هل يصبح التعليم في لبنان حكرًا على الأغنياء؟

يمنى المقداد

سُحِب فتيل الأزمة التربوية بين لجان الأهل والمدارس الخاصة من التداول، ليُغلق الباب ولو مؤقتًا على احتكار التعليم الخاص في لبنان.

هذا الجدل التربوي المتعلق بقانون تنظيم الموازنة المدرسية (515/ 1996)، ليس بجديد وإن كانت حيثيته مختلفة هذه المرّة، فلطالما تذمّرت لجان الأهل من عدم شفافية موزانات المدارس ومن النسب المرتفعة للمصاريف التشغيلية وبنودها الربحيّة، فضلًا على الدور الصُوري لمعظم هذه اللجان.

 ما استجد، هو ما جرى في جلسة لجنة التربية النيابية منتصف كانون الأول الماضي، حيث اقترحت رئيسة اللجنة النائب بهية الحريري، تجميد المادة 2 من القانون المذكور، التي تضبط مسألة تحديد الأقساط المدرسية وملحقاتها، مبرّرة خطوتها بالوضع الحرج الذي سيعانيه القطاع الخاص في حال استمرت نسب الموازنة موزّعة 65% للإيرادات و35% للمصاريف التشغيلية.

حول مجريات تلك الجلسة، أشار عضو لجنة التربية النيابية النائب إدغار طرابلسي، لموقع “العهد” إلى أنّ المجتمعين تفاجأوا بطلب النائب بهية الحريري من رئيس اللجنة النيابية المشتركة إيلي الفرزلي بأن يقدّم إقتراح قانون -من خارج جدول الأعمال- كانت قدّمته سابقًا نيابة عن المدارس الخاصة يقضي بتعليق العمل بالمادة 2 من القانون 515 لعام واحد، ما لاقى اعتراضًا من قبل بعض الحاضرين الذين طلبوا نص المقترح للإطلاع عليه، فأجاب وزير التربية والتعليم العالي عباس الحلبي بأنّه غير موجود وقام بطرحه شفويًا فاعترض النواب بيار أبو عاصي، حكمت ديب وفريد البستاني، وطالبوا بمهلة أسبوع لدراسته، ولمّا لم يستجب الرئيس الفرزلي جرى التصويت، وأقر الاقتراح شفهيا، فيما أكّد طرابلسي لـ”العهد”، أنّ الموضوع انتهى وسحب من التداول.

هل يصبح التعليم في لبنان حكرًا على الأغنياء؟
عضو لجنة التربية النيابية النائب ادغار طرابلسي

طرابلسي الذي أبدى تفهمه لمطالبة المدارس الخاصة برفع العمل بالقانون 515، لعجزها عن وضع أرقام موازناتها ودفع الأجور التشغيلية التي تجاوزت 35%، صرح بأنّ هناك من أراد تعليق القانون في الجلسة بشكل دائم، ولفت إلى أنّ تطبيق المادة 2 سيتوقف في وقت ما.

وإذ أكد طرابلسي على تواصله الدوري مع لجان الأهل ونقابة المعلمين واتحاد المؤسسات التربوية الخاصة، كشف عن تخوف المعلمين والأهل من أن يكون “تفلّت” القاعدة المتبعة في هذا القانون على حسابهم، وأعرب عن تلمّسه رغبة الاتحاد بتعديل النسب، داعيًا إتحاد المدارس إلى إعداد دراسة واقعية لتحديد النسب الجديدة، والمدارس الخاصة لخفض مصاريفها وأرباحها، ومصلحة التعليم الخاص للتدقيق بالموازنات، والأهالي لمراقبة مصاريف المدارس وتفهّم التغييرات المحتملة، وعبّر كذلك عن تأييده لحفظ المدرسة الخاصة وتقديره لعملها، لا سيّما أنّها تحلّ محل الدولة وتضم ثلثي طلاب لبنان.

وفي معترك الأزمة الاقتصادية الحالية، يشكو الأهل من زيادات عشوائية تفرض عليهم خلال العام الدراسي، فيما لم يعد بمقدورهم تسديد أيّ زيادة مهما كان مقدارها، خصوصًا في المدارس التي تفرض الزيادة بالفريش دولار ضاربة بعرض الحائط كل القواعد الإنسانية والتربوية والقانونية.  

هل يصبح التعليم في لبنان حكرًا على الأغنياء؟
قحطان ماضي

وفيما لو نجح تمرير الإقتراح كما كان مقررًا، لكان فتح الباب واسعًا أمام زيادات مرعبة، علما أنّ مجرّد إقراره شفويا، وقبل أن يسحب من التداول، انطلقت حمّى الزيادات العشوائية، حيث رفعت مدرسة الليسيه قسط هذا العام نحو 200% والعام المقبل 400%، كما أشار مصدر في لجنة الأهالي في مدرسة العزم- طرابلس، لموقع “العهد” إلى أنّ اللجنة طالبت بالتدقيق بالموازنة المدرسية لهذا العام قبل عطلة الميلاد، لكن المدرسة لم تستجب لطلبها، ليتفاجأ الأهالي برسالة ترفع زيادة الأقساط إلى 50% بعد أن رفعت بداية العام 15%، وكلّ ذلك يجري من دون إطلاع أو توقيع لجنة الاهل.

وفي ظل غياب تام لدور مصلحة التعليم الخاص والتفتيش التربوي، وموت سريري لمجلس تحكيمي يتيم في جبيل، وتقاعس حكومي مزمن عن تعيين مجالس تحكيمية في المناطق، تحاول لجان الاهل في المدارس الخاصة جاهدة استعادة دورها لا سيما في ظل النكبة المادية التي تصيب البلاد.

يؤكد منسق لجان الأهل وأولياء الأمور في المدارس الخاصة قحطان ماضي في حديثه لـ”العهد”، أنّ المدارس الخاصة تفرض زيادات عشوائية من دون أيّة رقابة أو التزام بالقوانين، مشيرًا الى أنّ دور لجان الأهل مقيّد عمليًا.

وبشأن مطالبة المدراس الخاصة بتعديل القانون 515، قال ماضي إنّ تعديل النسب هو مطلب قديم لأصحاب هذه المدارس، مطالبًا إياها بتخفيض نسب أرباحها، لافتًا إلى وجوب إلغاء وتعليق بعض بنود القانون وليس تعليق المادة الثانية منه، داعيًا وزارة التربية ومصلحة التعليم الخاص والتفتيش المركزي لوضع اليد على القانون قبل إحالته إلى المجلس النيابي، ووقف المجزرة التي يمكن أن تحدث بحق الأهل الذين لن يتمكنوا من تسديد الأقساط، وسيصبح التعليم حكرًا على طبقة معينة، مشددًا على أنّ مصير عشرات آلاف الطلاب ليس لعبة، ومن يريد إقرار القانون فليدفع هو الزيادات.

وينطلق الحلّ لهذا الواقع التربوي المأزوم وفق ماضي، بموازنات تقشفية شفافة، والسماح للأهل بالتدقيق فيها، وإلغاء البنود الربحية كتعويض صاحب الرخصة والتجديد والتطوير والإستهلاكات، عندها ستتمكن المدارس من تغطية كل التكاليف، كما يمكنها تأمينها من خلال المساعدات التي تقدم لها، ولن تكون هناك حاجة  لزيادة الأقساط، ودعاها في الوقت الحالي الى تطبيق القانون 515 الذي يحافظ بالحد الأدنى على حقوق الأهل، ريثما ينظر في مسألة تعديله.

إعفاء القانون 515 من التعليق، لم يعف الأهل من التخبّط في فوضى تسعيرة الأقساط التي يعانون منها قبل الجدل الأخيرحول المادة 2، إلا أنه في المقابل يبقي على حماية مؤقتة لهم من خسارات كان يمكن لهم أن يتكبدوها في حال إقراره.

ولكن رغم تطمينات النائب طرابلسي بسحب الإقتراح من التداول، لا يزال يتخوف الأهل من اعادة تمريره نيابيًا لاحقًا في ظل وجود “كارتيلات التربية والتعليم في المجلس النيابي” الداعمة للمدارس الخاصة وفق ماضي، وحتى يتّم لم شمل العائلة التربوية والاتفاق على نسب جديدة ترضي جميع الأطراف، يفترض التعاون بين الأهل وإدارات المدارس لضمان استمرارية هذا القطاع حاليًا، فمصير آلاف الطلاب على المحك.