المستشفيات الخاصة: نحو الإضراب العام.. والمصارف مفلسة!

يمنى المقداد / العهد

لا يخفى على أحد احتجاز المصارف لأموال المودعين من لبنانيين وسواهم منذ العام 2019، ما أثّر سلبًا على مختلف القطاعات، فالمودع ليس فردًا فحسب، بل قد يكون شركة أو مؤسسة، كالمستشفيات الخاصة التي أطلقت صرختها مؤخرًا بوجه القطاع المصرفي.

في التفاصيل، أعلنت نقابة أصحاب المستشفيات الخاصة في لبنان، في بيان لها الثلاثاء (15 آذار)، أنه اعتبارًا من 1 نيسان المقبل سوف تضطر مكرهة إلى تكليف جميع موظفي المصارف ومصرف لبنان ومن هم على عاتقهم، بتسديد فواتيرهم عند أي دخول للاستشفاء أو لخدمات خارجية وذلك نقدًا بالدولار أو ما يوازيه بالليرة اللبنانية وفق سعر الصرف في السوق(…)، مع مراعاة الحالات الحرجة التي يمكن أن تشكل خطرًا على حياة المريض، وذلك ردًا على ما تفرضه المصارف من قيود على موظفي المستشفيات تطاول أجورهم.

وفق البيان تعاني المستشفيات الخاصة من صعوبات مالية ولا سيما لجهة تأمين الأموال النقدية (…) ومعظم مقبوضاتها تتم بواسطة الشيكات أو الحوالات المصرفية، فيما لا تغطّي الأموال النقدية التي تدخل المستشفيات سوى جزء بسيط جداً من حاجاتها النقدية(…)، “وفي ظل هذا الواقع اتخذت المصارف قراراً بعدم تسديد أجور موظفي المستشفيات الموطنة لديها وفرضت على المستشفيات تأمين الأموال النقدية اللازمة بأكملها أو بمعظمها كي تسدد هذه الأجور ضمن سقوف السحب التي يحددها كل مصرف”.

يشار إلى أنّ الادعاء العام اللبناني حظر السفر مؤخرًا على رؤساء مجالس إدارة خمسة مصارف لبنانية، وفي وقت تشكو فيه المصارف اليوم من أزمة سيولة، بلغت قيمة ودائعها الإجمالية قبل عام من بدء الأزمة عام 2019 ووفق تقديرات رسمية أكثر من 150 مليار دولار.

هارون: المسؤول عن قرار النقابة هو إدارة مصرف لبنان والمصارف

نقيب أصحاب المستشفيات الخاصة الدكتور سليمان هارون قال لموقع “العهد” الإخباري إنّ كلّ المستشفيات الخاصة معنية بقرار النقابة، لافتًا إلى أنّ المشكلة هي رفض المصارف دفع رواتب موظفي المستشفيات “الموطّنة” فيها ومن حساب هذه المستشفيات، وتبريرها أنّ مصرف لبنان يضع قيودًا على السيولة، وأن ليس لديهم السيولة الكافية، فيما يقول مصرف لبنان -وفق هارون- إنّ المصارف يفترض أن تؤمن الأموال النقدية لزبائنها وإنّه يمكنها ذلك من خلال تحويل الدولارات إلى الليرة اللبنانية فتصبح لديها سيولة كافية.

وحول ما إذا كان ما يحدث حصيلة خلاف مالي وقضائي بين المركزي وجمعية المصارف، أكّد أن لا شأن للنقابة بين مصرف لبنان والمصارف ولا نعلم من يقول الحقيقة، فهم يتقاذفون المسؤولية ولكن النتيجة أنّ موظف المستشفى لا يقبض راتبه نهاية الشهر، وهذا ليس مسموحًا ولا نقبل به.

هناك من يرى أنّ لا ذنب لموظفي المصرف المركزي والمصارف وكذلك موظفي المستشفيات بسبب قرارات إداراتهم، يوضح هارون هذه النقطة، معتبرا أنّ المسؤول عن قرار النقابة هو إدارات هذه المصارف وإدارة مصرف لبنان، وبالتالي يفترض أن يتوجّه الموظفون لإداراتهم لحلّ هذه المشكلة، كما أنّه من حق موظف المستشفى أن يقبض راتبه آخر الشهر، على أنّ مطالب المستشفيات الخاصة من المصارف ومصرف لبنان تقتصر -كما يقول هارون- على دفع أجور موظفيها، فهذا خط أحمر ولا يمكن التلاعب بلقمة عيشهم “ونحن مستعدون لاتخاذ أي إجراء كي يتحقّق هذا الأمر”.

هل يمكن أن تتفاقم الأزمة نتيجة هذا التصعيد أم أن ضغط المستشفيات سيأتي بنتيجة؟

يتابع هارون أنّه “نتيجة القرار الذي اتخذناه لسنا متوقعين أيّ شي، ولا نعرف ماذا سيحدث، ولكن سنستمر بالتصعيد بشتى الوسائل المتاحة حتى يقبض موظفونا أجورهم”، وأمل أن تكون هناك ردّة فعل إيجابية من المصارف ومصرف لبنان لحل هذا الإشكال قبل نهاية الشهر. وأضاف “نحن في هذه المشكلة منذ عدّة أسابيع ونقوم باتصالاتنا ولم نتّخذ هذا القرار بين ليلة وضحاها وسبق وأرسلنا كتبًا إلى حاكم مصرف لبنان وحصلت اجتماعات ومفاوضات مع عدة مصارف، كما وضعنا وزير الصحة بصورة أن المصارف لا تؤمن المبالغ النقدية اللازمة للمستشفيات، وقد تدخل الأخير لدى حاكم مصرف لبنان كي تؤمن المصارف ذلك، ولكن لم ينتج أيّ شيء عن كلّ هذه التحركات التي قمنا بها وأجبرنا أن نأخذ هذا الإجراء”. وأكّد بعد سؤاله عن طبيعة الخطوات التصعيدية التي يمكن اللجوء إليها أنّ الأمر مفتوح “ويمكن أن نصل الى الإضراب العام في المستشفيات الخاصة، وليتوجّه المرضى إلى المستشفيات الحكومية”.

أزمة لبنان في سعر الصرف

ما الذي فجّر الأزمة اليوم بين المركزي والمصارف علمًا أن الطرفين كانا دومًا وجهين لعملة واحدة؟ وما دلالة هذا الاختلاف اليوم؟

فيما يعيد بعض المحللين الاقتصاديين خلفية أزمة المستشفيات وقبلها السوبرماركت إلى مشاكل مالية وقضائية بين مصرف لبنان والمصارف، تفضّل المتخصصة في الاقتصاد النقدي في البلدان المدولرة  الدكتورة  ليال منصور، في حديثها لموقع “العهد” الإخباري أن تبتعد عن هذا النوع من التحليلات، وتتحدث من منظور علمي بحت، مشدّدة على أنّنا في أزمة سعر الصرف، وأنّ كل ما يحصل من مشاكل واعتصامات وإقفال بنوك وسواها يدور حول ذلك، لافتة إلى أنّه حتّى التعدد في سعر الصرف وكلّ المراسيم الصادرة عن مصرف لبنان لا تعتبر مشكلة علميًا واقتصاديًا، فالمشكلة هي في سعر الصرف ونتجت عن دولرة المصارف والبلد وكلّ ما يحدث هو عوارض لها.

وفق منصور فقد بدأت الأزمة منذ سنتين ونصف ولم تحل ولم يصدر -حتى الآن- عن مصرف لبنان والمصارف قرار واحد لصالح اقتصاد هذا البلد، كي نحقق النمو ونبدأ باصلاحات ويتحسن الوضع، وترى أنّ أيّ اقتراح حل يبدأ من العوارض هو اقتراح خاطىء كحلّ مشكلة البطاقة في السوبرماركت أو قبول المرضى في المستشفيات، فالحلّ لا يحصل الا من جذوره، لذا يجب تغيير نظام سعر الصرف في لبنان.

بالنسبة للمودعين رأت أنّهم يمكن أن يخسروا أموالهم، وبأحسن الأحوال يمكن أن يتم إعطاؤهم نسبة معينة ولكن بعد سنوات طوال، موضحة أنّ البروتوكول يقول بتحويل الودائع من الدولار إلى الليرة اللبنانية، من دون تحديد النسبة هل 100% من الودائع أم نصفها أو ربعها؟

بين مؤيّد للمصارف ومعارض للمستشفيات وبالعكس، وبين قانونية قرار النقابة من عدمه، يبقى الأهم من هذا الجدل العقيم هو تثبيت سعر الصرف الحلّ القديم – الجديد، تقليصا لعوارض الأزمة النقدية التي بدأت بالظهور تباعا  بدءا من قرار المتاجر والسوبرماركت بحصر قبول المدفوعات إما نقدًا 100 % أو 50% نقدًا على الأقل، وصولًا إلى أزمة موظفي المستشفيات، ومن ثمّ استشفاء موظّفي المصارف، والحبل عالجرّار.

وما إعلان جمعية المصارف الإضراب التحذيري يومي الإثنين والثلاثاء، والضغط لإقرار قانون الكابيتال كونترول والتهديد بالتصعيد، إلا تأكيد المؤكد وهو أنّ المواطن وحده من يدفع ثمن “تآمر” المركزي والمصارف، والذي تحوّل”كباشا” اليوم!