تل أبيب تتخلّى عن أوهامها: الحزب سيردّ.. إليكم التفاصيل

لا حاجة للاستشهاد بتقديرات ومواقف وتقارير إسرائيلية لتحديد وقع مواقف ” الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله ” التي أكّد فيها بشكل مباشر المعادلة التي تحمي المقاومة ولبنان، القائمة على أساس الندّية في الردّ على الاعتداءات الإسرائيلية.

فالمضمون والصورة والعبارات كافية للدلالة على ما تنطوي عليه من رسائل، ستحضر بقوة لدى قادة العدو، انطلاقاً من أنها تصدر عن الأمين العام للحزب، تحديداً، وأيضاً لكونها تأتي بعد سلسلة تهديدات ورسائل وجّهها جيش العدو على أمل أن تساهم في ثَني حزب الله عن خيار الردّ على اغتيال المقاوم علي محسن في سوريا قبل أسابيع.

الواضح أن مواقف السيد نصر الله تركت آثارها على المستويات الاستخبارية والعسكرية والسياسية، وهو ما بدأت تتّضح معالمه في الواقع الإسرائيلي، وسيتواصل تباعاً في الأيام اللاحقة. فهو بدَّد الأوهام التي راودت المؤسسة الاستخبارية، بحسب ما نقل أكثر من مصدر في كيان العدو، أنه «بعد كارثة ميناء بيروت في 4 آب»، سيرتدع حزب الله عن الرد. ونتيجة هذا التقدير «قرر الجيش إزالة الإنذار الاستخباري عن عملية على الحدود الشمالية. وطبقاً لذلك، التقليل من مستوى الجاهزيّة على طول الحدود». وبرّر ذلك بأن «انفجار الميناء غيَّر جدول الأعمال اللبناني تماماً. في الوقت الذي بات فيه وضع الدولة سيئاً جداً». ما لخّصته صحيفة هآرتس عن منشأ التقدير الاستخباري الذي أوضح بعض جوانبه بشكل أكثر تحديداً المعلق العسكري في القناة 13 ألون بن ديفيد الذي كشف أيضاً أنه «في إسرائيل مَن أخطأ في التفكير بأن أثر الانفجار (مرفأ بيروت) سيؤدي إلى لجم حزب الله، بل وربما سيهزّ كرسيّ نصر الله. عملياً، حصل العكس. رأى «حزب الله» وسمع غضب المتظاهرين في شوارع بيروت ولم يتأثر».

يكشف هذا التقدير بشكل دقيق عن مستوى حضور الوضع الداخلي اللبناني لدى مؤسسات التقدير والقرار في تل أبيب، وأنه يشكّل عاملاً أساسياً في رهان العدو على تقييد هامش خيارات حزب الله على مستوى المبادرة والردّ على أيّ اعتداءات إسرائيلية.

وتؤكد هذه التقديرات أيضاً، مرة أخرى، أن أسرائيل تراهن عل أن يساهم تفاقم الوضع الاقتصادي والصّحي والانقسام السياسي في فرض قيود على حزب الله. واللافت في هذا السياق أن بن ديفيد كشف أنهم «على الشرفة في (شارع) بلفور (مقر رئيس الحكومة الإسرائيلية في القدس) يتأثرون أكثر بمشهد الاحتجاج» ضدّ حزب الله في لبنان. وأراد بذلك التصويب على حجم رهان القيادة السياسية في تل أبيب، وتحديداً في مكتب نتنياهو، على تطورات المسار الداخلي في لبنان ومدى أمكان أن يقوّض شعبية حزب الله، ويقيّده في مواجهة إسرائيل، ومراقبة ما إن كان ذلك سيذهب في اتجاهات توفّر لهم – بنظرهم – الأرضية لخيارات ما في المستقبل.

خطورة هذه الرؤية أنها قد «تورّط» العدو في مغامرات عسكرية، بالاستناد إلى رهانات وأوهام لتوسيع نطاق اعتداءاته باتجاه لبنان. لكن بات مؤكداً أنّ تصميم حزب الله على الرد، وإعلان السيد نصر الله الصريح عن ذلك، سيؤدي إالى تبديد مثل هذه الأوهام ويضع قادة العدو أمام خيارات وسيناريوهات مغايرة كلّياً لما كانوا يأملون ويراهنون.

رغم ذلك، فإنّ ما تقدّم لا يعني أن كلّ مؤسسة القرار في تل أبيب تكون موحّدة بالضرورة على رؤية واحدة وتقدير واحد. ففي كثير من الأحيان تختلف التقديرات داخل المؤسسة، وهو عادة ما ينتج عن ضيق الخيارات وخطورتها ونتيجة اتّساع مساحة اللايقين. في هذا السياق، عارض قائد المنطقة الشمالية اللواء أمير برعام، بشكل صارم جداً، تقديرات الاستخبارات، واستطاع نتيجة إصراره الكبير على إقناع الجهاز الأمني كلّه، بحسب صحيفة هآرتس، «تغيير موقفه وإعادة الإنذار الاستخباري والجاهزية العالية في الشمال». ولفتت الصحيفة إلى أنّ برعام استند في تصميمه إلى تاريخ طويل من الأحداث التكتيكية مع حزب الله، منذ تولّيه قيادة وحدة خاصة (مغلان)، ثم قيادة فرقة. وتابعت الصحيفة أن قائد المنطقة الشمالية «يعرف أن ليس كل شيء تحت سيطرته. الحدود مع لبنان وسوريا طويلة».

في ضوء هذا التباين، يمكن استخلاص أنه كان هناك نوع من الانقسام في تقدير مفاعيل الواقع الداخلي على خيارات حزب الله، وتعزّز ذلك في أعقاب انفجار مرفأ بيروت، وبالتالي تأثير ذلك على سيناريو الردّ الذي قد يلي أيّ اعتداء ابتدائي أو ردّ إسرائيلي مضاد.

مع ذلك، فقد استندت قيادة المنطقة الشمالية في تقديرها المخالف لتقدير الاستخبارات إلى «تحليل مقاربة الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله. وإلى عشرات الخطابات في السنوات الأخيرة، (إذ) حاول نصر الله ترسيخ «معادلة الردع» أمام إسرائيل، ووضع تنظيمه كمدافع عن لبنان». تؤشّر هذه المقاربة التي استندت إليها قيادة الشمال، مرة أخرى، إلى حجم حضور وتأثير مواقف السيد نصر الله على حسابات كبار قادة جيش العدو، وإلى حقيقة أنّهم يتعاملون بكامل الجدّية مع كل كلمة يطلقها. ومن هنا استحضرت الصحيفة أيضاً تهديدات حزب الله، التي من الواضح أنها كانت امتداداً لتقديرات المنطقة الشمالية أيضاً بأنه «سيردّ على كل قتيل لبناني بنار الجيش الإسرائيلي، وسيردّ على قصف الضاحية في بيروت بقصف مقرّ وزارة الدفاع في تل أبيب، سيردّ على أيّ إضرار ببنية وطنيّة في لبنان بضرب مواقع استراتيجية في إسرائيل. لم ينحرف نصر الله عن هذه السياسة في السنوات الأخيرة في كلّ مرّة أصيب فيها رجاله».

واستحضرت الصحيفة سلسلة محطات بدا أنها حاضرة بقوة في وعي وحسابات كبار القادة الإسرائيليين أيضاً، وعرضت في هذا السياق ما «حدث في 2015 بعد اغتيال أحد نشطاء تنظيمه، جهاد مغنية، في هضبة الجولان (اعتداء القنيطرة). وبعد حوالي سنتين اغتيل سمير قنطار. وقبل سنة بالضبط بعد أن قتلت إسرائيل لبنانيين… (في نفس الليلة حدث هجوم جوي على الضاحية، الذي لم تعلن إسرائيل مسؤوليتها عنه). في كل هذه الأحداث ردّ حزب الله بإطلاق صواريخ مضادّة للدبابات أو استخدام العبوات الناسفة تجاه قوات الجيش الإسرائيلي على الحدود اللبنانية».

تكشف هذه القراءة التي قدَّمتها إحدى أهم الصحف الإسرائيلية عن خلاصة السوابق التي يستندون إليها لتقدير مواقف وخيارات حزب الله، ومن الواضح أن المعلِّق العسكري للصحيفة عاموس هرئيل حصل عليها من المؤسسة العسكرية. والأهم أنها تكشف أيضاً عن حقيقة بالغة الأهمية وهي أنّ تصميم حزب الله على الرد على قاعدة الندية، قتل جندي في مقابل كل شهيد من حزب الله، تتسع مفاعيله لتشمل كل المعادلة التي تشمل العمق اللبناني، وعمق المقاومة ونطاق انتشارها، وأفرادها. وهكذا يصبح واضحاً، وبشكل استدلالي أيضاً، أن المسألة تتجاوز في رسائلها وأبعادها مقتل جندي بالنسبة لقادة العدو.

وبالاستناد إلى ما تقدّم، يمكن بسهولة الاستنتاج أنه كما أن المحطات السابقة حضرت الآن في محاولة تقدير قيادة المنطقة الشمالية لخيارات حزب الله، من الواضح أن مسألة ردّ حزب الله وفق القاعدة التي حدّدها أمينه العام، تحوَّلت منذ الآن إلى محطة تأسيسية إضافية باتجاه تثبيت معادلة الردع التي ستُعزِّز مظلة الحماية للبنان أرضاً وشعباً ومؤسسات.