فاطمة سلامة / العهد
يتلقى محامون وقانونيون اتصالات بالجملة من مودعين يستفسرون عن إمكانية رفع دعاوى قضائية على المصارف. هؤلاء يجدون في القضاء متنفّسًا أخيرًا عسى ولعلّ يتمكنون من استرداد جزء من ودائعهم الممنوعة من الصرف. إلا أنّ المصارف المغطاة سياسيًا تتمرّد اليوم على القضاء وقرارته، فتمعن في إذلال الناس واحتجاز شقاء عمرهم. حتى الحالات الإنسانية تُصر المصارف على تجاهلها وهي التي جنت مليارات الدولارات على مدى سنوات خلت.
وقد بلغت “وقاحة” المصارف في الفترة الأخيرة حدًا غير معقول. لم تستحوذ فقط على أموال المودعين، بل تجرأت على القضاء. اتهمت الأخير بإصدار قرارات غير قانونية، وكأنّ الادعاءات الحاصلة بلا سند قانوني، وكأنّ شيئًا لم يكن على مدى أكثر من عامين من احتيال وتقنين لأموال المودعين وبدع لا تمت للقانون بصلة وكُله طبعًا بتغطية واضحة من حاكم مصرف لبنان رياض سلامة.
ولعلّ أكثر ما يثير الغرابة هو ما قيل عن تلويح هذه المصارف بالإقفال المفتوح لمواجهة القضاء وترهيب المودعين وثنيهم عن مواصلة الطريق القضائي للوصول الى حقوقهم خاصة بعد القرارات القضائية الأخيرة سواء تلك التي أصدرتها المدعية العامة في جبل لبنان القاضية غادة عون أو تلك التي صدرت عن القاضيتين مريانا عناني ورولا عبد الله لتبلُغ المعركة هذه المرّة منحًى جديدًا من التصعيد وفق ما تقول مصادر قضائية لموقع “العهد” الإخباري لدى سؤالها عما اذا كان القضاء سيُكمل هذه المرة بمعركته في وجه المصارف حتى النهاية.
عون بصدد إصدار قرارات جديدة
وفق المصادر، فإنّ القاضية عون بصدد إصدار قرارات جديدة من منع سفر وإشارة منع تصرف بحق مصارف جديدة لتكُر السُّبحة على كل من سطا بغير حق على أموال المودعين. تمامًا كما أنها بصدد القيام بخطوات جديدة بملف حاكم مصرف لبنان بعدما عملت على تصنيف الدعاوى وفقًا لثلاثة ملفات: “ملف الإثراء غير المشروع، القروض التي أعطاها للمصارف، والتزوير في سجلات المصرف المركزي”، وفق ما توضح المصادر التي تلفت الى أنّ القاضية عون ستستمر بملاحقة سلامة خصوصًا أنّ مذكرة الاستدعاء بحقه لا تزال مفتوحة. كما أنها من المفترض أن تستمع اليوم الخميس لرجا شقيق حاكم البنك المركزي ومساعدته ماريانا الحويك للتحقيق معهما بتهمة الإثراء غير المشروع.
دعاوى قضائية كثيرة رُفعت على المصارف
ولدى حديثها عن تجاوزات المصارف التي يحميها ويغطيها سلامة، تتحير المصادر القضائية من أين تبدأ، فذلك “الكارتيل” أكل “البيضة وقشرتها” ولا يزال. ذلك “الكارتيل” استفاد من أموال المودعين “الفريش دولار” في عز الأزمة لتشغيلها وتجييرها لحساباتهم، كما استفاد سابقًا من الهندسات المالية ليتحمّل المودعون الخسارة الكبرى. وهنا تؤكّد المصادر أنّ دعاوى قضائية كثيرة رُفعت على المصارف من قبل المودعين -سواء دعاوى إفلاس أو حجز- وهذا حق مكتسب لهذه الفئة التي ذهب تعبها هباء.
وتلفت المصادر الى أنّ أمام القاضية عون دعويين تطالبان بإعلان إفلاس المصارف قد تلجأ الى تنفيذهما. ماذا يعني ذلك؟ يعني -وفق المصادر- أنه في حال أصرّ البنك على عدم الدفع يُعلن إفلاسه، وعندئذ بدل أن يستأثر مجلس إدارة المصارف بالأموال والموجودات تُعلن تصفية المصرف وتوزع الأموال للمودعين الذين يحصلون على جزء من ودائعهم أكثر مما يحصلون عليه اليوم. وهنا تدحض المصادر نظرية يُروج لها أنّه اذا أُعلن إفلاس البنك ستتبخّر أموال المودعين وسيخسرونها. هذا الادعاء الذي تروّج له المنظومة المصرفية ليس صحيحًا. على العكس من ذلك، فإنّ الحجز على الأملاك سيُعيد للمودعين جزءًا مهمًا من أموالهم بدل أن يستأثر أصحاب المصارف بالأموال. وهنا تشير المصادر الى أنّ “أوركسترا” المصارف تعمل على تخويف المودع من هذه الخطوة لثنيه عن رفع دعاوى أمام القضاء لتحميل الخسائر للمودع وحده، ليتنعم رؤساء وأعضاء مجالس الإدارة بالأموال بعد أن باتت أحوالهم “تمام”.
وتلفت المصادر الى أنّ دعوى إفلاس المصرف تُقدّم أمام المحكمة، كما أنّ بإمكان المدعية العامة إعلان إفلاس أي مصرف بعد أن تدعّي عليه بجرم الافلاس التقصيري، لتطلب المحكمة المدنية تبعًا لهذا القرار تصفية أموال البنك ليأخذ المودعون أموالهم.
وحول ما يُشاع عن إقفال مفتوح قد تلجأ اليه المصارف، تقول المصادر القضائية : “لا يهُم، فلتلجأ الى الاقفال المفتوح، المصارف هي من تخسر بعد توقف عملياتها”. وفق المصادر، لا بد من حل. المصارف تسير على خطة لعدم إعطاء المودعين أموالهم، فيما بإمكاننا اليوم توزيع الخسائر بعدما تبيّن أنّ المصارف تملك سيولة نقدية في الخارج لا تقل عن 6 مليارات دولار جراء الأرباح الكبيرة التي جنتها. وفق المصادر، لنا في ذمة المصارف الكثير من الأموال، وبدل أن يرجو لبنان صندوق النقد الدولي للحصول على مليار دولار، بإمكانه استرداد القروض التي أعطاها للمصارف والتي بلغت نحو 8 مليارات دولار. بنك عودة وحده اقترض ملياري دولار عام 2019 من مصرف لبنان، واستثمرها في الخارج وكله من أموال المودعين.
وعليه لا بد أن تتحمّل المصارف الخسائر -تقول المصادر- فلا حل اليوم الا في القضاء لأن الدولة حاليًا غير مهتمة. وهنا تشدّد المصادر القضائية على أنه في حال لم تتجاوب المصارف، ولم توزع البنوك الخسائر فإنّ دعاوى إعلان الإفلاس هي الحل.
مغنية: لن نسمع بكف يد القضاء وسنذهب الى خطوات لم تحصل من قبل
رئيس جمعية المودعين حسن مغنية يُرحّب في حديث لموقعنا بأي قرار قضائي يصب في مصلحة المودع وينصفه كيفما كان. لكن السؤال الأساسي برأي مغنية: هل الحل بأكمله يكون في القضاء؟ بالتأكيد لا، يُجيب مغنية على قاعدة أنّه “اذا حكم القضاء لكل المودعين بأخذ أموالهم، فحقوق المودعين تبلغ 104 مليار دولار وموجودات المصارف حوالى 12 مليار دولار أي ما نسبته 10 بالمئة مما هو مطلوب. وهنا يطالب مغنية بضرورة إنصاف الحالات الانسانية بشتى أنواعها.
ويلفت مغنية الى ما جرى أمس في قضية “فرنسبك”، حيث كان الموظفون يعدون الأموال بالدولار لتسليمها للمودع عياد ابراهيم، حينها دخلت محامية المصرف من آل عويدات وطلبت وقف التنفيذ وقالت :”فليكملوا الحجز وليفعلوا ما يريدون” لأن اتصالًا أتى من رئيس الحكومة نجيب ميقاتي بأن لا يتم دفع المبلغ.
وفي الختام، يشدّد مغنية على أننا كجمعية مودعين لن نسمع بكف يد القضاء ونحن نعطي انذارًا أخيرًا للمصارف، فأي محاولة لكف يد القضاء بهذه الطريقة سنذهب بموجبه الى خطوات لم تحصل من قبل وكل الخيارات مفتوحة دون استثناء لأننا نعلم أين تقع المصارف وأين يقطن أصحابها ولن نزيد في الكلام بهذا السياق.