ميساء مقدم
في الذكرى الرابعة لمعركة تحرير سلسلة جبال لبنان الشرقية من الإرهابيين، تحكي المقاومة الإسلامية روايتها الكاملة لهذا التحرير بكل تفاصيلها الميدانية والعسكرية، للمرة الأولى عبر موقع “العهد” الاخباري. “أصل الحكاية” يعود الى العام 2012 مرورًا بـ”تل مندو” والقصير وصولًا الى الجرود. الحكاية التي نشرها موقع “العهد” تباعًا مرفقة بمادة مرئية من مشاهد فيديو خاصة وخرائط بالتعاون مع الإعلام الحربي في المقاومة الإسلامية.
في الجزء الثالث نتحدث عن سير المعارك ضد التكفيريين في السلسلة الشرقية من حزيران/ يونيو 2014 وحتى التحرير الثاني في 28 آب/ أغسطس 2017 ، وكيف تدخّل سماحة الأمين العام لحزب الله في رسم مسار العمليات العسكرية قبيل التحرير الثاني، وكيف تم التنسيق التام بين المقاومة والجيش اللبناني للقضاء على “داعش” وفق رواية خصت بها المقاومة الاسلامية موقع “العهد” الاخباري.
المناخ القاسي في منطقة سلسلة جبال لبنان الشرقية كان يدفع كلا الطرفين الى تجنب التواجد فيها بدايةً. مع انتهاء عمليات القلمون، وفي شهر حزيران/ يونيو 2014، بدأ يبرز حضور للمجموعات المسلحة في السلسلة على السفوح المشرفة على المناطق اللبنانية، خاصة تلك المشرفة على بريتال، وتحديدًا في منطقة حرف الهوا (ارتفاعها 2400 مترًا ومشرفة على كامل سهل البقاع وعلى معسكرات المقاومة، تابعة لجرد بريتال ومتصلة بجرد طفيل، تاريخيًا كانت هذه المنطقة سورية لناحية تردد الرعاة، وملكية الارض وغيرها من العناوين).
* قائم 1 وقائم 2
في حزيران/ يونيو 2014 كان امتداد المسلحين من الزبداني وجرود الزبداني وجرود بلودان حتى وادي بردى، بمعنى أن خط الاتصال موجود من عرسال الى الغوطة الى وادي بردى، ووادي بردى متصلة بالغوطة الشرقية وبالتالي على سلسلة جبال القلمون الغربية الشرقية الممتدة حتى البادية والتنف والناصرية. كان لا بد من خطوة محاولة فصل هذه الجرود. تم اختيار اصبع طفيل. كان فارق الارتفاع بين نقاط الارهابيين واحد مراكز المقاومة حوالي 1000 متر. أُخذ القرار من قبل الاخوان في القيادة بالامساك بـ”خط الرؤوس” ونفذت عملية تسلل ليلي من قبل وحدات التعبئة، الذين انتشروا عند “خط الرؤوس”، في وقت كان فيه الاخوة في القلمون قد وصلوا الى حدود طفيل.
أخذ قرار بأن ينفذ الاخوة من جهة القلمون مناورة هجومية على منطقة الطفيل ومحيطها والسيطرة على هذه المنطقة. استمرت المعركة قرابة 4 أيام حتى باتت وضعية المقاومة الدفاعية متصلة. العمل الهجومي نفذ على محورين، تم احتلال مجموعة من العوارض أبرزها قلعة النمرود، محترقة الصفرا وقبع الختم، ومن الجهة الثانية منطقة الصفرا. من أبرز نتائج هذه العملية أنها فصلت بين الانتشار المسلح الذي كان موجودًا بمنطقة وادي بردى المتصل مع الغوطة الشرقية، وبين الانتشار المسلح المنتشر في كامل جرود عرسال.
بعد قرابة الشهر في تموز/ يوليو 2014، كان القرار أن يهاجم الاخوة من جهة القلمون باتجاه طلعة موسى، وتهاجم قوات أخرى من الاتجاه اللبناني باتجاه منطقة عقبة البيضة، عقبة الزيتونة، الخشعات، رأس وادي الهوا وأرض الكشك، على أن تلتقي القوات بمكان من الاماكن. في هذه المناطق بدأت الارتفاعات تصل الى 2000 و2500 مترًا (عقبة الزيتونة 2500 متر، عقبة البيضة 2450 متر). هذه الارتفاعات كانت تؤدي الى صعوبة بالتنفس بسبب تراجع نسبة الاوكسجين في الهواء، من هنا كان للعامل المناخي دور بارز.
لظروف معينة لم تهاجم القوة من القلمون كما كان مقررًا، لكن القوة الأخرى من الاتجاه اللبناني هاجمت وحققت انجازًا (فالمنطقة على مشارف منطقة بعلبك). هاجم المقاومون 32 نقطة للمسلحين وسيطروا على 28 منها، وقد ارتقى عدد من الشهداء في هذه العملية (عملية قائم واحد وقائم 2).
هنا بات لدى المقاومة محور محاذٍ لجرد بريتال، وآخر محاذٍ لجرد بعلبك ـ نحلة، الاّ أن المنطقة بين المحورين غير متصلة.
* “أمير1”: ابعاد الخطر الأمني عن لبنان
في آب/ أغسطس عام ٢٠١٤، اعتقل الجيش اللبناني أحد الضباط الأساسيين في المجموعات الارهابية ومن أخطر التشكيلات القتالية (عماد جمعة “أبو أحمد” قائد “لواء فجر الإسلام”. في تلك المرحلة كان انتشار الجيش يشكل شبه طوق حول عرسال وبعض الأودية. (قرابة المئتي ألف بين مسلحين وعائلاتهم كانوا موجودين في منطقة عرسال ومحيط المخيمات).
كان لدى المقاومة جدول استعداد يسبق عملية أمير1. في شتاء 2014 ـ 2015 كانت العاصفة “زينة” فوصل ارتفاع الثلج في بعض الأماكن الى العشرة أمتار. بعض الاخوة أصيبوا وكادوا يستشهدون بسبب الثلج والحروق الناتجة عنه. بعض الاخوة فقدوا نظرهم، وبعضهم أصيب بحروق الجليد. في مرحلة من المراحل وصلت درجة الحرارة في احد المحاور الى 20 درجة تحت الصفر. عبوات المياه كانت تتجمد، ولكي يحافظ المقاومون على مياه الشرب كانوا يضطرون الى وضع العبوات في اناء كبير من المياه على نار هادئة. هناك استفاد المقاومون من وسائل جديدة مثل “السكي دو”. كان مستوى الصعوبات عاليًا، وكانت تلك من أهم التجارب التي خاضتها المقاومة. هي مرحلة مهمة تستحق الفخر. الثبات في هذه المواقع والدفاع عن المرتفعات كان انجازًا.
في تلك الفترة استمرت المناوشات بين المقاومين والمجموعات الارهابية حتى صيف 2015. تزامنًا، كان “جيش الفتح” قد تشكل في إدلب، وعقد “أبو مالك التلي” لقاءً لكل التشكيلات المقاتلة وبدأ بالتحضير لما أسماه “فتح دمشق”.
أخذ قرار من قبل القيادة بضرورة تطهير كل الجرود من جرد طفيل حتى جرد بعلبك. على هذا الأساس تحددت مناطق مسؤولية ومناطق عمليات بالاتجاه اللبناني والاتجاه السوري. في الاتجاه السوري واللبناني كانت تشكيلات من مختلف وحدات حزب الله، فالجبهة التي فتحت يبلغ عرضها 28 كلم.
العملية كانت باتجاهين (274 كلم على الاتجاه اللبناني و 500 كلم على الاتجاه السوري). تنوعت الأساليب وأنواع الأعمال، منها نوع هو على غرار عمليات المقاومة ( تسلل من قبل تشكيلات مشاة، مهاجمة بعض العوارض الحساسة).
وكانت هناك مرحلتان، المرحلة الصاخبة، والمرحلة الصامتة. والمرحلة الصامتة تكون بالاستفادة من أساليب المقاومة بحيث تتسلل قوات وتشتبك مع تشكيلات صغيرة موجودة وتحتل هذه النقاط والعوارض (العوارض الجغرافية أنواع: مفتاحي، أساسي، حاسم) إضافة الى معسكراتهم.
أعداد المقاتلين من المسلحين في عملية أمير1 كانت 3000 ارهابي محصنين في المغاور. هذا العدد كان قابلًا للزيادة أو النقصان بحسب الظروف. المسلحون كان لديهم زخم بشري من حوالي 200 ألف في مخيمات عرسال.
هذه المنطقة كانت تشكل تهديدًا كبيرًا للمناطق اللبنانية، حيث كانت تمر منها السيارات المفخخة ليتم تفجيرها بين المدنيين. وبعد تحريرها وجد فيها عدد من مصانع المتفجرات التي تضم سيارات مفخخة بلوحات (نمر) لبنانية.
قبل الخلاف بين التنظيمات الارهابية في المنطقة، كان هناك مجموعات من “النصرة” و”داعش” و”سرايا أهل الشام” و”الجيش الحر”.
في 2 / 5 / 2015، هاجم الارهابيون على اتجاه الجبة وارتقى شهيدان للمقاومة. في هذا الوقت كان الاخوة في المقاومة قد نفذوا عملية تسلل على قرنة النحلة (معسكر حرف الدار). في طريق العودة من التسلل انكشفت القوة ووقع اشتباك. في هذه المرحلة الصامتة وقعت العديد من عمليات التسلل التي تبعتها اشتباكات على امتداد 28 كلم. لكن من أهم النقاط التي تم التسلل اليها هي قرنة النحلة المشرفة على مرتفع مشرف، ما أدى الى انهيار لدى المسلحين واندفاع لدى المقاومين الذين انطلقوا بعمليات هجومية في الموادين ومشروع الأخضر وحرف الدّشارة ومشروع الخضار. في حرف الدّشارة وقع قتال شرس، وسقط 4 جرحى للمقاومين في منزلة، وارتقى شهيد في منطقة شماس عين الورد. أكملت القوة المهاجمة باتجاه حرف جوار العنب وباتت مشرفة على معسكر “العمدة” التابع لـ “سرايا أهل الشام”.
تزامنًا مع هذه العمليات، كان المقاومون في وحدات أخرى ينفذون عمليات تسلل باتجاه قرنة عبد الحق، وكان الإخوان في القلمون قد سيطروا على طلعة موسى.
من أهم مميزات عملية “أمير1” أنها حررت قرابة 500 كلم وأضاعت أمل “جيش الفتح” وأبعدت التهديد عن منطقة بريتال وبعلبك وأقفلت الكثير من المعابر وبالتالي تراجع التهديد الأمني على لبنان.
* أمير2: وضع المسلح بمرحلة النهاية
بعدها بأيام، قررت قيادة المقاومة اكمال العمل الهجومي باتجاه منطقة جرد عرسال وصولًا لعرسال وحصر الارهابيين وتطويقهم الى أقصى مستوى ممكن. فجرى تنفيذ عملية اسمها عملية “أمير 2”. أبرز مناطق وقع فيها قتال شرس من قبل الارهابيين في هذه العملية هي منطقة حرف الدبول وقرنة الرصيف.
من نتائج هذه العملية الوصول الى جرد عرسال والاشراف على سهل الرهوة بشكل كامل وقطع مثلث وادي الخيل ـ الرهوة الذي كان يهدد القلمون. تم تأمين جرد نحلة ويونين بشكل كامل مع الامتداد وتحقيق الوصل مع الجيش اللبناني.
من مميزات “أمير2” تنوع أساليب العمل من الصامت الى الصاخب، وتعدد أنواع المناورات (مناورات التفافية، جبهوية، احاطة، اختراقية).
مشكلة المسلح انّه لم يستطع أن يقرأ المنطقة تكتيكياً وما يؤمنه كل عارض من العوارض من مميزات، فلم يستطع أن يواكب مناورة المقاومة. مناورة المقاومة كانت أنجح لأنها استطاعت تحليل المنطقة على المستوى التكتي أو العملياتي بشكل مهم واستفادت من أساليب عمل وأنواع مناورات العدو. أساليب العمل والذكاء في المناورة أعطت المقاومة ميزة بسرعة تنفيذ العملية مع وجود الكثير من التحصينات.
* 2017.. البدء من “داعش” أم “النصرة”؟
عام 2016 كانت المقاومة تتحضر لعملية “صادق آل محمد”. وكان الخيار بالقتال في الزبداني. وعام 2017 ، أُخذ القرار من قبل الاخوان بالعمل الهجومي على المنطقة الشرقية لإنهاء الوجود التكفيري لعدة أسباب واعتبارات منها ازالة هذا التهديد الأمني.
كانت الخيارات عديدة منها البدء بالعملية من جهة تنظيم “داعش” ومن ثم الاستمرار باتجاه “النصرة”، أو البدء من “النصرة” ومن ثم الاستمرار باتجاه “داعش”. في شهر رمضان عام 2017 ، بدأ التخطيط للمباشرة بالقتال من جهة “داعش”، وواجهنا مجموعة من الصعوبات في الميدان.
عملت المقاومة على تثبيت الخط الدفاعي للجيش اللبناني تحت عرسال خوفًا من اندفاع الارهابيين باتجاه اللبوة. كان الجيش قد ثبت حواجز عند المعابر (معبر وادي حميد، وادي رعيان، وادي حميد).
* السيد نصر الله يتدخل في التفاصيل العسكرية للعملية
في عمليات السلسلة الشرقية تدخل سماحة الأمين العام لحزب الله تكتيكيًا. استدعانا الى جلسة وطلب شرح كل المناورة، كل الفكرة بالتفصيل.
في العمليات السابقة كان الأمين العام يتدخل بالمشهد على المستوى العملياتي، من خلال الاطلاع على الاتجاهات العامة، لكن في هذه العملية طلب الأمين العام منّا أن نشرح له كل العملية. استمع الى كل التفاصيل المرتبطة بالعملية: تدخل سماحة الأمين العام في كيفية وأنواع المناورات وفصيل المشاة وكيفية الالتفاف، وتحليل المنطقة…
في هذه الجلسة مع قادة المقاومة المسؤولين عن عمليات السلسلة الشرقية، وضع سماحة السيّد مجموعة من القيود والحدود، أوّلها أن لا يتم التعرض للمدنيين “خاصة موضوع المخيمات، حتى لو طلع علينا نار، نحاول انه ما نرمي”. ثاني هذه القيود هي أنه اذا اضطرّ المقاومون الى الرد على مصدر نيران من اتجاه المدنيين، كان يجب أن تكون الرماية بأسلحة دقيقة ومركّزة، بحيث يُرد على مصدر النار بشكل دقيق مع عدم احتمال الخطأ، وحتى هذا الرد كان يحتاج الى اذن خاص. بقي السيّد معنا في كل العمليات، كان يتابع معنا كل شيء. الأمين العام خلال الجلسة مع ضباطه يتحدث بلغة عسكرية، ويتصرف كقائد عسكري يحاكم المشهد الميداني والعسكري أمامه. كان يضع الحدود والقيود، وكان يعطي أوامره للضباط. السيد حينها ترك لنا المساحة الزمنية التي نحتاجها وأكثر، قال لنا لستم “مضغوطين” في الوقت والمهلة الزمنية.
تدخل السيد أيضًا في تحديد خط الوقف للمقاومة لجهة المسافة التي يبعد فيها عن المخيمات. حينها سجّلنا هذه النقاط، واضطررنا للسير والالتفافق بمسافة 6 كلم في الليل (العسكري لا يرى أمامه، يحمل تجهيزاته ووحداته النارية ..).
* القضاء على “النصرة”
كان الهدف الرئيسي لهذه العملية القضاء التام على جبهة “النصرة” وانهاء وجودها، وتحرير كامل الحدود اللبنانية، ليكون لبنان الدولة الأولى التي يتمّ إعلان تحريرها من الوجود الارهابي. احد الأهداف المضمرة للعملية كان السعي لضغط جبهة “النصرة” بمكان من الأماكن بشخص ابو مالك التلي، فنسعى من خلال ذلك لكشف مصير العسكريين اللبنانيين المختطفين آنذاك، واخواننا الأسرى من إدلب. هذا الهدف كان موجودًا ضمنيًا لكنه لم يكن معلنًا.
في مقابل قوات المقاومة، كانت قوات العدو تتشكل بشكل رئيسي من جبهة “النصرة” وسرايا “أهل الشام” وتشكيلات أخرى. كان مجموع العديد حوالي 700 مقاتل من التشكيلين. لكن هذا العديد كان من الممكن في أي لحظة أن يرتفع الى 3000 مسلح (السبب هو الدعم البشري من المخيمات، علمًا أن هذه المخيمات تبعد عن نقاط انطلاق المقاومة حوالي 6 الى 7 كلم ، ومع عدم قدرة المقاومين على القصف على المخيمات بسبب حدود وقيود القيادة وبسبب الحدود والقيود الدينية، فكانت هذه المخيمات بؤر تعزيز للمسلحين).
بناءً على ذلك، ثبتت المقاومة قاعدة نار في وادي حميد. سعى المقاومون للعبور من منطقة عقبة المبيضة أو من ضهر العربة. هذه المناورة كانت عبارة عن أربعة أنواع من المناورات:
– مناورة جبهوية من الجنوب للشمال أي تعدد بالمحاور.
– مناورات التفافية، بالعنوان التفصيلي على منطقة ضهر الهوة الهدف المفتاحي للمنطقة.
– مناورة إحاطة، هي عبارة عن المناورة التي تمر في وادي دقيق وتصل الى ضهر الصفا ـ اللزابة. مع بدء الاشتباك كان هناك عارضان رئيسيان مفتاحيّان على خط التماس، هما عارض الأنزح وعارض ضهر الهوة، اضافة الى مجموعة من العوارض الفرعية الالتفافية.
بدأت العملية في 20 تموز/ يوليو 2017. استفاد المقاومون من وادي دقيق وتقدموا باتجاهه، ونفذوا مناورة التفافية. تقريبًا من نهار الجمعة وحتى الأحد كانت الأمور شبه منتهية عسكريًا.
في 21 تموز كنا نحاول أن نطوق أكثر من جهة. في 22 تموز وصلنا الى تلال الأنزح وحقاب التبّة. في 23 تموز سيطرنا على منطقة حقاب الخيل والمنطقة المحاذية لها. في 25 تموز نفذنا عملية هجومية وواجهنا قتالاً شرسًا وسيطرنا على سرج الخربة وطلعة النصّاب. في هذا اليوم طُلب وقف اطلاق النار على أساس أن المفاوضات قد وصلت الى نتائج. ليل 26 تموز ضلّ 3 من المقاومين طريقهم ووصلوا الى نقاط المسلحين فتم أسرهم.
في 31 تموز وصلت الى نقاطنا ليلًا لجنة تفاوض مؤلفة من رئيس وحدة الارتباط والتنسيق في حزب الله الحاج وفيق صفا ومدير عام الأمن العام اللواء عباس ابراهيم. قالوا لنا “نبضهم عالي الجماعة معش بدهم يفاوضوا”. فقلنا “أوقفوا التفاوض ونحنا منكفّي عمليتنا الهجومية”. ليلًا قمنا بتحضير قواعد الانطلاق لتنفيذ العمل الهجومي بهدف انهاء الملف وفقًا لتوجيهات القيادة.
قمنا باجراءات على صعيد تهيئة المنطقة وتحضير قواعد النار وزجَجنا بالقوة وحضّرنا العمل الهجومي. في هذه المرحلة كان أبو مالك التلي متمركزًا في منطقة وادي الدم. وكان الاخوة في القلمون قد وصلوا الى نهاية معركتهم (عندما سيطر المقاومون على ضهر الهوة أشرفوا على خطوط امدادها، وبالتالي سقطت عسكريًاً، ونزل الاخوة المقاومون في القلمون بكل أريحية على كامل النقاط التي احتاجوا النزول اليها). عمليًا المعارك الشرسة التي واجهت المقاومين من جهة القلمون كانت في منطقة الكرّة بشكل رئيسي وفي تلة البركان قبلها، أما باقي النقاط فتمت السيطرة عليها تقريبًا بدون قتال مثل حرف وادي الدب، قلعة الخيل، قلعة الحصن.
من الجهة اللبنانية القتال الرئيسي والمُركّز وقع في ضهر الهوة، ضهر الصفا ـ اللزابة، أما الأنزح فلم يقع فيه قتال. في 1 آب/ أغسطس 2017 كان المسلحون قد بدأوا بالانسحاب لكن المقاومة لم تتقدم الى قلب الوادي بناء الى طلب القيادة لأنه كان ما زال فيه مدنيون من منطقة المخيمات.
عمليًا، بعد سيطرة المقاومة على ضهر الهوة أعلنت سرايا “أهل الشام” استسلامها، وكنا قد أسرنا لهم مقاتلين وعشر جثث أعدناها اليهم مع اعلان نيتهم الانسحاب من المعركة. كذلك احد الشروط التي وضعتها المقاومة لخروج “النصرة” كان أن يعلمونا عن أماكن جثامين الشهداء، واطلاق الأسرى، فانتهى وجود “النصرة” والجيش الحر في كامل هذه المنطقة.
* تنسيق تام بين المقاومة والجيش اللبناني للقضاء على “داعش”
أما لجهة “داعش”، ففي 3 آب/ أغسطس، أعلن الجيش اللبناني نيته تسلم المنطقة. تسلم الجيش من المقاومة النقاط والمناطق المحررة وفق تنسيق تام. العملية كانت شبه مشتركة بين المقاومة والجيش في مواجهة “داعش”. ناقش ضباط المقاومة والجيش اللبناني الخطة المرسومة، وكان الاتفاق على أن أهم عارض هو عارض تلة الخنازير. وكانت الخطة تقضي أنه بسقوط تلة الخنازير يمكن للجيش السيطرة على كل منطقة “داعش”. كانت “داعش” قد فقدت قدرتها على التعزيز على الخنازير، وبالتالي عند وصول الجيش اللبناني لم يقع أي اشتباك على الاتجاه الشمالي أي من جهة جرود عرسال.
في عملية “وإن عدتم عدنا” تمت الاستفادة من مجموعة من التكتيكات هي عبارة عن تسلّل بسبب وعورة المنطقة، ومجموعة من المناورات، وتعدّد اتجاهات العمل.
عملية ” وإن عدتم عدنا” بدأت بعد عملية “صادق آل محمد” بأسبوع تقريبًا. خلال العملية الهجومية قاتل “الدواعش” واستسلم جزء منهم عند معبر الزمراني.
في الاتجاه اللبناني استخدم الجيش اللبناني تشكيلات كبيرة جدًا (ألوية وأفواج، خمسين مدفع 155، فضلًا عن الراجمات). وفي الاتجاه السوري كانت المقاومة تهاجم من عدة محاور واتجاهات. وقد أربك تعدد المحاور والاتجاهات المجموعات المسلحة.
من فوائد هذه العمليات: تحرير كامل الأرض واستعادة الأسرى (لأول مرة في التاريخ داعش تعيد أسيراً). “الدواعش” كان معهم عائلات ومدنيون، وهنا برز دور القيادة في طريقة انهاء المعركة (أين ستذهب العوائل؟). فكان لا يمكن لهذه المعركة أن تنتهي عسكريًا خاصة أن “الدواعش” لم يكن لديهم مكان ليذهبوا اليه (تدمر ومهين كانتا محررتين وكانت لديهم مشاكل مع من يسمونهما “والي” حمص و”والي” دمشق). هنا كان دور الادارة الاستراتيجية للمعركة، وإدارة عملية التفاوض، وتم رسم استراتيجية خروج وكان هناك عبقرية بإنهاء المعركة بالطريقة التي انتهت بها.
من الصعوبات التي واجهت المقاومين طبيعة المنطقة وظروفها الجغرافية (تلال وجبال ورؤوس قمم بارتفاعات تصل الى 2500 م) اضافة الى صعوبة الطرقات.
* خلاصة
هذه المعركة بالتدرج ابتدأت من وصول المسلح في القصير عام 2013 الى الحضيض الى فشل تداعيات هذا المشروع عام 2017 ، وهو عبارة عن 4 اعوام من القتال تنوعت فيها أساليب العمل بين الدفاع والهجوم، والعمليات الخاصة (كمائن، زرع عبوات، رماية بالقبضات الموجهة، استهداف بعض الشخصيات الاساسية للمسلحين).
من مميزات المعركة أن المقاومة قاتلت في مختلف أنواع البيئات (بيئة العمران، بيئة المناطق القريبة من مناطق الغابات، بيئة الجبال) مع قدرة على التأقلم مع المناخ ومع هذه الظروف البيئية. من المميزات أيضًا أن أحجام المحاور كانت باستعداد يفوق في بعض الاحيان استعداد الفرق. كذلك من المميزات الدمج بين مجموعة من الأسلحة خاصة في منطقة القصير وغرب النهر وشرق النهر، والدمج بين المدرعات والمشاة، وبين تكتيكات الجيوش وتكتيكات المقاومة، وبين أنواع المناورات.