هبة العنان / العهد
يقف اللبنانيون اليوم على حافة الهاوية يراقبون تطبيقات تسعير دولار السوق السوداء طيلة النهار ويرجون نهاية نظام نقدي واقتصادي تجاهل أبسط الحاجات الأساسية. الارتفاع الجنوني الأخير لسعر الصرف زاد على هم المواطن همًّا آخر، فبعد أن أدّت الأزمة منذ بدايتها إلى انخفاض قدرته الشرائية والاستهلاكية ها هي اليوم تنعدم بشكل تام مع ملامسة الدولار سقف الـ30 ألف ليرة ليصبح الحد الأدنى للأجور نحو 23 دولارًا. وفي المقابل، لا تقدّم السلطات النقدية لهذا المواطن سوى حلول ترقيعية مؤقتة، تخفض الأرقام ظاهريا دون أن تحسن من أحواله المعيشية.
الفوضى التي شهدها السوق النقدي خلال اليومين الأخيرين، والتي وسّعت دائرة الفقر لتطال غالبية اللبنانيين، دفعت المعنيين (الحكومة ومصرف لبنان ووزارة المال) إلى إصدار قرارات لا تسمن ولا تغني من جوع، ظنا منهم بأنها ستلجم ارتفاع تسعير الدولار وستضبط الأوضاع المالية المتفلتة، إلا أنها في الحقيقة مجرد جرعة حل مؤقتة، تسكّن معاناة المواطن وتزيد من تمدد أزمته.
وفي هذا السياق، يشرح الخبير المالي والاقتصادي د. عماد عكوش في حديث لموقع “العهد” الإخباري، الأسباب الأساسية التي ساهمت في ارتفاع صرف الدولار، مؤكدًا أن فقدان الثقة بالسلطات المعنية بالحفاظ على الليرة ( السلطات النقدية والسياسية والقضائية وحتى الأمنية) أفقدت المواطن القدرة على الاعتماد على ليرته، فسلوك المصرف المركزي وتوابعه (المصارف) والأزمات السياسية المتتالية وتراجع دور القضاء والتفلت الأمني الحاصل المتمثّل بعمل السوق السوداء، أنشأ سوقا هشًا يتأثر سريعًا بالأخبار والاشاعات”.
ويلفت عكوش إلى أن القرارات الأخيرة بعيدة كل البعد عن إيجاد حل لما يحدث، فإذا صحت التسريبات بأن المصرف المركزي طلب من الصرافين شراء المزيد من الدولار وفقا لسعر يقارب الـ29 ألفا، فكيف سيتجه إلى ضخها في المصارف لبيعها على سعر صيرفة؟ ما يعني بيعه دولاره بخسارة؟ ويعتبر أن “المصرف يخدع الناس بقرار لا يستند الى أي منطق، فإذا جرى ضخ الدولار إلى التجار سيدعم ذلك كارتيلهم وإذا احتفظ به ليمنح المودعين المزيد من الليرة، سيغني بذلك كارتيل توابعه”.
ويرى عكوش أن هذه القرارات ستفاقم الأزمة أكثر، فعلى الرغم من أنها ستخفض مؤقّتا سعر الصرف لأيام معدودة، إلا أنها ستحفز المزيد من ارتفاع الأسعار، سواء لجهة ارتفاع كلفة الحصول على النقد الورقي بالليرة، أو لجهة شراء السلع الأساسية”، ويوضح أنها “ستؤدي حكما إلى زيادة حدّة الركود التضخمي، فأسعار السلع ستتضخم أكثر وسط ركود اقتصادي كارثي”.
ويضيف أن ما قيل عن ربط الارتفاع الجنوني لسعر الدولار بزيادة طلب تجار المحروقات عليه هو أمر غير دقيق، خصوصا أن نسبة استهلاك هذه المادة انخفضت بشكل كبير”، ويشير إلى أن “الكارتيلات المعنية تلاعبت بتكاليفها وضغطت على المصارف وفرضت على السوق مبالغ معينة لتأمين استمراريتها”.
ولا يختلف رأي عكوش كثيرا عن رأي الخبير الاقتصادي إيلي يشوعي، الذي يعتبر أن ارتفاع الطلب على الدولار ليس بريئا، فالمصارف والكارتيلات الحاكمة تحدد حاجتها والمصرف وتوابعه ينفذون، ويضيف “لم نفهم شيئا من القرارات الأخيرة، خصوصا ان مصرف لبنان يقدم الدولار إلى المصارف من أموال المودعين، ويحتال على المواطن بتعديل بسيط ومؤقت لسعر الصرف”.
ويقول يشوعي أن “من تسبّب بنهب البلاد وسقوط نظامه المصرفي لا يمكن أن يصدر أي قرار مجدٍ”، ويتابع أن “المصرف شبه المفلس لطالما خالف بقراراته قانون النقد والتسليف وفتح الباب بنفسه أمام سوق نقدي متفلت، وها هو يقدم للمواطن قرارات تزيد من فقره ومن عمق الأزمة التي يعيشها”.