علي حيدر(\2-9-2004) :
هو الموت ان رمى سهمه نحو الدنيا اصاب به ابن آدم, وفي قضاء الله وقدره كل ابناء الدنيا فانون, هذا السهم أصاب علي حيدر في ريعان شبابه.
وعن هذا الشاب, الحديث فإن الحديث يطول في عينين بلون الصمود, بلون الأرض, بلون الطيب. طلة في جسد مقاوم, كتفان عريضان, يدان مبسوطتان, وقدمان ثابتتان في الأرض, ومع كل خطوة ذكر لإسم الله, لسان يحب التسبيح, ولا يعرف الا الذكر الصالح هذا ما جهد أبوه في تعليمه اياه.
ولادته كانت فرحة العائلة وغيابه كان بألوان الصدمات التي ما كانت ابدا في الحسبان. بقايا ذكريات تتربع على عرش قلوبهم, وبقايا رفات لجسد وُدِع نحو مصيره الأخير. عند قبره صرخة آه تدوي المكان وتعتزل من الدنيا الى ظلام الفناء. عنه ترسم الفنون اشكالا واشكال فيغنى شعرا برثاء, ويرسم في لوحة فنان أشكالا اشكال إما بحرا غاضب وإما بحرا هادئ, اما شجرا باسق واما طفولة وردة. يصنَفُ كأحد أهم تماثيل الحياة, تمثال ناطق باسم الحياة.
ولادة علي كانت في جنوب لبنان, اربع سنوات من بداية عمره هي اربع سنوات من عمر الوطن, اما بعدها فكان المسير مع العائلة نحو العراق, سبع سنوات في العراق صقلت شخصيته وحياته بما يكفي من الايمان والتنوير والتحضير لاختبارات كثيرة, خاصة وانه درس في مدارس هذا البلد مما جعله يتعلم قيما عديدة منه.
عاد بعدها من العراق وانتشب الى مدرسة طورا الرسمية, ثم انتقل بعدها الى مهنية اسعد خوري في صور ودرس في مجال الكهرباء.
ولد في نفسه ملاذ رائع الطعم نحو العلم فتش عنه في أبسط الأمور حيث سعى لتطوير نفسه, كما شعر انه المسؤول عن اخيه الاصغر ففي كلمة رددها علينا والده كانت تعبر عن رغبة علي انه مستعدا لأن يحرم نفسه ويبيع ثيابه كي يعلم أخوه حسين.
اهتم اهتماما كبيرا بشراء الكتب وأحب الاطلاع على كل الأنواع منها فابتاع لنفسه مجموعة علمية واخرى دينية وبعضا ادبية.
التحق بالدفاع المدني, وكان احد الكشافة المتميزين في كشافة الرسالة اذ شعر بالانتماء لهذه الأمور التطوعية التي أقدم عليها بحب, ووجل قلبه امام مساعدة الناس. هذا القلب الذي ملأه حبا عاش متواضعا الى ابعد الدرجات كثيرا ما تجده باسم الثغر حتى ولو في تحية عابرة.
برسم العائلة التي لا تباع عنده, اهتم علي بأدق التفاصيل براحة والديه اللذان تعبا في حياتهما, في رغبته بذهابهم الى الحج, في التخفيف من عبء والده, في فرحته بتزويج اخوانه, في رغبته بالزواج وانشاء عائلة وهنا بدأت حياته تأخذ منحى اكثر جدية ووضع اول حجر بالقرب من بيت العائلة, واختار لنفسه شريكة حياة, جهد على نفسه وعمل على انهاء البيت الذي سيبني فيه خطا مستقلا لحياته يعتمد فيه اعتمادا كليا على نفسه. انهى البيت بعرق جبينه دون مساعدة من أحد واقترب يوم الفرح. علي حدد موعد الزفاف ومن فرح بهم حان دورهم يفرحون به الا ان العد العكسي كان هناك يلوح بالأفق واللون الابيض سيتبدل سوادا ابديا.
هذا الزواج كاد ان يقبل عليه بالذرية الصالحة التي كان يطلبها من الله دوما, فالأولاد هم اكثر ما يرغب به في حياته فكان كله أمل بالذرية الصالحة.
ثم اراد بعد استقراره الذهاب الى الحج الا ان الموت لم يمنحه فرصة الأولاد ولا فرصة قضاء مناسك الحج. ذاك العداد الذي ضرب الصفر عند الساعة الأخيرة كان مؤقتا بعد ثلاث أشهر فقط من زواجه.
قضى أهله عنه رغبة الحج وأدوا له مناسك العمرة, هذا كل ما احتاجه لاتمام مناسكه الدينية لأنه كان من السباقين في الدين والايمان وطاعة الله, من المواضبين على صلاة الليل وصلاة الصبح, من العاشقين لكلام الله, فالقرآن هو الكتاب الأول والأهم الذي تجده يسكن بين يديه, يقرؤه بصوت عال بترتيل رائع لأن علي يملك صوتا جميلا, استغله في خدمة القرآن.
كان يحب زيارة الأماكن المقدسة باستمرار فيذهب مع عائلته بين الحين والآخر الى سوريا نحو ضريح السيدة زينب(ع), وكان يرغب كثيرا في ان يعود الى زيارة العراق.
اما عن علاقاته الاجتماعية فهو انسان خيالي في حبه لأصدقائه وجيرانه وشركاء العمل, ويشعر بواجب أكثر من محبب اتجاههم, ويصل رحمه حتى الى البعيدين في غير بلد من أقاربه. لا يترك زيارة مريض, ولا مواساة لأهل فقيد, ولا مباركة في أفراح.
ووجوده بين اصدقائه هو أكثر ما تحتاجه الجلسة لأنه كان المرح دوما فلا يملون من كلامه, أو احاديثه. كما كان المغرم واياهم بلعبة كرة القدم فيتابع معه كل المباريات, خاصة وان كانت للنادي الذي يشجعه وهو نادي النجمة.
هذا واكثر ما تركه علي حيدر وراءه, فرحه كانت اقصر من عمر الورد.
ووجعا ترك الاشياء تواسي نفسها, تبحث عن الرجل الذي ملأها, وبصمت عبر البشر عن قلوب حائرة عن بشاعة الخبر يبحثون عن أقل معلومة تخبرهم انه سيعود بخير…
في ذاك اليوم خرج علي الى العمل في الصباح صائما استحبابا لوجه الله, كان عمله في احد المباني الموجودة في صور وتعرض أثناءها لصعقة كهربائية أفقدته الدنيا وما فيها ففارق الحياة على الفور ونقل الى مستشفى جبل عامل.
كل أهالي العباسية علموا بهذا الخبر كل يلقي المسؤولية على الآخر كي يخبر أهله الى ان تجرأ أحدهم وقال لوالده أن علي تعرض لصعقة كهربائية وهو في المستشفى..
نزل والده ومعه كل العائلة… فكان الأمر أصعب من مجرد أنه طريح الفراش, علي أصبح طريح الكفن بعد أن كان جسدا يتحرك وفما ينطق أعذب نطقا..اما الآن فقد فارقهم الى الأبد. وتلك الدموع التي نزلت من والده كانت في حرقة مجبولة بغصة الوجع الذي حمله من ذاك التاريخ الأليم في حياته حين دفن بيديه ابنا اعتز وافتخر به امام الناس, كانت هذه الدموع صعبة بقدر التراب الذي انهال على جسد هذا العريس, صعبة بقدر الطعم المر بقدر الضياع الذي شعرت به أمه, صعبة تلك اللحظة ومن يهرب منها اذ بات يعيد التاريخ أدق التفاصيل عن ذاك اليوم وما قبله وما قبله ولا يمل. تمضي السنون وكلما فتح أحد سيرته شعروا كأنه غادرهم الآن, كلما زاروا مكانا تعودوا ان يكون معم, كلما رأوا أحد اصدقائه, كلما زاروا قبره, كلما شموا رائحته في زوايا منزله تتكرر عذاباتهم ودون قيود تعود الآمهم الى لحظة الولادة.