إيهاب شوقي
مع اقتراب زوال كيان العدو، فإن ممارساته تنضح بكل علامات اقتراب الزوال، وهي تشبه حالة القط الذي يتعرض لحادث مميت ويبدو مقاومًا للموت بقفزات وهجمات توحي له بأنه سيتخطى حالة الاحتضار وأنه باق على قيد الحياة. كثير من ممارسات العدو تشي بهذه الحالة، فهو ورغم جميع تقاريره الذاتية المتعلقة بالأمن القومي والتقديرات الاستراتيجية التي تفوح منها رائحة اليأس والقناعة بزوال قريب، يحاول ممارسة سياسات لا تعبر عن فائض القوة الحقيقي وتتناقض مع أزماته المتعلقة أبرزها بالانكشاف الاستراتيجي.
وفي أحدث ممارساته المعبرة عن هذا النمط، يقوم العدو بمحاولة لفرض الأمر الواقع على لبنان في مسألة ترسيم الحدود البحرية واختلاق أزمة دولية معه لنهب المزيد من الثروات العربية، حيث لم يكتفِ بنهب ثروات فلسطين المحتلة.
ولأن الأمر في غاية الحساسية والخطورة، فمن الواجب سرد بعض الإيضاحات والملاحظات كما نفهمها من مواقف المقاومة ورؤيتها:
1- رغم أن ظاهر الأمر هو الضغط على الدولة اللبنانية بتسريع الترسيم ومحاولة انتزاع تنازلات بتفاوض تحت ضغط القوة والأمر الواقع، إلا أن الأمر لا يخلو من الإيحاء بتوسع جيوستراتيجي عبر تنسيق وتعاون مع اليونان وبريطانيا لتضاف إلى ملفات التعاون مع قبرص في مناوراته الأخيرة، وبالتالي خلق حالة ايحاء بتمدد جيوستراتيجي بهدف التأثير على معنويات المقاومة والشعوب، وهو تمدد تعلم المقاومة هشاشته وتعلم كيفية مواجهته وإفشاله.
2- لا معنى لمزايدات البعض على المقاومة والتساؤل عن ردود افعالها حول دخول سفينة التنقيب لمنطقة متنازع عليها وربط ذلك بحديث السيد نصر الله بحماية ثروات لبنان في محاولة للمساس بمصداقية المقاومة، وذلك لأن وعد المقاومة هو حماية ما تقول عنه الدولة إنه لبناني، سواء كان أرضا أو ثروات، وليس للمقاومة علاقة بملف ترسيم الحدود لأنها لا تعترف بالكيان الصهيوني من الأساس، وبالتالي لا معنى لترسيم حدود مع كيان وهمي مؤقت.
هنا تترك المقاومة ملف التوصيف لمؤسسات الدولة، وتلزم نفسها بحماية ما يتم إقراره كحدود وطنية وثروات لبنانية.
وفي ملف حقل كاريش، أعلنت المقاومة موقفها بوضوح لا يحمل التباسات أو تفسيرات مختلفة، حيث خاطبت الدولة مباشرة، وطلبت منها الخروج بقرار حول الحدود وحول المنطقة المتنازع عليها، وهل هناك حالة اختراق اسرائيلية وعدوان على ثروات لبنان، وهل هذه السفينة تنهب ثروات لبنانية أم لا، وأنه في حال قالت الدولة ذلك، فإن المقاومة ستتصرف بمختلف الوسائل بما فيها القوة.
3- لا معنى لاستهزاء البعض بالدولة اللبنانية، والمزايدة على احترام المقاومة لقرار الدولة، رغم كل ما يحيط بالدولة من ضعف وتشرذم وارتهان، وذلك لأن المقاومة دوما تعلن حرصها على السلم الأهلي ووحدة لبنان، وترى في الدولة جامعا لمكونات لبنان.
وبالتالي فإن احترام المقاومة للدولة هو احترام لشيء أعمق من واقع الدولة وقوتها، بل هو احترام للإجماع الوطني الذي تمثله الدولة بمؤسساتها التي تمثل الجميع.
وبلحاظ خطورة الملف وانزلاقاته، فإن هذا القرار لا بد من أن يكون محل إجماع وقناعة وطنية كي يتحمل الجميع تبعاته ولا توجه اتهامات للمقاومة بأنها تتصرف بشكل فردي خارج عن الإجماع.
وهنا يكون تقدير الموقف بخصوص التنقيب الصهيوني في حقل كاريش واحتمالات الصدام والانزلاق إلى حرب كبرى ملخصًا في ما يلي:
الكرة في ملعب الدولة اللبنانية وإذا قررت أن هناك عدوانا على حقوق لبنانية، فعلى العدو عدم اختبار مصداقية المقاومة لأنه يعلمها تماما، وبالتالي سيتفاوض أو سيتمادى في الانتهاك إذا ما كان قراره إعلان الحرب على لبنان دولة ومقاومة.
وبالتالي يزداد احتمال الصدام ونشوب الحرب وفقا لخطوات العدو وبذات المقدار الذي يحاول العدو به المساس بمصداقية المقاومة واختبار جديتها.