هذا العامل لا يشبه أحدًا من المسؤولين! د. محمّد حمّود.

هذا العامل لا يشبه أحدًا من المسؤولين! د. محمّد حمّود.
أتمنّى من القلب لو يُصبح المسؤول أو النائب أو الوزير عاملًا حقيقيًّا ليوم واحد! واحد فقط! أتمنّى لو يرتدي المسؤول بزّة العامل على باب المدرسة أو المستشفى، أو يحرس حرجًا هنا أو يستصلح أرضًا هناك. أتمنّى من القلب أن يحمل المسؤول( العامل) مكنسته، أو يصعد في سيارة جمع النفايات التي ينتجها المواطن لا العامل، ويعيش تلك اللحظات المرعبة بين الروائح الكريهة والمخاطر والأوبئة! أتمنّى لو يصبح المسؤول عاملًا ليوم واحد، وبعدها: فليتزيّا بأناقته المعهودة، وبزّته وربطة عنقه، ويضع العطر الباريسي المهدى إليه، أو الذي اشترته له المدام( في عيد العمّال) بوصفه عاملًا برتبة نائب او وزير أو مسؤول…! وليتقن تسريحة الشعر ورصّ الحواجب والرموش والرتوش وتعبئة الخدوش في وجهه وتنعيم اللحية، جزعًا على العامل قبل إلقاء موعظته السنويّة! فحين يصرّح (المسؤول) العامل في عيده فإنّه:

سيحكي حقيقة وجع العامل ونزْف عمره، وسيحكي حقيقة بؤس العامل وغصّة جوعه، سيحكي أنّة أطفاله وشكاية جدران منزله الآيل للسقوط، سيحكي باسم راتبه الهزيل، وكرامته المهدورة من أعلى المنابر ، وربّما سيحكي كيف يتسوّل على اسمه وصورته ودمعته المسؤولون! سيحكي باسم فتات الخبز في البيوت، وبقايا الملابس البالية التي تُهدى إليه مرّة في العام أو الجديدة شبه المنسيّة في المحال التجاريّة! سيحكي المسؤول المتقمّص وجه العامل كيف يستثمر أصحاب البذخ بساطة العامل، ولغة العامل، وصوت العامل، وكيف أنّ الورود التي يزرعها ويرويها ويقلّمها العامل، وحين تصبح لوحة جميلة، يقوم المسؤول بأخذ صورة شخصيّة له وللمدام وأهل حاشيته، ليعلنها إنجازًا هامًّا للبيئة والطبيعة والوطن! وسيحكي كيف أنّ الطرقات النظيفة هي من فعل يديه وعقله وفكره وجيبه المثقوب من أجل العامل…!
كم أتمنّى لو يبقى هذا المسؤول العامل، عاملًا حقيقيّا طوال العام، فحينها: سيغدو العامل من أثرياء القوم، وسيجلس على المقعد الأماميّ في الاحتفالات وتُوضع له على الكرسي كلمة ( محجوز) بالخطّ الاسود العريض! وسيُسحب من يديه الناعمتين في الأتراح والأتراح من بين مرافقيه ليجلس قربه (المتنفّذون )، ويلقي عليه التحية الواقفون في وجه كاميرات المواقع الالكترونية!
حبّذا لو يُدرك المسؤولون أنّ أحجامهم الحقيقيّة تُقاس بالعامل الذي: يأكل حلال كسرة الخبز بشهيّة من عرق جبينه! ولا يتقن فنّ سكرة كاس عرق العيد التي يكسرها المسؤولون بعد انتهاء الخطاب، ولا ضجيج الأضواء الحبلى بالقصائد وقالب الحلوى وعلب العصائر الكرتونيّة والمظاريف البيضاء الصغيرة التي تعطى لمرّة واحدة تحت مقتضى الصورة والضرورة للأرشيف وحسب! فالعامل يستحقّ أن يكون عظيمًا كما هو في كلّ يوم! ولْندَعِ الأعياد للمسؤول في عيد المسؤول في كلّ عام! وكلّ يوم والعمّال بألف خير لا في كلّ عام! د. محمّد حمّود