زهراء جوني
يتّكئ بيتنا على ملصقاتٍ جمعها والدي منذ وعيه على المقاومة. يحتفظُ في المكتبة بمغلفات سريّة يعود تاريخها إلى الثمانينيات. أذكرُ حتى اليوم ردّة فعلي الأولى حين قرأتُ بعضًا من حياة المقاومين وعملهم واكتشفتُ أنّ وجه والدي وملامحهُ كبُرت في حياة جهادية فيها من حبّ المقاومة قوة وصلت إلينا جميعًا، أنا وإخوتي.
كان أبي روح الثمانينيات التي تعيش في بيتنا؛ فكان الإمام الخميني(قدس) صديقنا، وكانت عمليات المقاومة الأولى تاريخنا، وكان الشهداء، خصوصًا الذين عرفهم والدي، أحياء بيننا بقصصهم وجهادهم وروحيتهم التي وصلتنا في أحاديثه.
هكذا تشكّل الوعي في بيتٍ تعاهد فيه أبي مع شريكته منذ اللحظة الأولى، على أن يكون مبنيًا على ثقافة المقاومة والجهاد والتضحية والعطاء، فكان أخي الشهيد أوّل ثمرةٍ لهذا العهد.
بنى أخي الشهيد مع الإمام الخميني(قدس) علاقة خاصة لم نكتشف سرّها إلا بعد شهادته، وكان نذره لله صومه للإمام، وحبه للثورة نابعًا من حياة الإمام، وعلاقته بشريكته وأهله وناسه كما تعلمها من الإمام، وفيه من الصفات ما سمعناه عن أخلاق الإمام الخميني ونظرته لهذه الحياة.
كانت المقاومة بالنسبة لأخي الشهيد مشروع حياة ومعبرًا نحو آخرة عظيمة. وكانت روحه معلقة بالميدان، حتى كاد يبكي في آخر مشوار له إلى الجرود خوفًا من أن لا يلحق برفاقه الذين سبقوه إلى العمل. وكانت الشهادة بالنسبة إلى محمد نتيجة حتمية لمن يعمل لله وفي سبيل الله، فاشتهرت جملته بعد شهادته: “على الإنسان أن يعمل، والنتيجة على الله”. لكن تواضعه في الحياة جعله يرى في نفسه أنها لم تصبح بعد أهلاً للشهادة، حين أجاب عنها قائلًا: “أين الثرى من الثريا؟”. لكنه اليوم، بإجماع الكثيرين، لم يشبه يومًا إلا الشهداء، ولم يعش إلا حياة الشهداء، من خلال روحه التي تشبه جيل الثمانينيات وعمله الذي فاض منه الإخلاص والتفاني وإنكار الذات.
يشهدُ له جيلٌ من الشباب الذين واكبهم منتصر خلال عمله في التعبئة التربوية كيف استطاع أن يدخل قلوبهم بأسلوبه المحبب وأفكاره التي استلهمها من روح المقاومة في أيامها الأولى، وثقته بهذا الطريق رغم كل التحديات التي مرت بها هذه المسيرة.
يكفي أن تسمع شهادة أحد الشباب يقول في محمد إنه كان سببًا لنعشق خط المقاومة، فتعرف أيّ روح زرعها بيتٌ يتكّئ على ذكريات عام 1982، وأيُ عهدٍ لشريكين لم تزدهما الأيام سوى تعلق بهذا الخط، وأبناء يجاهدون في سبيله، وشهيدٌ مضى على طريقه.