كلمة وجدانية للشيخ محمد فياض فتوني لمناسبة عيدي المعلم والام

بسم الله الرّحمن الرّحيم..

    هي الطّبيعة في الرّبيع، قامت تكتسي ثوبًا جميلًا، وتلبسُ رداءً أخضرَ عجيبًا.. جبالٌ تراها ضاحكةَ القممِ، وأوديةٌ تفتخرُ بخضرتِها، وترتاحُ إلى خريرِ مائها، مروجٌ فيها السّنابلُ، هبَّ عليها النّسيمُ فهزَّها طربًا.

    تفتّحتْ أكمامُ الأزهارِ، وجاءَ ورد الرّبيع، وقامَ في وسط البساتين تعلو خدَّه حمرةُ الخجل، وبانَ القرنفلُ من خلال الرّياحين متلوّنًا تفوحُ رائحته الزّكيّة العطرة، والياسمين تضرّعَ إلى النّدى فرطّبهُ وتفتّحت أقماره، فرأينا مثال الطّهارة في بياض زهراته النّقيّة.

    بهذه الأجواء المبدعة جدًّا، يُشرقُ علينا الأمل والرّجاء، أمل العلم والعطاء والسّؤدد والمجد والصّفاء، يحملُ مشعل النّور ليزرع فينا الأمنيات الكبار، فيُعطي من نبعِهِ الدّافق ويهدي إلى الخير، فلا يعرف الشّرّ إلينا سبيلًا.

    نعم، هو أنتَ أيّها المعلّمُ، ونحن اليوم في عيدكَ نحتفل، عيدك الّذي يزرع الحرف في النّفوس، فيُزهر الحرف كلمات، وتُثمر الكلمات المعرفة والعلم.

    في عيدك وأنتَ منبعُ الخير ومقلع البركة، شامخ الرّأس كالأرز، فوّار العافية كالنّهر المتدفّق، ترافقُ الأجيال، فتحصد ما أثمر، وتزرع ما سوف يُثمر في المستقبل.

    فبِيَراعِكَ البليغ تَخرّج رجال الفكر والتّصميم والأدب والعلم والطّبّ.

    بعلمِكَ الواعي وصلنا إلى سطح القمر، واكتُشفت الاختراعات بشتّى أنواعها فنهضتَ بالبلاد والمجتمع إلى أعلى درجات التّمدّن والحضارة والرّقيّ.

    نعم، ونحن في عيدكَ نشربُ ولا نرتوي في عيد العظمة والكبرياء أيضًا، أنتَ الّذي وُلدت منها، في عيد من خرّجت العباقرة والجهابذة والعلماء ورجالات الفقه والدّين على السّواء..

    في عيدكِ أيّتها الأمّ العظيمة، لذا حفلَ التّاريخ بكِ ووقفَ البيان عند لفظتكِ عاجزًا، فأنتِ كريمةٌ في عليائكِ، نُعظّمكِ ونُجلّكِ ونحترمُكِ لأنّ الله قرنَ إطاعتَهُ بإطاعتِكِ، “فللّهِ إلّا رضا الوالديْن، والجنّة تحت أقدام الأمّهات”.

    نعم، في عيدكما المبارك يعيا البيان ويقف عاجزًا، والقلم متلعثمًا، نعم وألف نعم، يحتفل العالم بعيدكما الميمون.

    الموجودات كلّها لم تنعم بالنّور إلّا بواسطتكما، ولم يترعرع مخلوقٌ إلّا بين نعومات ذراعيْكما.

    نعم، لم يترعرع أيّ مخلوق إلّا بتربية معلّم، على شفتيْهِ الابتسامة الدّائمة، فيُذيب روحه وقلبه ليولد النّور في الآخرين.

    حفظكِ الله أيّتها الأمّ الشّريفة المثالية الصّالحة، وأيّها المعلّم المخلص الأبيّ المعطاء.

    حفظكما المولى عزّ وجلّ، لتبقيَا رمزًا في دنيا المحبّة، وأدامَ عقلكما النّيّر لتجودا علينا بجواهر الحنان والعطف، وفيضِ العلم في سبيلِ تثقيفِ وتربية الأجيال النّاشئة، وصقلها عبر مدرسة رسميّة عامّة كانت أم خاصّة، جنوبيّة عامليّة وبإدارة نزيهة، مدركين أنّ الإخلاص والمحبّة والعلم، فعليهم يُبنى المجتمع الفاضل وتُبنى الأمّة وتحيا الشّعوب..

               وكلّ عامٍ وأنتم بخير.. والله وليّ التّوفيق.