ما بين جعجع والشيعة.. أكثر من دعوة

ما بين جعجع والشيعة.. أكثر من دعوة

ليلى عماشا

يصرّ سمير جعجع على التورّط أكثر في بشاعة الخطاب التحريضيّ، وإن بسطحية وبانكشاف يشي بالإفلاس التام؛ فالمفلس أكثر الناس مقدرة على قول أيّ شيء فقط لأن “الحكي ما عليه جمرك”.

خاطب الجعجع بالأمس “الشيعة”. نعم، الشيعة الذين تباهى بقتلهم غدرًا على الطيّونة؛ فالانتخابات تحتّم عليه محاولة استجرار الأصوات بكلّ الطرق، ولأنّ التفرقة المذهبية والطائفية صنعته التي شبّ وشاب عليها، كان لا بدّ له أن يخاطب الشيعة، منصّبًا نفسه آلة فرز بينهم، فصنّفهم بين “لبنانيين أقحاح” وبين غير لبنانيين، ربّما ليستعيد برهة شغفه بالفرز على الهويّات عند حواجز الخطف والقتل والتنكيل.

ولم ينسَ أن يدعو الأقحاح إلى التحرّر من “القبضة الإيرانية” ليكون لهم دور في بناء المستقبل. لم يكتفِ بالفرز، بل وضع شرطًا أيضًا، كي يُسمح لمن يوافقون عليه بالمشاركة في بناء مستقبل البلد. “اي والله”، قال ذلك بثقة من تورّمت أناه حدّ منح نفسه حق الفرز ووضع المعايير والشروط لاختيار المشاركين في بناء المستقبل، ويبدو أنه اختلطت عليه الأمور، فالمستقبل حتمًا ليس قصره في معراب كي يختار بنفسه مهندسي ديكوراته والعاملين في بناء أقسام مستحدثة فيه.
 الشرط هو التحرّر من القبضة الإيرانية، على حدّ تعبيره. ويعني ذلك، ممّا يعنيه، أنّ لبنانيّة الشيعة مقترنة بالعداء للجمهورية الإسلامية وبالالتحاق بالرّكب الأمريكي، المسمى في لغة اليوم “الحضن العربي”، وفي التسمية إساءة مشهودة للعروبة، تمامًا كما أساء إليها دهرٌ تمكّن فيه سمير جعجع من المحاضرة بها والدعوة إليها، والعبارة بالنسبة إليه وأمثاله ليست سوى تعبير مجازي عن الذيليّة والأمركة.

وفي إطار ربطه للبنانية الناس بشروط تناسب تموضعه، جاء على ذكر آية الله السيّد محمّد حسين فضل الله والإمام المغيّب السيّد موسى الصدر وآية الله الشيخ محمد مهدي شمس الدّين، مقرًّا بلبنانيتهم ومسقطها عن سواهم، متناسيًا أنّهم في عليائهم كما في حياتهم كأنوا آباء المقاومة وأحبّة مجاهديها، وأنّهم عمامات مشرّفة تأبى أن يرد ذكرها على لسان من تباهى يومًا بالبزة العسكرية “الإسرائيلية”، وحاشاهم أن يشهد لهم مثله، أو أن يمنحهم صكًّا بالانتماء إلى البلد، كما وحاشا لشيعتهم أن يرتضوا بجعجع حكَمًا يقرّ بوطنيّتهم.

إن كان هذا الطامح إلى المستحيل عارفًا بسطحية طرحه وبانعدام آماله في شقّ وحدة الحال “الشيعية” ونطق بما نطق، فقد وضع نفسه معتادًا في قبو الإفلاس الذي يدفعه لقول أيّ كلام فقط لملء الخواء في وقته ومشاريعه. وإن كان مقتنعًا أنّ هذا الكلام يدنيه من حلم الأميركيين بالفتنة، فالعتب على مساعديه ومستشاريه الذين تركوه يجاهر بجهله وبجهلهم، فتحوّل إلى أضحوكة “الشيعة” طيلة الليلة الماضية.

يا جعجع، ما بينك وبين الناس هنا ليس جدارًا ينبغي هدمه، ولا حاجزًا يجب تخطّيه، ولا سوء تفاهم يمكن تسويته بالتوضيح، ما بينك وبينهم هو ما بين القاتل الجبان الذي ما أظهر ندامة والقتيل القويّ الذي لملم جرحه كي لا ترتفع جدران تماس تريدها، وكي لا تُجهّز حواجز تختطف المارة عليها وتختار لهم مصيرًا على الهوية، وكي لا يستحيل البلد بركة دم تشتهي عقد التفاهمات الدموية على حوافها. من توجهت إليهم داعيًا إياهم إلى التحرّر من القبضة الإيرانية ومن أوحيت بأنهم غرباء عن البلد، هم حال واحدة تمثّل الشريحة الحرّة المحرِّرة التي هزمت معلّميك، وهم جميعًا أسياد عند حلفائهم، وقد يصعب عليك فهم المسألة ومعذور، فمن اعتاد دور الأداة وأدمن ذلّ العبودية وشبّ دمية في اليد الصهيونية وشاب ماسحًا لبلاط آل سعود، يصعب عليه فهم الفرق بين الحليف الحرّ القوي وبين الأداة المملوكة المستخدَمة الهزيلة حربًا بعد حرب.