الدولار الاسود والتقلبات الجنونية.. إلى أين؟

د.محمود جباعي
كما كان متوقعاً وفقاً لكل المعطيات والمؤشرات المالية والاقتصادية والنقدية في البلاد، عاد الدولار الاسود الى التحليق مجدداً في السوق التي يطلق عليها بالسوق الموازية، علماً أنها اصبحت السوق المتحكمة بلعبة الدولار وتسعيره، وبالتالي تحديد الانعكاسات المترتبة عليه من ارتفاعات متتالية في اسعار السلع الاستهلاكية والخدمات المتنوعة، وبالتبعية التأثير المباشر على معدلات التضخم المالي وارتفاعها الجنوني.

منذ بداية العمل بالتعميم 161 الاخير الذي ساهم بضبط الدولار بشكل كبير لفترة 3 اشهر تقريباً، حذر معظم خبراء المال والاقتصاد بان هذا التعميم لن يستمر طويلاً، والسبب عدم قدرة المصرف المركزي على الاستمرار في ضخ الدولارات لفترة تزيد عن 3 اشهر او 4 اشهر بالحد الاقصى، علماً ان هذا الاجراء هو غير فاعل من الناحية النقدية، فهو لا يدفع الدولارات في المكان الصحيح، بل يساهم في اهدارها كما فعلت الاجراءات السابقة في موضوع الدعم وغيره، حيث كانت جميعها من دون اي جدوى مالية ونقدية تؤسس الى وضع اطر فاعلة لمعالجة ازمة الدولار بشكل بنيوي وطبعاً يعود مرد ذلك الى عدم وجود نية واضحة لدى المسؤولين على معالجة هذه الازمة نظراً لما يحققه ارتفاع سعر الدولار من مكاسب لدى القوى نفسها في موضوع تحميل الخسائر للمودعين والمواطنين.

من الاسباب التقنية لارتفاع سعر الدولار مؤخراً:

1- اهدار المصرف المركزي لحوالي 2 مليار دولار على منصة صيرفة، من دون فائدة عملية تذكر حيث استفاد من هذا المبلغ المصارف والتجار الكبار فقط ولم يستفد منه اي من المودعين.

2- التخبط الواضح في خطة الحكومة اللبنانية للتعافي الاقتصادي والمالي، حيث تسعى الى شطب 60 مليار دولار من ودائع اللبنانيين في المصارف بشكل واضح، مما خلق حالة من التخوف لدى الجمهور أدت الى ارتفاع طلبهم على الدولار من اجل حماية قدرتهم الشرائية.

3- عدم الاتفاق الى الان على اقرار قانون “كابيتال كونترول” يحمي ويحفظ حقوق المودعين، فكل المطروح اليوم هو قانون يهدف الى تحميل المودعين كل الخسائر، وهو ما ادى الى اسقاطه في المجلس النيابي مجدداً.

4- الارتفاع الكبير في سعر منصة صيرفة الذي وصل رسمياً الى 23 الف ليرة للدولار الواحد والى حدود 23600 ليرة بعد احتساب عمولة المصرف.

5- تحريك ملف الدعاوى القضائية داخلياً وخارجياً بحق حاكم مصرف لبنان وشقيقه، مما جعل من الدولار ورقة ضغط سياسية ساهمة في تحريك المضاربين في السوق السوداء من اجل الضغط على الليرة كوسيلة لتوجيه رسائل محددة.

خلاصة وتحليل

الواضح كما كان متوقعاً ان سعر صرف الدولار سوف يعاود الارتفاع، وهو ما حصل حيث وصل يوم امس الى حدود 29 الف ليرة للدولار الواحد قبل ان يتراجع مساءً الى حدود 27600 ليرة للدولار الواحد، وهو ما يؤكد اننا عدنا الى مرحلة التفلت النقدي والتقلب الكبير في سعر الصرف بشكل يومي، لذلك يجب تقديم نصيحة لحاملي الدولار بالانتباه الى اموالهم عبر صرف حاجاتهم اليومية فقط دون الدخول في لعبة المضاربة التي قد تؤدي الى خسارة جزء كبير من قيمة اموالهم، علماً ان اي إجراء يقوم به المصرف المركزي لا يتصف بالديمومة، لان الهدف الوحيد من التدخل يكون دائماً من اجل تقطيع الوقت حتى تمرير استحقاق الانتخابات النيابية على ابعد تقدير، طالما لم يحصل اي اصلاح اقتصادي بنيوي يبدأ من اصلاح مشكلة الكهرباء مروراً بتفعيل الاقتصاد المنتج من اجل تخفيف الحاجة الى الاستيراد وصولاً الى اعادة هيكلة ورسملة القطاع المصرفي من اجل تسيير العملية النقدية بشكلها المنطقي والصحيح.