دمشق ـ محمد عيد / العهد
تعتبر مصفاة بانياس من ركائز الاقتصاد الوطني في سوريا. استحدثت زمن القائد المؤسس الراحل حافظ الأسد بموجب عقد موقع مع شركة اندستريال اكسبورت الرومانية عام 1974 ودخلت حيز العمل عام 1978. تعمد الشركة الى تكرير النفط الخام السوري ونجحت إلى حد بعيد في تلبية الاحتياجات المحلية للسوريين من المشتقات النفطية قبل أن يصبح استهدافها وتعطيل عملها أثناء الحرب الكونية على رأس اهتمامات المجموعات الإرهابية في اطار استهداف البنى التحتية السورية.
اكتفاء وتصدير
لمصفاة بانياس موقع متميّز بالقرب من ميناء بانياس النفطي، فهو من جهة يتيح لها تصدير فوائض الانتاج ومن جهة ثانية يتيح لها التزود بالخام إن كان المستورد أو عبر خطوط الشركة السورية لنقل النفط.
وفي حديث خاص بموقع “العهد” الإخباري، يؤكد المدير العام لشركة مصفاة بانياس المهندس محمود قاسم أن الشركة وخلال العقود التي سبقت عمر الأزمة وعبر كوادرها الوطنية نجحت في تحقيق العديد من الانجازات التي جعلتها في مقدمة الاقتصاد الوطني، فمن جهة أولى نجحت في تحقيق نسب تنفيذ تجاوزت النسب الموضوعة في كتب التشغيل والتصميم، ومن جهة ثانية تمكنت من تنفيذ العمرات والصيانة السنوية والطارئة عبر كوادر الصيانة والتشغيل في الشركة بل ونجحت إلى حد بعيد في تصنيع وتعمير العديد من قطع الغيار والمحركات والمضخات في أرض الشركة وبأيدي خبرائها المحليين، والأهم من ذلك كله أنها نجحت في تحقيق الاستقرار والاكتفاء الذاتي في السوق المحلية لأغلبية المشتقات النفطية جنبًا إلى جنب مع مصفاة حمص، اضافة الى خلق فوائض للتصدير من البنزين والكيروسين والنفتا وغيرها وبالتالي رفد الموازنة العامة بحصيلة قطع أجنبي لتمويل عجلة التنمية والاقتصاد الوطني.
المشهد يتغير
يشرح المدير العام لشركة مصفاة بانياس أنه ومع انطلاق الحرب الكونية على سوريا بدأ المشهد يتغير وبدأت الصورة الزاهية لشركة مصفاة بانياس بالاهتزاز تحت تأثير عدة عوامل أبرزها:
ـ سيطرة المجموعات الارهابية من “داعش” و”النصرة” (فرع القاعدة في بلاد الشام) ومجموعات “قسد” على آبار النفط مما أدى إلى توقف تزويد مصفاة بانياس بالنفط الخام السوري اعتبارًا من شهر آذار/ مارس عام 2012 لتبدأ بعدها مصفاة بانياس مرحلة صراع ونضال وكفاح استمرت طيلة سنوات الأزمة التي شهدت ظروفًا يستحيل العمل معها.
ـ التوقفات المستمرة: شهدت مصفاة بانياس شهدت خلال السنوات العشر الماضية أكثر من مئة توقف وإقلاع نتيجة عدم توفر النفط الخام في حين أن المصفاة مصممة للتوقف مرة واحدة كل ثمانية عشر شهرًا لأعمال الصيانة وهذه التوقفات المتكررة ألحقت اضرارًا بالغة بالمعدات من أفران ومفاعلات شملت تآكل المعادن وتغييرًا في السماكات، وكل ذلك أثر على العمر الافتراضي للمعدات وعلى نوعية وجودة المنتجات على حد سواء.
– تغير نوعية التغذية النفطية: المصفاة مصممة للتعامل مع مزيج نفط خام سوري خفيف وثقيل. ولكن سيطرة المجموعات الارهابية على منابع النفط أدت إلى توقف النفط الخام السوري واضطرت الحكومة السورية نتيجة ظروف الحصار والعقوبات والحاجة إلى إشباع السوق المحلية من المشتقات النفطية إلى تشغيل شركة مصفاة بانياس على أنواع مختلفة من النفط غير ملائمة للتصميم وهذا أدى بدوره إلى تعرض المعدات لا سيما الأفران والمفاعلات إلى أضرار جسيمة وتقصير عمرها الافتراضي والتصميمي كونها تعمل خارج شروط التصميم ويمكنك أن تسمع المعاناة اليومية وتلمسها بشكل مباشر من المشغلين وعمال الصيانة في الشركة.
– المشكلات المتعلقة بالصيانة: لطالما اعتمدت مصفاة بانياس بخصوص قطع الغيار اللازمة للصيانة على الشركات الام كشركة “اندستريال اكسبورت” وغيرها من الشركات الرومانية إضافة إلى الشركات الاوروبية كشركة “اريفا” وغيرها في موضوع الأجهزة والبرمجيات، ولكن مع دخول الحرب انسحبت جميع الشركات من العقود المبرمة متذرعة بالحالة الأمنية والعقوبات وما شابه مما وضع الشركة في موقف صعب كان أقساه انسحاب شركة “جنرال توربو” من عقد تأهيل مراجل محطة توليد الطاقة الكهربائية، وبالرغم من كل الظروف تمكنت الشركة اعتماداً على كوادرها وبعض الكوادر الوطنية من الاستمرار في هذا المشروع.
يضيف المدير العام لشركة مصفاة بانياس محمود قاسم أنه وأيضا من المشكلات التي واجهتها الشركة في مجال الصيانة صعوبة تأمين قطع الغيار الأساسية والاستعاضة عنها بقطع غيار من شركات أقل خبرة تحت تأثير ظروف الحصار فضلًا عن التكلفة المرتفعة جدًا.
قاسم يشدد في حديثه لموقع “العهد” الاخباري على أن “شركة مصفاة بانياس تجسد الصمود السوري في أبهى حلله فكوادرها تمكنوا من تشغيلها وصيانتها بأقسى الظروف بالرغم من الحصار والعقوبات وانسحاب الشركات الاجنبية من التزاماتها وتغيير نوعية النفوط فمع كل مشكلة مستعصية كان هناك “حل وطني خلاق مبدع” وأكثر ما يثير الاحترام هو اندفاع العاملين للحفاظ على منشأتهم بكل عزيمة وإصرار بالرغم من تدني أجورهم الكبير مقارنة مع الاعمال التي يؤدونها ليؤكدوا أن إرادة الحياة لدى السوريين أقوى من أي تحديات”.
هي مقاومة اقتصادية تتجسد في المصفاة والعاملين عليها، وتقدم تجربة تؤكد أن الصعوبات مهما كان حجمها تصغر أمام الإرادة الوطنية والقرار بالمواجهة.