د. محمود جباعي
تستمر أسعار المحروقات في لبنان بالارتفاع التدريجي لتصل الى أرقام قياسية مقارنة مع الحد الادنى للأجور، مما يشكل كارثة اقتصادية ومعيشية كبيرة جدًا يدفع ثمنها بشكل مباشر المواطنون أصحاب الدخل المتوسط والمحدود والذين يتقاضون رواتبهم بالليرة اللبنانية أو حتى الذين يتقاضون مبالغ رمزية بالدولار الأميركي.
فاقت أسعار صفيحتي البنزين والمازوت الحد الادنى للاجور في لبنان والمحدد من قبل الدولة اللبنانية بـ 675 الف ليرة أي ما يعادل اليوم حوالي 24 دولارًا أميركيًا بحسب سعر الصرف الحالي في السوق الموازي والذي يبلغ 28 ألف ليرة للدولار الواحد. والأخطر بالامر أن أسعار المحروقات سوف تستمر بالارتفاع وفقًا لكل المعطيات المتوافرة بفعل ارتفاع أسعار النفط عالميًا التي تخطت مؤخرًا عتبة 125 دولارًا لبرميل النفط، علمًا أن أسعار النفط مرشحة للارتفاع أكثر بفعل ما يشهده العالم ككل من أزمات سياسية واقتصادية ومالية بفعل تداعيات الحرب الروسية الاوكرانية التي نتج عنها عقوبات اقتصادية متبادلة بين روسيا من جهة والغرب من جهة اخرى.
بالعودة الى لبنان فإن سعر صفيحة المازوت مرتبط كليًا بسعر الدولار الفعلي في السوق السوداء بينما سعر صفيحة البنزين مرتبط حاليًا بسعر الصرف على منصة صيرفة الذي يبلغ حاليًا 24700 ليرة للدولار الواحد بالاضافة الى العمولة التي يتقاضاها المصرف مما يجعل سعر الدولار عبرها يفوق حدود 25 الف ليرة.
وتشير المعطيات الى أن مصرف لبنان يدرس جديًا عدم بيع محطات البنزين على دولار منصة صيرفة مما يعني أن سعر صفيحة البنزين سيصبح كليًا وفق سعر صرف الدولار في السوق السوداء وهذا سيساهم وفق الأسعار الحالية للدولار في ارتفاع سعر صفيحة البنزين في حدود 100 ألف ليرة مع الأخذ بعين الاعتبار أن هكذا خطوة ستلهب الطلب على الدولار في السوق السوداء مما سيؤدي الى ارتفاع سعره بشكل كبير ويساهم في حصول ارتفاع مهول في أسعار البنزين والمازوت، حيث سيتخطى سعر الصفيحة لكل منهما حدود المليون ليرة. هذا الارتفاع ضغط بشكل كبير على القدرة الشرائية للمداخيل ويساهم من ناحية أخرى في ارتفاع كلفة الانتاج مما سيرفع أسعار كافة السلع والخدمات ايضًا، بالتالي سيتخطى معدل تضخم الاسعار حدود الـ 1000 بالمئة منذ بداية الأزمة.
بناءً على ما ينتظر المواطنين من أزمات كبيرة تفوق الأزمات الحالية لناحية ارتفاع مؤشر الاسعار السنوي الذي بلغ 240 % مع بداية العام الحالي مقارنة بالعام السابق، والذي من المتوقع أن يتخطى حدود 300 بالمئة في بداية العام القادم بالمقارنة مع العام الحالي، على الحكومة اللبنانية العمل الفوري على تدارك الأمر من خلال سلسلة خطوات سريعة تبدأ بمراقبة المحتكرين الذين يتحكمون بآلية التسعير بشكل غير عادل حيث إن معدل الربح عندهم يعتبر مرتفعًا جدًا بالنسبة لكلفة الاستيراد والانتاج. كذلك يجب البحث جديًا بكيفية تحسين الاجور التي لم تعد مقبولة ابدًا في ظل التدهور النقدي الحالي وفي ظل الفروقات الكبيرة بين مؤشر الاسعار الذي ارتفع بحدود 10 اضعاف بينما الرواتب ما زالت على حالها نسبيًا.
ومن الحلول المنطقية حاليًا دعم منصة صيرفة بسعر يصل الى حدود الـ 20 الف ليرة للدولار لكل عملية استيراد المحروقات على أنواعها من أجل المساهمة في تخفيض سعرها بالنسبة للمستهلك مما قد يساهم في ضبط الامور نوعًا ما في ظل هذا التخبط العالمي الكبير في اسعار النفط والغاز.