حسن شريم / العهد
مما لا شك فيه أنّ المواطن اللبناني أصبح يعيش في دوامة اقتصادية خانقة، تتقاذفه رياح الأزمات المعيشية والاقتصادية من سيِّئٍ إلى أسوأ جرّاء ما آلت إليه الظروف في لبنان بسبب السياسات المالية والنقدية الخاطئة مترافقة مع الهدر والفساد من جهة، والحصار الاقتصادي الأميركي – السعودي من جهة أخرى.
وفي سابقة بتاريخ لبنان، وللمرة الأولى خلال الأزمة الاقتصادية، لامس سعر صرف الدولار اليوم أعلى معدلاته ليصل إلى 34200 ل.ل، هذا الارتفاع يأتي مباشرةً بعد الانتخابات، ليكذِّب “الوعود الانتخابية” لأطرافٍ زعمت أنَّ انتخابها سيخفّض سعر الدولار، في حين غفلت عن كل المقاربات أو الحلول المنطقية والعلمية لدفع هذه الأزمة عن اللبنانيين.
جباعي: لتشكيل الحكومة سريعًا لطرح حلول تساهم في المعالجة
الخبير الاقتصادي الدكتور محمود جباعي وفي حديث لموقع “العهد” اعتبر أنّ سعر صرف الدولار ارتفع ارتفاعًا قياسيًا، وعزا أسباب الارتفاع إلى سببين رئيسيين الأول اقتصادي نقدي والآخر سياسي.
وفي الشق النقدي والاقتصادي أوضح جباعي أنّه على مر ثلاث سنوات لم تكن الحكومات المتعاقبة تقوم بمعالجة أيٍّ من أسباب الانهيار بل على العكس أتاحت الفرصة للمصرف المركزي بالتحكُّم بسعر صرف الدولار وفقًا للتعاميم المختلفة التي كانت تصدر عنه، والتي لم تكن بنيوية، بل وساهمت في رفع سعر صرف الدولار.
ولفت إلى أنَّه “قبل الانتخابات كان مصرف لبنان قد بدأ بتخفيض الدعم عبر منصة صيرفة، وكانت المصارف التجارية تأخد الأموال من مصرف لبنان بنسب محدّدة دون تسليمها للزبائن سواءً أكانوا أفرادًا أم شركات، وبالمقابل كان هناك فئة من المصارف تشتكي من أنَّ مصرف لبنان لم يعطها “كوتا” كبقية المصارف، وهذا سببه “الاستنسابية” التي كان مصرف لبنان يعتمدها في سياسته، وكل ذلك ساهم لمزيد من الطلب على الدولار في السوق السوداء، مما أدّى إلى ارتفاعه نحو الـ 27000 و 28000 ل.ل. عشية الانتخابات النيابية في لبنان”.
وأضاف جباعي خلال حديثه لـ”العهد”: “بعد الاستحقاق الانتخابي في لبنان كان واضحًا أن الجو السياسي العام في البلد كان ذاهبًا إلى مزيد من الانقسامات خاصة في ظل الخطاب التحريضي الذي اعتمدته فئات معيّنة، ومع الجو العام القاتم وضعف منصة الصرف لضخ الدولار، اندفع اللبنانيون لطلب الدولار بكميات كبيرة من السوق السوداء”.
وتابع: “هذا الأمر أعطى فرصة للمضاربين على الليرة إلى التحرك بقوة في الفترة الأخيرة لتحقيق الأرباح والاستفادة من الجو العام، الأمر الذي ساهم بهذا الارتفاع الجنوني للدولار في ظل صمت المصرف المركزي الذي اكتفى بإصدار بيان بتمديد العمل بالتعميم 161 القاضي بالسماح للمودعين سحب مبلغ نقدي بالدولار من حساباتهم بالليرة اللبنانية على سعر منصة صيرفة، وهو الذي يعتبر “حبرًا على ورق” ولن يقدم أو يؤخر في معالجة الأمر الذي تشهده الساحة الاقتصادية والمالية اليوم في لبنان”.
واعتبر جباعي أنَّ “ما حصل ويحصل أفقد الثقة بالليرة الللبنانية وأنه بـ”علم النقد والبورصة” فإنَّ العملة التي تنهار إلى مستوى محدد تزداد انهيارًا إذا لم يجري استحقاقات دورية، واليوم العين على المصرف المركزي للتدخل للجم هذا الأمر وإن كان الأمر لن يشكّل حلولًا بنيوية، ولا يمكن إلا انتظار النواب المُنتخبين لتشكيل الحكومة سريعًا لطرح حلول تساهم في المعالجة النقدية والمالية والاقتصادية وإذا لم يحصل هذا الأمر فإن سعر صرف الدولار سيرتفع إلى أسعار قياسية وخيالية”.
جباعي: الوعيد الانتخابي بخفض سعر الصرف كلام فارغ
وفي سياقٍ مُختلف، صنّف جباعي كل الوعود التي كانت تأتي من قوىً سياسية بخفض سعر الصرف بخانة الهرطقة السياسية والكلام الفارغ والوعود الكاذبة، وبعيدة كل البعد عن الملف الاقتصادي والنقدي.
ورأى أنَّ “مشكلة لبنان اليوم تحتاج إلى تغيير نمط العقلية المتحكمة بالوضع الاقتصادي، لأن من يريد فعلًا مصلحة لبنان من هؤلاء الأفرقاء، فليضع يده بيد محور المقاومة لاستخراج النفط والغاز من البحر مما ينعكس إيجابيًا على الوضع الاقتصادي والنقدي والمالي في لبنان، أو على الأقل لحاول البعض أن يستغل علاقاته مع السعودية والولايات المتحدة الأميركية لمصلحة لبنان، وعدم العمل إلا لمصلحة لبنان”.
وشدَّد جباعي خلال حديثه لـ”العهد” على أنَّه “اليوم انفضح كذبهم، وما نعيشه اليوم نتيجة الحصار الأميركي – السعودي على لبنان والسياسات المالية والنقدية الخاطئة”، مبينًا أنَّه “إذا لم يعالج الأمر بشكل سريع اليوم من المعنيين فنحن أمام نفق مظلم لا تُرى نهايته”.