تحت عنوان “مافيات وأسماك قرش: مليار دولار أرباح تجار الدواء” كتب اسماعيل سكرية في جريدة الأخبار:
لم تُطبّق يوماً سياسة وطنية للدواء في لبنان، سياسة توفر الأدوية الضرورية بلا انقطاع، وبنوعية جيدة وسعر معقول. على العكس، فقد غلبت النظرة التجارية، واعتبار مادة الدواء سلعة تجارية تحقّق أرباحاً كبيرة وسريعة. بعد مراجعة أسعار الادوية وقيمة الأرباح يتبين ان أرباح شركات تجارة الادوية في لبنان خلال العام 2020 بلغت مليار دولار وقد تزيد عن ذلك خلال العام الحالي اذا استمر الوضع على ما هو عليه
انطلقت أول شركة لبنانية لاستيراد الدواء عام 1867، ثم 1897، ثم 1927، ثم 1946، و1959، فتشكّل العمود الفقري لما سمّي «الكارتيل» الذي أسميته «مافيا» في 28 أيار 1997 في مجلس النواب. مافيا بقدراتها المالية، اخترقت مواقع القرار التنفيذية منها والتشريعية، واستباحت سوق الدواء نوعيةً وتسعيراً بالتواطؤ مع وزارة الصحة، فغُيّبت المادة القانونية (قانون مزاولة مهنة الصيدلة عام 1994) المعنيّة باستحضار شهادة نوعية بلد المنشأ، وشهادة سعر بلد المنشأ، بقرارات وزارية ألغت مراسيم حكومية، وتركت نوعية الدواء، كما سعره، لألاعيب التاجر وتواطؤه مع المصنّع، مستفيداً من تغييب دور المختبر المركزي للرقابة الدوائية، ليفرض أسعار أدويته بأضعاف السعر الحقيقي.
إن خير دليل على ما حصدته “المافيا” من أرباح فائض أرباحها الشهري منذ عام 1997 حيث بلغ 362 مليون دولار، وصولاً إلى عام 2020 حين وصل مجموع كلفة الدواء في لبنان إلى ملياري دولار، لتقارب الأرباح خلال هذه السنوات 11 مليار دولار، إذا احتسبنا ضعف السعر فقط.
وقد شكّل المرسوم الاشتراعي 34/1967 الذي كرّس حصرية الاحتكار، الداعم الأساسي لقوة المافيا وهيمنتها. واستطاع التحالف الثلاثي المافيوي (التجاري – السياسي – الإداري) إسقاط جميع محاولات الإصلاح الدوائي، وأهمها:
1. تعطيل المختبر المركزي للرقابة (أُنشئ بقانون عام 1957)، وهو صمّام الأمان الدوائي، من خلال تحليل وتقييم جودة التركيب والثبات والأمان والتوافر الحيوي والتشابه الحيوي والسمة وغيرها.
2. عدم تطبيق لائحة أساس للدواء تعتمدها المؤسسات الضامنة، ولا تتعدى مئات الأصناف (فشلت تجارب أعوام 1992و1996 و2000 جميعها).
3. تعطيل القرار 1/90، الذي أتاح لكل مجاز صيدلي أن يستورد دواء أقل سعراً (بنسبة 25%) من شبيهه في السوق.
4. تعطيل أول تجربة مكننة للدواء في العالم العربي، بدأتها منظمة الصحة العالمية في لبنان عام 1989 و1996، وكانت تُعطّل فور إنجازها.
5. عدم الاهتمام بصناعة الدواء المحلية، والاكتفاء بالتشجيع الشعاراتي الموسمي الشعبويّ.
6. تجاهل الدواء الجينيريك، وهو الأرخص سعراً.
7. إدخال أدوية من دون تسجيل، بإمضاء وزير الصحة.
8. إدخال أدوية من دون تسجيل، تحت شعار البحث العلمي لمستشفيات تٌلقّب بـ «الجامعية»، وهي دون أي مواصفات أكاديمية.
أما التجارب الثلاث الأهم التي أُسقطت في مجلس النواب، فهي
– تجربة مشروع قانون النائب فريد جبران عام 1960، الهادف لإدخال الدولة شريكاً في الاستيراد
– تجربة وزير الصحة الدكتور إميل بيطار عام 1971، بتخفيض أسعار الدواء وكسر احتكار استيراده
– تجربة المكتب الوطني للدواء عام 1998 التي كانت تهدف إلى خفض فاتورة الدواء بنسبة 50%.
وكان مجلس النواب دائماً شاهد زور، ومقبرة مشاريع الدواء.
الواقع الحالي بعد انهيار العملة الوطنية
* حجب مئات الأصناف الدوائية العلاجية الهامة للأمراض المزمنة والمستعصية (السكري، السرطان، الضغط، إلخ) عن السوق اللبناني، وبيعها خارج لبنان بالدولار، بما فيها الأدوية المصنّعة محلياً والمسماة «وطنية»!
* رفع الأسعار بنسبة بلغت عشرة أضعاف وأكثر أحياناً، ما جعل الدواء كابوساً للشريحة الأكبر من اللبنانيين.
* تزايد أعداد الأدوية المتسلّلة ومجهولة التركيب.
باختصار، فقدان بعض الأدوية وغلاء سعرها يُلحق أضراراً بالصحة العامة، بالتراكم أو بشكل مباشر.
والمؤلم المخجل أن تتحول وزارة الصحة، ولجنة الصحة البرلمانية، والنقابات المعنية بالدواء، إلى مجرد «صدى» يردّد ما يصدر عن حاكم المصرف المركزي أو نقابة المستوردين من تكرار الدعم وما تبقّى من فُتات، وهو أقل بكثير من دعم بعض المواد كالبنّ مثلاً. كل هذا يؤكد تعاطي النظام اللبناني، منذ ولادته إلى اليوم، إزاء صحة الناس بما لا يليق، وبقلة إحساس واحترام.
دواء المريض متروك لإرادة «أسماك القرش» من التجار
لا يكفي ما حقّقته مافيا الدواء من أرباح بأرقام خيالية لعقود كاملة، بل ذهبت بعيداً، وتنكّرت، واستفادت من الأدوية المدعومة لتبيعها بالدولار خارج لبنان.
للاطلاع على المقال كاملاً من المصدر: اضغط هنا