العام الدراسي انطلق وطلاب الخارج لا زالوا في لبنان: هل يُقر “الدولار الطالبي”؟

فاطمة سلامة

ليس بالأمر السهل أو الهيّن أن يجد شخص ما نفسه فجأة يسير عكس ما كان مرسوماً لمستقبله، لا لذنب اقترفه بل لظروف خارجة عن إرادته. هذا هو حال الطلاب اللبنانيين في الخارج الذين وجدوا أنفسهم فجأة يسيرون عكس التيار التعليمي بعدما خطّطوا لهدفهم وعملوا المستحيل، لكن قوّة التلاعب بسعر صرف الدولار كانت أكبر من إرادتهم فباتوا رهينة لها. والواقع أن قصص المعاناة لهؤلاء الطلاب كثيرة ومتنوّعة. العام الدراسي افتتح هذا العام وهم لا يزالون خارج مقاعدهم الدراسية. غالبيتهم لا يزال في لبنان مع تعذر السيولة للهجرة لطلب العلم التي باتت مكلفة جداً وسط تدني قيمة الليرة اللبنانية. عملية حسابية بسيطة تُبيّن هذا الواقع الصعب، اذ يحتاج الطالب نحو 1000 دولار شهرياً بين قسط جامعي وبدل سكن ومعيشة. هذا المبلغ لم يعد يُساوي مليوناً وخمسمئة ليرة، بل بات يساوي سبعة ملايين وخمسمئة ألف ليرة اذا ما احتسبنا سعر الصرف في السوق السوداء على الـ7500 ليرة مقابل الدولار. مبلغ -اذا صح التعبير- يقصم ظهر أي أب يعمل في لبنان ويتقاضى راتبه بالليرة اللبنانية لأنّه يساوي أضعافاً من الرواتب المتعارف عليها، وعليه يبقى مستقبل آلاف الطلاب معلّقاً ريثما تؤمّن الدولة اللبنانية حلاً لهذه الفئة التي يبدو أن مستقبلها على المحك.  

محمد فياض..طالب يدفع ثمن سياسات الفساد

محمد فياض واحد من أولئك الطلاب الذين وجدوا أنفسهم فجأة خارج صفوفهم التعليمية. الطالب في السنة الرابعة بكلية الطب يصف المعنويات “بالأرض” تماماً كما حال مختلف الطلاب الذي لم يتمكّنوا من السفر هذا العام لإكمال دراستهم بسبب أزمة الدولار. كان من المفترض أن يتواجد محمد في أوكرانيا أواخر الشهر الماضي، فالدراسة بدأت في الأول من أيلول إلا أنّ الظروف المادية لم تقدّر له ذلك بسبب أزمة الدولار. التكاليف -بنظره- كبيرة وتفوق قدرة أغلبية العائلات اللبنانية. تتراوح الكلفة سنوياً ما بين الـ70 الى 80 مليون ليرة وهذا المبلغ كبير -يقول محمد- الذي يشير الى أنّ قسط الجامعة يبلغ حوالى 34 مليون ليرة والجامعة تطلبه “دفعة واحدة”. 

يتحدّث فياض بوجع ولا أمل لديه بالحل. الوضع صعب وأجواء البنك المركزي توحي بأنّ قضية “الدولار الطالبي” لن تنجح. يؤكّد فياض أننا ندفع اليوم فاتورة 30 سنة من الفساد مرجحاً عدم العثور على حل خاصة في ظل الأبواب المغلقة. ما البديل؟ يقول محمد :”طرقنا أبواب الجامعات الخاصة في لبنان فكان الرد بضرورة إعادة الدراسة من الصفر لأنّ الأنظمة مختلفة، أما الالتحاق بالجامعة اللبنانية فيبدو بالأمر الصعب للغاية وسط الشروط الصعبة”. وعليه، يرى فياض أن الحل الوحيد هو تعليق الدراسة هذا العام كي تتضح الأمور في الفترة القادمة. 

حمادة: أقل من 5 بالمئة من الطلاب تمكنوا من السفر لإكمال دراستهم 

وتفادياً للوصول الى ما وصلنا اليه اليوم، كانت كتلة الوفاء للمقاومة من أوائل الذين ناشدوا المعنيين الوصول الى حل، حيث قدّمت اقتراح قانون معجّلا مكرّرا الى المجلس النيابي يهدف الى تأمين التزام من مصرف لبنان بصرف مبلغ عشرة آلاف دولار عن العام الدراسي 2020 -2021 للطلاب في الخارج وفق سعر الصرف الرسمي 1515. فأين أصبح هذا الاقتراح بعد مضي أكثر من شهرين على تقديمه؟.  

عضو كتلة الوفاء للمقاومة وعضو لجنة التربية النائب الدكتور إيهاب حمادة يستعرض في حديث لموقع “العهد” الإخباري المراحل التي مرّت بها قضية “الدولار الطالبي”، فيوضح أننا لا زلنا في المكان نفسه ولا تقدم، مع فارق أنّ هناك الآلاف من الطلاب بدأوا يفقدون الأمل بسبب عدم التحاقهم بجامعاتهم وسط غياب أي بديل لهم في لبنان، فشروط الجامعات هنا مختلفة. ويوضح حمادة أنه وبناء على إحصاءات أجريت لم يسافر سوى أقل من 5 بالمئة من الطلاب الذين من المفترض أن يسافروا لإكمال تعليمهم، وهذا مرده الى العنوان المادي، حتى أن الجزء الذي سافر أمّن له أهله ما يكفيه من مصروف لشهر فقط، على أمل أن تجري حلحلة هذا الملف. وفق حمادة، فإنّ الوضع كارثي اذ لا يمكن لأي رب أسرة أن يكمل تعليم ولده في ظل ارتفاع سعر صرف الدولار الجنوني، خاصة أننا نتحدّث عن آلاف الطلاب في أوروبا الشرقية جل أهاليهم من الموظفين والفقراء.

العام الدراسي انطلق وطلاب الخارج لا زالوا في لبنان: هل يُقر "الدولار الطالبي"؟  

ويتحدّث حمادة عن اتصالات ترده من أمهات يذرفن الدمع على أولادهن الذين خسروا مستقبلهم. بنظر حمادة، تُهدد هذه القضية مستقبل العائلات في لبنان اذ هناك ما يقارب الـ15 ألف طالب غالبيتهم في أوروبا الشرقية في دول كأوكرنيا وجورجيا وروسيا وبيلاروسيا. هذا الواقع يهدد للأسف آلاف الطلاب والأسر التي يتم إنهاء مستقبلها ما يشكّل أزمة على الوطن بأكمله نتيجة النقمة الكبيرة التي تتولّد لدى هؤلاء. لكن للأسف يستطرد حمادة بالقول” هناك من المعنيين من لا يلتفت ولا يعني له هذا الأمر شيئاً ربما”. برأيه يجب اعتبار قضية هؤلاء الطلاب أقله كقضية المحروقات المدعومة وغيرها لأنها تمس مستقبل بلد بأكلمه.

وعد بأن تكون هذه القضية على رأس جدول أعمال الجلسة القادمة

ويلفت حمادة الى التحركات التي قام بها أهالي الطلاب على مستوى لبنان والتي لا تزال مستمرة، موضحاً في المقابل أنّ رئيس مجلس النواب نبيه بري وعد عقب أول تحرك بإدراج قضية الدولار الطالبي على جدول أعمال اللجان المشتركة، وهذا ما حصل بالفعل، ولكن للأسف حصل الانفجار المشوؤم قبل يوم واحد فأجلت الجلسة. عقبها أعلن عن جلسة أخرى ولكن قبل يوم أيضاً جرى تكليف الرئيس المكلف وأجريت الاستشارات الأربعاء. وهنا يلفت حمادة الى أن هناك وعداً بأن تكون هذه القضية على رأس جدول أعمال الجلسة القادمة، وقد طلب الرئيس بري ذلك بانتظار انعقاد جلسة هيئة عامة. لكنّ حمادة يشير صراحة الى أن أهالي الطلاب يعتبرون أنّ قضيتهم خارج السمع بعدما دخل العام الدراسي ولا يملكون الإمكانيات لإرسال أولادهم مجدداً للخارج وسط ارتفاع سعر صرف الدولار الجنوني. 

لماذا يمنع من لديه حساب بالليرة من سحب أمواله لإرسالها لابنه في الخارج؟

ويتناول حمادة التعميم الذي أصدره مصرف لبنان والذي سمح بتحويل 10 آلاف دولار عن العام بأكمله لمن يملك في المصرف حسابات جارية بالدولار، لافتاً الى أنّ نسبة الأهالي الذين يملكون حسابات بالدولار -إن وجدت- لا تتجاوز الـ2 بالمئة من مجموع أهالي الطلاب في الخارج. كما يلفت حمادة الى أنّ هذا التعميم لم يطبّق في الأصل وحتى من يملك الحساب الجاري لم يتمكّن من تحويل المبلغ الى الخارج، بسبب رفض المصارف. وهذا التعميم شبيه بنظره بالتعميم الذي سبق أن صدر والذي يسمح لأهالي الطلاب بشراء الدولار من الصرافين تبعاً لـ3900 ليرة، والذي وجد فيه بعض الصرافين فرصة للسرقة وهذا الأمر موثّق لدينا. وهنا يسأل حمادة: ” لماذا يمنع من لديه حساب بالليرة اللبنانية من سحب أمواله لإرسالها لابنه في الخارج؟ لماذا يطال التعميم فقط من لديه حساب بالدولار؟. بهذا المعيار يرى حمادة أن هناك مخالفة لروح قانون “النقد والتسليف” وهناك قلة احترام للعملة الوطنية، وتآمر عليها وعلى الوطن. 

هؤلاء الطلاب هم مستقبل لبنان

ويُشدد حمادة على أن قضية الطلاب في الخارج يجب أن تشكّل أولوية قصوى -ونحن على أبواب العام الدراسي-  لأن هؤلاء الطلاب هم مستقبل لبنان، وبهذه الطريقة ندمر مستقبل بلد كامل ومصير آلاف الطلاب في الداخل والخارج، ومن هذا المنطلق على الدولة التي تدعم الطلاب في الجامعة اللبنانية أن تدعم طلابها في الخارج فهذا الأمر لا يكلفها فلساً واحداً وهذا حق عليها وليس منة تحت عنوان المساواة والعدالة في ظل الظروف الاستثنائية. 

بانتظار الجلسة التشريعية 

وفي الختام، يقول حمادة “نحن بانتظار الجلسة التشريعية، وعندما ذهبنا الى الرئيس بري عرضنا هذا الموضوع على رأس اللائحة وبادر مشكوراً الى وضعه في اللجان المشتركة، ولكن الآن فات القطار والفرصة وبدأت الأمور تنحى منحى سلبيا ما يعني أننا مقبلون على تدمير شريحة واسعة ووازنة من مجتمعنا”. 

الخطيب: قسم ضئيل جداً عاد الى أوكرانيا لمتابعة دراسته

المتابع لشؤون الطلاب في أوكرانيا الدكتور شادي الخطيب يوضح لموقعنا أن أكثر من 70 بالمئة من الطلاب لم يتمكنوا من العودة الى أوكرانيا هذا العام، فعدد الطلاب يتراوح ما بين الـ1200 والـ1400 طالب، وقسم ضئيل جداً منهم عاد لمتابعة دراسته ولا يتخطى الـ120 طالباً. حتى من كان أهله في عداد الميسورين جاء الى أوكرانيا بلا القسط الجامعي على أمل أن تحل الأمور وتنجلي الأزمة. بالنسبة للخطيب هناك 4 أشخاص من بين 150 شخصا تمكنوا من دفع مبلغ زهيد من القسط الجامعي.

بحثنا عن حلول كثيرة 

وفيما يشير الخطيب الى أنّ الوضع كارثي خاصة أن الاقتصاد في لبنان مدمّر وقضية الدولار غير معروفة المصير، يلفت الى أننا كنا من أوائل الذي طالبوا بمسألة الدولار الطالبي أو الدفع بالليرة اللبنانية، وقد بذلنا محاولات كبيرة مع وزير التعليم الأوكراني للبحث عن حلول وطلبنا من الدولة الأوكرانية “استثناءات منح” لهذا العام لكنّ هذه القضية تتطلب مباحثات على صعيد أكبر، وقد عرضنا على الجانب الأوكراني مقترحاً آخر يقضي بأن يدفع الطالب القسط للسفارة الأوكرانية في لبنان بالليرة، فكانت الإجابة أن هذا الأمر أكبر من صلاحيات وزارة التعليم وتحتاج الى اتفاقيات بين البلدين.

كما بحثنا -يضيف الخطيب- عن مسألة تقسيم القسط على مدار السنة، وقد لاقى هذا المقترح استحساناً، لكن المشكلة تكمن بتأمين المتطلبات الأخرى من سكن ومعيشة والتي تتطلب بالحد الأدنى  500 دولار شهرياً اذا لم نحتسب الكتب والتأمين وتذكرة السفر، فكيف سيؤمن الطلاب هذا المبلغ؟ يسأل الخطيب الذي يشدّد على ضرورة بناء جيل متعلّم. ما البديل؟ يوضح الخطيب أن هذا السؤال مؤلم حقا بالنسبة اليه ولكن بإمكان الطالب تعليق دراسته عاماً أو إكمال دراسته بمقاعد الجامعة اللبنانية هذا العام وبعدها يعود الى أوكرانيا ولكن هذه القضية تحتاج الى تحرك رسمي.

خاص العهد