حسن شريم / العهد
لا شكّ أنّ ما نشهده اليوم من انبطاح مدّعي الحرية والسيادة أمام التدخل السعودي – الأميركي في الشؤون اللبنانية لا يخدم المصلحة الوطنية، بل على العكس يزيد من حدّة التبعية لتتسع معها فجوة الأزمات الاقتصادية والمالية.
بعد خسارة الأموال الطائلة التي صرفت في الانتخابات النيابية اللبنانية لقلب موازين القوى في الداخل، وجهود السفير السعودي وليد البخاري الحثيثة بهدف مواجهة وكسر حزب الله وإضعاف شعبيته، وبدل التركيز على تحسين الأوضاع المعيشية والحياتية للمواطن اللبناني والبحث عن المخارج للضائقة الاقتصادية وإيجاد الحلول الممكنة، لا ينفك البخاري يتنقل من مكان لآخر ويستقبل في دارته الوفود تلو الوفود بغية تعويض بعض المكاسب بعد فشله في هدفه الانتخابي.
بالموازاة، زفّ البخاري خلال احتفال أقيم في دارته في اليرزة للمفتي الراحل حسن خالد نتائج الانتخابات المشرّفة، و”سقوط كل رموز الغدر والخيانة وصناعة الموت والكراهية”، حسب تعبيره.
وفي جديد أنشطته “الاستقطابية” وعلى قاعدة “طعمي التم بتستحي العين” أقام البخاري في دارته في اليرزة بالأمس مأدبة عشاء على شرف رؤساء الجامعات في لبنان، لتطول لائحة أنشطة السفير السعودي الداخلية.
الدور السعودي في لبنان ما بين التدخل والوصاية
إذًا “اقتحام” الشؤون اللبنانية الداخلي جليّ ولا يحتاج إلى تفسير. المحلل السياسي والكاتب الصحافي غسّان جواد يتحدّث بإسهاب لموقع “العهد الإخباري” عن أنّ الدور السعودي في الانتخابات النيابية في لبنان كان واضحًا، ويقول “تبيّن أن التدخل السعودي ظهر أكثر في الجولات الكثيفة التي قام بها سفير الرياض لحشد الأصوات للقوات اللبنانية وحلفائها ومرشحيها”.
ويلفت إلى أنّ “الدور السعودي في لبنان هو تدخل في الشؤون اللبنانية من جانب ووصاية من جانب آخر، وهذا الأمر اليوم هو برسم كل السياديين وكل من يتحدث عن السيادة والحرية والاستقلال”.
جواد يرى أنّ هناك وصاية أميركية سعودية على لبنان استفحلت بعد العام 2005 لتظهر مجددًا في العام 2019 ولا سيما في القطاع الاقتصادي والمالي والقدرة على التحكم بسعر صرف الدولار وبالواقع السياسي اللبناني بشكل عام.
ويعتبر جواد أنّه ليس هناك سياسة خارجية واضحة في لبنان سوى مواجهة المقاومة والتحريض عليها وحشد الطاقات بوجهها والتجييش ضدّها، ويضيف “عندما حصلت أزمة وزير الإعلام السابق جورج قرداحي “خرجوا” من لبنان ليعودوا بمبادرة فرنسية دون أية خطة أو هدف سوى محاولة الوقوف بوجه حزب الله، وهذا مُعطى سيّئ لا يؤسس لإمكانية التفاهم بين الكتل النيابية أو يساهم في تحييد الخلافات أو منع التدخلات الخارجية السعودية الأميركية أو حتى “لمّ البلد” والنهوض به اقتصاديًا وماليًا وعلى مختلف القطاعات الاجتماعية”.
نتائج الانتخابات خيّبت آمالهم.. وسنشهد مزيدًا من التصعيد ضد المقاومة
جواد يرى أنّه بعد نتائج الانتخابات النيابية في لبنان بات واضحًا أن الفريق الذي يهاجم المقاومة سيعمل على تطوير حملته، بمباركة سعودية ودعم مادي ومعنوي، مستندًا إلى بعض التغييرات التي حصلت في نتائج الانتخابات، وهذا الأمر في الحقيقة أوهام وأضغاث أحلام لا يمكن تحقيقها في الواقع اللبناني، ويبدو أن عملهم سيرتكز على مزيد من الاستثمار في الأزمة ومزيد من الضغط على البلد وبالتالي الضغط على الناس وجمهور المقاومة، وهذا سيصعّب قيام الحوار بين كافة الكتل النيابية وإعادة هيكلة النظام لبناء الدولة وتحسين الوضع القائم.
يد حزب الله ممدودة للجميع
وفي سياق ما يتعرّض له لبنان من تعدٍ على سيادته، يبرز تصريح وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان الذي قال في تصريحات له خلال مشاركته في منتدى “دافوس” إنّ “انتخابات لبنان قد تكون خطوة إيجابية لكن من السابق لأوانه قول ذلك”، مضيفًا أنّ “السعودية معنية بعودة العملية السياسية في لبنان وينبغي للأطراف كافة العمل على ذلك”، وتابع “زاعمًا” أنّ “موضوع حزب الله هو بيد اللبنانيين”.
ببساطة، يأتي كلام فرحان ليخدم الفريق اللبناني المناوئ للمقاومة وحلفائها وخصوصًا في الانتخابات، الأمر الذي يثبت نوايا السعودية ببث الفتنة بين اللبنانيين ويدحض مزاعمها بالمساعدة ونواياها الخبيثة المضمرة.
المحلل السياسي جواد يقول هنا: “نيّة فريق المقاومة بناء الدولة وإطلاق عجلة العملية السياسية في لبنان بالتفاهم بين جميع الأفرقاء اللبنانيين واضحة، ولا سيما فيما يتعلق بالصيغة والتحاصص والتركيبة الطائفية، والأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله كان حاسمًا في خطابه الأخير حين دعا إلى وضع جميع الأمور الخلافية جانبًا والتركيز على معالجة الأمور المهمة والحساسة في البلد وعلى رأسها الأزمات المعيشية والاقتصادية والمالية وكل ما من شأنه أن يمس حياة المواطن اللبناني على امتداد الوطن، إلا أنّ حلفاء السعودية في لبنان لم يمدّوا حتى اليوم يدهم أو يخطوا خطوة واحدة لملاقاة فريق المقاومة والمساهمة معًا ببناء دولة تفعيل المؤسسات لأجل خلق توازنات عادلة والوصول بالبلد إلى برّ الأمان”.
ويلفت جواد إلى أنّ هذا التعنت والسلوك المتبع من الفريق الآخر إذا بقي بهذا الصدد سندخل في فراغ طويل ومظلم ومجهول، وهذا ما ذكره معاون وزير الخارجية الأميركية السابق ديفيد هيل المكرّر في مقال نشره في الصحافة الأميركية وفي حديث تلفزيونيّ أيضًا، إذ توقّع الشلل السياسي في لبنان لمدة طويلة متوقعًا “مبادرة فرنسية شجاعة”.
جواد يخلص إلى أنّ كل ما تقوم به السعودية وأميركا في لبنان يصب في خدمة “إسرائيل” والتطبيع معها ومنع لبنان من الاستفادة من ثرواته الطبيعية “النفط والغاز” واستخراجها، خاصة وأنّ هناك زيارات ولقاءات سرية بين الجانبين السعودي والإسرائيلي يوضح حجم التقارب بينهما والمصالح المشتركة التي تجمعهما والتي ستنعكس تصعيدًا وهجومًا بوجه المقاومة ومزيدًا من حدّة الأزمات في لبنان.