د. محمود جباعي / العهد
بعد انتهاء استحقاق الانتخابات النيابية عاد الوضع النقدي ليتصدر المشهد بشكل سريع مع الارتفاع الصاروخي بسعر صرف الدولار مقابل الليرة اللبنانية حيث تخطى سعر الدولار الواحد حاجز 31 الف ليرة لبنانية مما أرخى بظلاله على كل الأوضاع المتأزمة الأخرى من بنزين ومازوت وطحين ومواد استهلاكية. حالة من الفوضى عمّت السوق في التسعير رافقتها عمليات اقفال للعديد من محطات البنزين والافران والمحلات التجارية.
وبشكل متصل، أعلن المصرف المركزي أن العمل في التعميم 161 سوف يستمر حتى نهاية شهر تموز من العام الحالي وهو قابل للتجديد، علمًا أن ارتفاع الدولار حصل قبل اعلان المركزي أنه سوف يوقف العمل بهذا التعميم مما يفسر أن مفاعيل التعميم والعمل على منصة صيرفة أصبحت غير مؤثرة بشكل كبير على حركة بيع وشراء الدولار من السوق الموازية بسبب شح عمليات ضخ الدولار للشركات والأفراد على حد سواء مما أفرغ التعميم من مضمونه المرتبط بضبط ولجم حركة السوق النقدي كما حصل في بداية انطلاقه عندما استطاعت منصة صيرفة السيطرة على الاسواق ونجحت بتقليل الهوة بين سعرها اليومي وسعر الدولار في السوق السوداء. ففي كل الفترة الأخيرة، اقتصر عمل التعميم على دفع رواتب الموظفين أو السحوبات الشهرية للمودعين وفقًا لسعر منصة صيرفة وهذا الأمر بالتأكيد يعتبر غير كافٍ للسيطرة من جديد على حركة الأسواق النقدية في البلاد.
العوامل الأساسية للارتفاع السريع
من المعلوم أن أزمة الدولار في لبنان ليست بالجديدة لذلك ارتفاع سعر صرف الدولار الأخير هو أمر متوقع وفقًا لكل المؤشرات الاقتصادية والمالية والنقدية التي طال شرحها في كل الفترات الماضية مما خلق حالة من الترقب الحذر لدى جميع العاملين في الأسواق النقدية والتجارية والمالية وهذا ما يفسر حجم الطلب الكبير على الدولار في الفترة الأخيرة من السوق الموازية خوفًا من حصول ارتفاع كبير وصاروخي للدولار. كذلك لم يلتزم المصرف المركزي والمصارف التجارية بدفع مستحقات الشركات والافراد الذين حجزوا مبالغ على منصة صيرفة حيث إن العديد من هذه الأموال كان قد أودع في المصارف لصرفها على منصة صيرفة منذ حوالي الشهر تقريبًا، وهذا الأمر دفع العديد من التجار والأفراد الى سحب هذه المبالغ في الليرة اللبنانية والذهاب بها مباشرة الى السوق السوداء من أجل تحويلها الى الدولار مما خلق مزيدًا من الضغط على الليرة اللبنانية وساهم في ارتفاع سعر صرف الدولار.
أما من الناحية السياسية، فتبدو الصورة قاتمة وضبابية بشكل كبير بعد صدور نتائج الانتخابات النيابية مع توقع حصول خلافات على تشكيل الحكومة الجديدة مما قد يؤخر تأليفها لفترة ليست بالقصيرة وبالتالي سيؤخر البت بخطة التعافي المالي والاقتصادي والقيام بالاصلاحات المطلوبة من قبل صندوق النقد الدولي لاتمام المرحلة النهائية قبل حصول لبنان على أي دعم مالي. كل هذا أدى الى فقدان الثقة في الأسواق النقدية التي تتأثر بالتجاذبات السياسية.
خلاصة وتحليل
الواضح أن اتجاه الدولار ما زال على حاله منذ بداية الازمة المالية والاقتصادية حيث يأخذ دائمًا منحى تصاعديًا بسبب غياب أي حل بنيوي ومستدام للازمات المختلفة. بناء عليه وجب اليوم على كل القوى السياسية التي اختارها الشعب لتمثيله أن تدع كل الخلافات السياسية جانبًا وتعمل سويًا وبشكل فوري على تسريع انجاز الاستحقاقات المطلوبة منها سواء في المجلس النيابي أو في تشكيل حكومة سريعًا من أجل اعطاء نوع من الثقة للاسواق مع البدء الفوري للعمل على تنفيذ الاصلاحات البنيوية على كافة الصعد الاقتصادية والمالية والنقدية والا سنذهب الى سعر صرف دولار كارثي مقابل الليرة مما سيخلف دمارًا اجتماعيًا أخطر بكثير مما نحن عليه اليوم.