليون دولار اذا ما زاد العدد قليلًا. أين الـ15 مليون دولار المتبقية؟ يسأل حمد ويشير الى أننا في هذا الصدد أمام سيناريو من اثنين؛ إما أنّ رقم الـ35 مليون دولار لا يتم صرفه وهو إعلامي فقط، وإما ثمّة هدر وضعف في الرقابة ما يعكس عجز الوزارة وضعف المكاشفة. وهنا يسأل حسن: لماذا لا تبرر الوزراة بالأرقام وتنأى بنفسها عن الملف الأسود في الدعم المادي؟.
ويلفت حسن الى أنّه يكفي أن ننظر الى أرقام منصة “صيرفة” لنكشف مصرف لبنان و”كذبة” الدعم الذي يوجّه للوزراة. وفق حسن، نحتاج الى مليون دولار فقط يوميًا أي ما يعادل 340 مليون دولار سنويًا لتغطية كل مرضى لبنان بهذا الدعم شرط الشفافية في الأرقام من مصرف لبنان ومتابعة جدّية من وزارة الصحة والجهات الضامنة لضمان وصول الدواء للمرضى دون توسل أحد. برأي حسن، عند حدوث مكاشفة في الأرقام وتحديد المسؤوليات نضمن وصول الدواء للمواطن بطريقة شفافة أكثر لأن ما تقوم به وزارة الصحة حاليًا غير كاف رغم أنّ الإعلان عن منصات والتتبع أمر جيد لكن بدون رقابة ميدانية سنبقى في الدوامة وسيبقى حق المريض مهدورًا.
وزارة الصحة معنية بالسياسة الدوائية والصحية لكل المرضى في لبنان
يتوسّع حسن في الحديث عما يشهده سوق الدواء. الوزارة تسمح بحصة مدعومة لغير الميسورين وأخرى غير مدعومة للميسورين. الحصة المدعومة تأتي أقل من العدد المطلوب للمرضى. يشدّد حسن على أنّ وزارة الصحة معنية بالسياسة الدوائية والصحية لكل المرضى في لبنان وليس فقط لمن ليس لديهم جهات ضامنة. القضية تتطلّب -برأيه- اجتماعًا طارئًا لأنها أولى من أي موضوع حياتي آخر فهي قضية حياة وموت. يجب على كل المرجعيات أن تتحمّل مسؤوليتها بهذا المضمار.
وهنا يذكر حسن عندما كان لدينا الرؤية والبرنامج والخطة لمواجهة ليست فقط رفع الدعم بل إيجاد البديل في الوقت المناسب والاستيراد الطارئ والسماح للكثير من شركات الأدوية العالمية أن تستورد الدواء عبر القفز فوق البيروقراطية الرسمية الادارية المعتمدة، حينها، فُسرت خطوتنا على أننا نريد إحضار شركات معينة وأدوية إيرانية. للأسف، أين هو الاعلام المشوّش اليوم؟ أين الأقلام المأجورة والمواقع والصحفيون الذين حرّضوا وهم يتحملون بلا شك ذنب ما وصل اليه المريض هذه الفترة؟
الدواء الإيراني لمرضى السرطان أثبت فعاليته وسعره يصل الى حدود الـ20 الى 30 بالمئة من سعر “البراند”
يلفت حسن الى أنّ حاكمية مصرف لبنان كانت تدعم للأسف أدوية “البراند” وترفض دعم الأدوية الأخرى رغم أن ثمّة تجربة لنا مع أدوية أخرى أثبتت فعاليتها بشكل كبير.
كل من يتابع ملف الأدوية السرطانية يعرف علميًا في وزراة الصحة العامة أن الدواء الإيراني وغيره من الأدوية كالكوري الجنوبي أو السعودي أو الأردني والتركي والمصري كلها أدوية فعالة، وتحديدًا الدواء الإيراني الذي وصلنا منه على شكل هبات. وفق حسن، إنه دواء فعال وأسعاره تصل الى حدود الـ20 الى 30 بالمئة من سعر دواء “البراند”، ما دفع لبنانيين كثرا الى استيراد الدواء عبر أقاربهم من إيران ما يدحض كل الشائعات والتسويق الإعلامي المضلل والسلبي الذي يشكك بفعالية هذا الدواء تعمية للحقيقة وخدمة للمال.
يشير حسن الى ضرورة فتح المجال لتسجيل أدوية مناسبة من معامل مسجلة في لبنان أوروبية وشرق أوسطية معتمدة حيث يصل سعر بعض هذه الأدوية الرديفة الى ما دون النصف عن “البراند”. وفي هذا السياق، يأسف لأن سياسة الوزراة الحالية أرست معادلة الإتجار بالشنطة بعد أن وضعت ضوابط على قرار الاستيراد الطارئ وسط استنسابية خارج المعايير الموحدة التي تضمن وصول الدواء الفعال من المنشأ وبنفس الجودة.
وفيما يلفت حسن الى أنّ الهم الاستثماري هو الهم الأول للدولة العميقة وكارتيلات المال والدواء وبعض المستشفيات، ينتقد الغياب الصارخ للمؤسسات الدولية الطبية والمنظمات غير الحكومية والتي تدّعي حرصها على الإنسان وصحته، فيما بعض الهبات لديها كانت مشروطة. أين هذه المؤسسات من المأساة اليوم؟ أين تلك الأصوات التي ادعت الحرص على الإنسانية؟. كان امتحانًا صعبًا سقطت فيه كافة السلطات والمؤسسات وبيّنت عجزها عندما احتل عامل المال والفساد الأولوية، يختم حسن.
المرضى أمام فيلم رعب
رئيس حملة “الصحة حق وكرامة” الدكتور اسماعيل سكرية يرى أن ما تسمى بالدولة اللبنانية ووزارة الصحة والحكومة العتيدة كلهم أثبتوا فشلهم الذريع باحترام صحة الناس وخاصة مرضى السرطان الذين يعانون معاناة مختلفة رغم أن هذه الدولة قادرة أن تعطي مرضى السرطان ما يستحقون من الاهتمام عبر وضع خطة طارئة لستة أشهر وأخرى بعيدة المدى لإيجاد وسيلة دعم بعيدًا عن السرقات والصفقات، وللأخذ باقتراح الاستيراد من دولة لدولة كعرض السويد وإيران لتوفير أقله 50 بالمئة من قيمة الدواء “البراند”.
وفي معرض حديثه، يقول سكرية “لنفرض أن ثمة موقفًا سياسيًا من إيران لأجل الضغط الأميركي، على الدولة اللبنانية أن ترمي الضغط الأميركي بمئة حائط لأجل صحة وحياة الناس”. وهنا يشير سكرية الى أنّ لبنان يحتل أعلى مرتبة بالدول العربية اذ ثمة 30 ألف مريض سرطان قيد العلاج و12 ألف مريض يضافون سنويًا الى اللائحة.
ولدى حديثه عن تكلفة العلاج الخيالية أحيانًا، يوضح سكرية أنّ في لبنان يستخدمون أدوية باهظة الثمن لمرضى السرطان وفيها الكثير من الكماليات. بعض الأدوية يتراوح سعره بين 12 و20 ألف دولار وكل هذه الأسعار لصالح شركات، مع الإشارة الى أنّ هناك سرا ما في مكان ما تعرفه شركات الدواء المصنعة فقط. الأخيرة لا مصلحة لديها بالعثور على علاجات حاسمة وقوية تشفي مرضى السرطان.
ويشدد سكرية على أنّه ومع الحديث عن اعتماد الـ15 ألفًا كسعر رسمي في أدوية السرطان فإن المرضى أمام “فيلم رعب”، وهذا الأمر “وصمة عار” على جبين ما تسمى دولة. وفي هذا الإطار، يؤكّد سكرية على أن مريض السرطان في لبنان لا يشعر بالأمان الصحي الذي يشعر به أي مريض في العالم حيث يعيش القلق المؤلم، فعدا عن شعوره أنه مريض سرطان يشعر أنه لا يتلقى العلاج بالوقت المناسب وكما يجب. الوضع الموجود في لبنان ليس موجودًا في أي دولة بالعالم حتى في الصومال اذ يستبيح السياسيون صحة الناس وكأنهم يستبيحون الأمور الأخرى، يختم سكرية.