لبنان في مرحلة التفلت النقدي السريع: الدولار الى ارتفاع قياسي جديد

د. محمود جباعي

يستمر سعر صرف الدولار مقابل الليرة اللبنانية في تقلباته المعهودة في الفترة الأخيرة، فبعد ارتفاعاته القياسية المتتالية، وصل الى حدود 34 ألف ليرة للدولار الواحد قبل أن ينخفض بشكل دراماتيكي الى حدود 28 ألف ليرة للدولار الواحد في غضون 24 ساعة، وهذا ما يؤكد أن لبنان وصل الى مرحلة التفلت النقدي السريع الذي يمكن أن يؤدي الى تغيرات كبيرة جدًا في سعر الصرف بمدة قصيرة جدًا. هذه المستجدات تجزم أن مرحلة الاستقرار النقدي الموعودة تعتبر بعيدة المنال في المرحلة القادمة، علمًا أن سوق الدولار السوداء يتحكم بها عدد كبير من المضاربين على العملة الوطنية لكل منهم مصالحه المختلفة كما ذكرنا في العديد من المقالات السابقة.

قرار المركزي الأخير ساهم في تخفيض سعر الصرف!

كما بات معلومًا، أصدر المصرف المركزي منذ أيام قرارًا مرتبطًا بالتعميم 161 يقضي بأن تقوم المصارف التجارية ببيع الدولار لأصحاب الحسابات المصرفية بالليرة اللبنانية شرط أن يتم تأمين الليرات كاش من قبل المودعين بحد أقصى يصل الى حدود 100 مليون ليرة لكل حساب على أن يتم احتساب سعر الدولار وفق سعر منصة صيرفة التي يتراوح سعرها في هذه الأيام بين 24 الف و25 الف ليرة للدولار الواحد. وبحساب بسيط يستطيع كل صاحب حساب أن يحصل تقريبًا على 4 آلاف دولار فورًا وكاش من قبل المصرف المركزي الذي تعهد بتأمين الدولارات المطلوبة من قبله الى جميع المصارف التجارية دون استثناء.

لبنان في مرحلة التفلت النقدي السريع: الدولار الى ارتفاع قياسي جديد

من الطبيعي جدًا أن يساهم هكذا إجراء في إشاعة أجواء مريحة تؤثر ايجابًا على قيمة الليرة مقابل الدولار وخاصةً أن معظم المواطنين يمتلكون حسابات مصرفية وهذا ما يساعدهم على إمكانية الحصول على دولارات بسعر أدنى من سعر السوق مما خلق حالة كبيرة من عرض الدولار للبيع بأسعار أعلى من سعر منصة صيرفة الأمر الذي ساعد على امكانية انخفاض سعر صرف الدولار بقيمة تصل الى حوالي 6 آلاف ليرة في فترة وجيزة جدًا.

نجاح الخطوة يحتاج الى الاستمرار

لا يمكن التسليم بنجاح خطوة المركزي من عدمها الى ما بعد التأكد أن المصرف المركزي يستطيع تأمين الدولارات لعدة أشهر قادمة ولكن الواقع الصريح يقول إن إمكانية تحقيق ذلك ليس متاحًا بشكل كبير، لذلك الخوف المشروع من فشل الخطوة في القريب العاجل هو الأقرب إلى الواقع وخاصةً أن معظم من سيحصل على الدولارات الفريش سوف يلجأ فورًا لبيعها في السوق السوداء من أجل تحقيق مكاسب سريعة بالليرة اللبنانية. وهذه الدولارات طبعًا ستذهب الى جيوب المضاربين الذين سوف يخزنونها من أجل بيعها بأسعار خيالية وقياسية لتحقيق أرباح كبيرة كما حصل في الفترات السابقة. وبشرح أكثر تبسيطًا، سيخرج الدولار من المصارف إلى المواطنين ومن ثم سيعود الى المكان الذي أتى منه وهو السوق الموازي الذي يعتبر المصرف المركزي أكبر المضاربين فيه على قيمة الليرة عبر شركات تحويل الأموال – الوسيط الشرعي بين المركزي والسوق السوداء وتقوم بسحب الدولارات من السوق الى خزينة مصرف لبنان. وكذلك سيصل جزء لا بأس منه ايضًا الى المضاربين الآخرين، مما ينذر ومن دون أدنى شك بحصول عملية ارتفاع كبيرة لسعر الدولار في المرحلة القادمة.

وقف طباعة الليرة هو مدخل الحل

يبلغ حجم الكتلة النقدية بالليرة اللبنانية اليوم حوالي 50 ألف مليار ليرة وهي كتلة ضخمة جدًا بالنسبة لحجم حاجات السوق الفعلية وتعتبر هذه الكتلة هي المسبب الاول للمضاربة على قيمة العملة الوطنية. لذلك وببساطة إذا لم يتوقف المصرف المركزي عن طباعة الليرة وضخها بالأسواق عبر المصارف لاطفاء الخسائر وعبر شركات تحويل الأموال من أجل سحب الدولار لا إمكانية حقيقية لحصول استقرار نقدي في البلاد لأنه لا يمكن للمركزي أن يضخ الدولار لسحب الليرة بكمية محددة من جهة وأن يقوم بضخ كميات مطبوعة بقيمة أكبر من جهة أخرى.