حسن شريم / العهد
لم ينسحب الانخفاض الكبير الذي شهده سعر صرف الدولار على الأسعار من حولنا. أكثر من 13 ألف ليرة تراجع، إلا أنّ التدقيق بأسعار السلع والخدمات يقطع الشك باليقين. ثمّة أسعار “فالتة” من عقالها وتسعيرات مرتفعة لا تتناسب مطلقًا مع واقع الصرف الحالي. والمفارقة، أنّه كلما يرتفع سعر الصرف قليلًا، ترتفع الأسعار بالآلاف، أما عندما ينخفض بالآلاف تنخفض الأسعار -إن لم تواصل ارتفاعها- بالليرات لتعود وترتفع أكثر مع ارتفاع سعر الصرف مجدّدًا ولتصبح بمعدل خيالي لا يطاله سوى أصحاب الثروات والدخل المرتفع.
هذه “الأحجية” خبرها المواطن على مدى أكثر من عامين ولم يجد لها حلًا حتى اليوم. العين دومًا على وزارة الاقتصاد. ماذا تفعل لمواجهة جشع التجار والمستوردين؟! أسئلة بالجملة توجّه اليها، والجواب على الدوام بأنّ الوزارة تقوم بجولاتها قدر المستطاع لكن “العين بصيرة واليد قصيرة”. وفي هذا السياق، ثمّة أسئلة كثيرة تُطرح منها: لماذا لم تؤت جولات وزارة الاقتصاد أكلها خاصة بعد الانخفاض الكبير في سوق الصرف خلال الأيام الماضية؟ كم من المفترض أن تنخفض الأسعار بعد انخفاض سعر الصرف من 33 ألفًا الى نحو 20 ألفًا؟.
عجاقة: الشعب رهينة لدى كبار التجار
الخبير الاقتصادي البروفيسور جاسم عجاقة يرى في حديث لموقع “العهد” الإخباري أنّ” الهامش في انخفاض الأسعار يجب أن يكون بموازة انخفاض سعر صرف الدولار أي بمعدل 30% نسبة إلى انخفاض سعر الصرف في الآونة الأخيرة من أكثر من 30 إلى 20 ألف ليرة لبنانية.
وفي معرض حديثه، يشير عجاقة الى أنّ مؤشر الاحتكار لأي بلد من البلدان هو ليونة الأسعار، فعندما يرتفع السعر أو ينخفض نتيجة ظروف أو معطيات أو تطورات معينة فهذا دلالة أو علامة على غياب الاحتكار، أما عندما تبقى الأسعار على ما هي عليه من ارتفاع وغلاء فهذا دليل على الاحتكار وهو ما يحصل اليوم في لبنان.
ويلفت المتحدّث الى أن ما يحصل في لبنان هو احتكار من قبل كبار التجار إذ أضحى الشعب اللبناني رهينة لديهم وطبعًا بغطاءٍ من قبل أصحاب النفوذ، مؤكدًا أن المحتكرين يخالفون الأنظمة والشرائع القانونية لا سيما المرسوم الإشتراعي رقم 73/83 وقانون حماية المستهلك، وللأسف دون حسيبٍ أو رقيب.
ويضيف عجاقة أن” تلك الفئة من التجار لا تطال فئة التجار الصغار الذين يخضعون في تجاراتهم للأسعار التي يحدّدها التجار الكبار والذين يسيطرون على سقف الأسعار ويتحكمون بها”، مشددًا على أنَّ الاحتكار محمي من أصحاب النفوذ الذين بدورهم يسعون إلى منع الرقابة من الوصول إلى المحتكرين.
ويتابع عجاقة أنه” بالرّغم من قلّة عدد المراقبين لدى وزارة الاقتصاد -وهو ما يقارب الخمسين مراقبًا- إلا أن باستطاعتهم التوجه إلى بعض التجار الكبار المخالفين، كما بإمكانهم الاستعانة بجهاز أمن الدولة أو وزارة الداخلية لتوقيفهم واتخاذ التدابير القانونية اللازمة بحقهم وليكونوا عبرة لمن يعتبر، إلا أنه وللأسف فكبار التجار في لبنان وبدعم من أصحاب النفوذ يتحكمون ببعض الأجهزة الرقابية ويمنعونها من تنفيذ مهامها.
برّو: الأسعار الجنونية واحدة من أعراض “السرطان” اللبناني
من ناحيته، يرى مدير جمعية حماية المستهلك الدّكتور زهير برّو أنَّ الأسعار الجنونية هي واحدة من أعراض “السرطان” اللبناني الذي سببته طبيعة النظام الطائفي-المافيوي، وأعراض هذا المرض كثيرة أهمها: تواطؤ السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية مع المصارف وكبار التجار والهجرة والفقر وانهيار الخدمات الأساسية التي وجدت الدولة لتأمينها.
وفي حديث لموقعنا، يعتبر برّو أنَّ العلاج يبدأ من “فوق”. برأيه، ثمّة 3 أدوية طارئة تحد من ارتفاع الدولار وتشكل البديل لتركيب “طرابيش” حاكم مصرف لبنان رياض سلامة ودعم التجار والمصارف الذيين يستنزفون يوميًا ما تبقّى من أموال المودعين:
1- إقرار خطة التعافي ووقف خروج العملة الصعبة فورًا وإقرار قانون المنافسة.
2- جدولة دفع الودائع بالدولار أسبوعيًا أسوة بكل دول العالم، بدلًا من دفعها وتهريبها يوميًا للسياسيين والتجار المحظيين، وهذا سيؤدي فورًا إلى انخفاض سعر صرف الدولار مما ينعكس ارتفاعًا بالقدرة الشرائية للأجور خلال أيام.
3- دعوة المغتربين اللبنانيين للتجارة المباشرة مع المناطق والقرى والأسواق اللبنانية لتخطي احتكار عصابة تجار السياسة وعائلاتهم الذين يهيمنون على الأسواق وعلى المعابر.
وأبدى برّو استعداد جمعية المستهلك لمواكبة هذه التحولات بالتعاون مع كلّ الإرادات الصادقة في الداخل والمهجر، مضيفًا:” كفى دورانًا وتضييعًا للوقت واجترارًا للحلول الفاشلة، ولنتعلم من تجارب الشعوب الناجحة”.
وبحسب برو فإنّ :”انخفاض سعر الدولار بحوالي 32% منذ أكثر من 10 أيام هي واحدة من المحطات التي تؤكد خطورة التحالف السياسي المصرفي التجاري على مصالح أكثرية اللبنانيين، إذ لم تشهد الأسواق أي تراجع جدي في الأسعار وقد تصرّف التجار وكأن الأسعار التي حصلوا عليها من يأس الناس واستغلالهم قد أصبحت حقًا مكتسبًا لهم لا يتراجعون عنه”.
وفي ما يلي مرفق أعدته جمعية المستهلك لنتائج تطور أسعار السلع والمواد الغذائية الفصل الرابع من العام 2021
بحصلي: الأسعار انخفضت بما يتلاءم مع سعر السوق
من جهته، يتفاجأ نقيب المستوردين الأستاذ هاني بحصلي من مقولة “الأسعار لم تنخفض” ويضيف أن” الأسعار انخفضت ولكن ليس بنسبة انخفاض سعر الصرف “نسبة 30%” لأنَّ المواد الغذائية لم تُسعّر أصلًا على أساس سعر صرف الدولار عندما لامس الـ 30 والـ 33 ألف ليرة لبنانية والذي استمر لمدة “ثلاثة أيام” قبل أن ينخفض إلى ما هو عليه الآن في غضون العشرة أيام تقريبًا”.
وتابع بحصلي أنَّ” احتساب الأسعار على سعر صرف الدولار على أساس سعر “33” ألف ليرة “غير مقبول”، فالشركات والمؤسسات خفّضت أسعار منتجاتها وسلعها بما يتناسب مع سعر السوق، وهذا الأمر بحاجة إلى ثلاثة أيام كحد أدنى ليتمكن المستورد من تعديل الأسعار بما يتناسب مع سعر السوق”، ولفت إلى أن ثلة قليلة من التجار لم تخفض الأسعار كما يجب وليس كما يُشاع اليوم، وفق قوله.
ويوضح بحصلي أنّه وفي لقاء جمعه مع وزير الاقتصاد أمين سلام نهار الجمعة اتفقا خلاله على آلية معينة للجم الأسعار ومراقبتها وذلك عبر قيام بعض “السوبر ماركات” والتجار بإعطاء الوزير أسبوعيًا أسعارًا لـ 30 أو 50 سلعة أساسية واعتمادها كمقياس للتسعير مع إعطاء هامش صغير متقارب جدًا (على سبيل المثال 5000 الآف ليرة)، على أن ينشر هذا الاقتراح ويُراقب أسبوعيًا عبر الموقع الإلكتروني الرسمي للوزارة.
وشدّد بحصلي على أنَّه من الأفضل محاسبة المسؤول عن تلاعب سعر الصرف “المصرف المركزي” وليس محاسبة التجار عما هي عليه الأسعار اليوم، وأضاف” لا يمكن للمواطن إطلاق الاتهامات جزافًا، بل عليه مطالبة الجهة المعنية بتثبيت السعر الرسمي للعملة اللبنانية للعمل به في السوق كما يجب، بعيدًا عن منصات الصرف الإلكترونية التي تتحكم بالناس، ولتكن وزارة الإقتصاد هي الحكم”.
وفيما يتعلق بدور البلديات، رأى بحصلي أنه من الممكن التعاون مع البلديات في القرى والبلدات والمدن لضبط الأمور أكثر خاصة أن البلديات تمتلك سلطة رقابية، ولكن بالتعاون الوثيق مع وزارة الاقتصاد وبشرط أن يتمتع المراقب بالمواصفات القانونية والمؤهلات والكفاءات المطلوبة.
وأكّد بحصلي أنه مع المحاسبة للمخالفين والمحتكرين، لكن ضمن إطار رسمي واضح وسعر واضح وشروط قانونية وواقعية ووفقًا للأصول، وأمِلَ ألا يكون التاجر دائمًا مكسرًا للعصا لأنّ الواقع غير ما يشاع”، وفق قول بحصلي.
وزارة الاقتصاد
وفي اتصال هاتفي مع وزارة الاقتصاد -للوقوف على وجهة نظرها- تنصّل البعض من الإجابة، عازيًا الأمر لكثرة “الإنشغالات”!!.