ابراهيم صالح / العهد
ماذا يمكن ان يتبقى من الحريرية السياسية في مقبل الايام بعد الضربة الكبرى المدوية التي تلقتها اخيرا واجبرتها على اخلاء موقعها في مربع الحكم من خلال اعتذار رمزها الاول ووريث زعامتها الرئيس سعد الحريري عن عدم تاليف الحكومة المنتظرة والتي تصدى طائعا ومتحمسا قبل نحو تسعة اشهر لمهمة تشكيلها ؟
طرح السؤال على هذا النحو يستبطن بحد ذاته اشارة جلية الى ان ازمة مصيرية صعبة تحيق بحاضر هذا الاطار السياسي ومستقبله ، وهوالوافد الى دست الحكم في البلاد منذ عام 1992تحت جناح اتفاق الطائف والتفاهمات المعلنة والخفية التي بنيت على اسس هذا الاتفاق واطلقت في حينه اليات حكم هجينة وغريبة .
ولاشك ان السؤال يمتد ويتشعب ليصل الى حدود هل ان الجهة الخارجية التي اباحت اصلا فتح بيت الحريرية السياسية ورسخته في قلب معادلة الحكم ومن ثم سمحت له بالامساك بزمام الرئاستين اي رئاسة الحكومة ورئاسة البيت السياسي السني وعملت ايضا على تهميش واقصاء بيوت وشخصيات اخرى مانعت ورفضت الالتحاق ، قد اخذت (الجهة الخارجية ) قرارا باقفال تدريجي لهذا البيت ( الحريرية السياسية ) او في احسن الاحوال تحجيمه الى حدود ان يصبح واحدا من كل او متساويا بين متساويين .
لم يعد خافيا ان الجزء الاكبر من الاسباب والدواعي التي املت خروج الحريري من مربع التكليف الذي تسمر به طوال تسعة اشهر خلت ، عائد بشكل اساسي الى فيتو وضعته الرياض عليه وبلغ اليه بوئسائل شتى منذ فترة طويلة لكن الرجل ( الحريري ) الذي قرر التصدي وان بنعومة وسلاسة ل”قرار ” اعدامه سياسيا ” والذي بوشر بتطبيقه عمليا منذ احتجاز الحريري في الرياض وما رافق من ملابسات بات جزء كبير منها مكشوفا ، اختار ان يحتل حيز التكليف عسلى ولعل ان يحجز لنفسه مكانا في صلب المعادلة السياسية الداخلية واستطرادا في المعادلة الاقليمية فيكون بذا قد ضمن لنفسه مدخلا لامكان عودته لاحقا الى الرياض من جهة ويضمن لنفسه ايضا حيزا في اي تسوية سياسية محتملة في الاقليم .
لكن نتائج حسابات بيدر الحريري لم تتطابق مع حسابات الحقل فبقي طوال اشهر التكليف التسعة يجول في عواصم عربية واجنبية عدة باحثا عن جسر عودة الى القلب والبيت السياسي السعودي ، ولكن من دون اية نتيجة .
ولقد تبين لاحقا ان المطلوب منه ليس فقط الانزياح من واجهة التكليف بل ايضا المشاركة في تسمية من يمكن ان يخلفه .وهكذا فان الحريري الذي افصح بلسان عربي مبين في اطلالته المتلفزة بعد ساعات من عزوفه، وقال ما مفاده انه لن يسكمي ولن يبارك اي اسم يطرح لخلافته، عاد وابتلع هذا الصريح واضطر ان يسمي هذا الخليفة ( الرئيس نجيب ميقاتي )من دارته وان يشرف على مراسيم التسوية تلك .
في التحليل المباشر ان هذا نوع من الاكراه يمكن ان يبلغ حدود الاذلال والانصياع من جهة وهو من جهة ثانية قرينة على صحة ما صار رائجا في الاوساط السياسية والاعلامية ومفاده ان على الحريري ان ينطلق عمليا في رحلة اخلاء الواجهة السياسية التي اعتادهاتوطئة ليكون ذلك تسليما تدريجيا الى من يمكنان يعلن لاحقا كمرشح رسمي ونهائي للرياض ليشغل مقام الرئاسة الثالثة .لذا فما حصل اخيرا لم يكن الا عبارة عن وضع جسر عبور موقت لمن يعد في الظلال للرئاسة الثالثة حين يحين الاوان ويجد الجد .
واذا كان في حكم المعلوم بعض الاسباب والدوافع التي جعلت هذه العاصمة ( الرياض ) توصد ابوابها تماما امام الحريري وتجاهر بقطع كل خيوط العلاقة المتنوعة معه وتاخذ تاليا قرارا بسحبه من التداول ، فان اسؤالالتالي المطروح تلقائيا هو كيف سيتصرف وريث زعامة الحريرية السياسية من الان فصاعدا واي الخيارات سيتبنى بغية بلوغ امرين :
_ المحافظة على راكمته الحريرية السياسية من رصيد وحضور في دنيا السياسة في لبنانطوال عقود ثلاث خلت وجعلتها في كمراحل تحتل موقع الحل والعقد في شارعها .
– التحضير والاستعداد لهجوم مضاد بهدف استعادة ما فقدته من ملك سياسي ومملكة اقتصادية ومالية مترامية .
انها باختصار مهمة مزدوجة بالغة الصعوبة والحساسية ، تعي الحريرية السياسية انه بات لزاما عليها خوض غمارها وكسب رهانها حتى لاياتي حين من الدهر وينطبق عليها ماانطبق على نهايات تراجيدية لدول واقوام التي قيل عنها “سادت ثم بادت “.
بمعنى اخرثمة تحديات مصيرية تترصد الحريرية السياسية من الان والى اجل غير مسمى .فعلى المستوى الداخلي فقدت طوال الاعوام الخمسة الماضية كل حبات العقد السياسي الواسع الذي اتخذته هذه الحريرية حصنا ودرعا لها تتقي به الهجمات خصوصا بعيد اغتيال الرئيس رفيق الحريري في عام 2005.وهو العقد الذي سمى تحالف 14 اذار وقدم نفسه بداية على اسااس انه هو الحزب الحاكم والذي له وحده حق الامر والنهي .
والمعلوم ايضا ان حبات هذا العقد قد تناثرت تباعا الواحدة تلو الاخرى حتى لم يبق مع هذا الاطار السياسي اي حليف او عضد داعم واخر هؤلاء الحلفاء هو حزب القوات اللبنانية الذي اعلن قطيعة تامة معه وشرع للتو في حرب اعلامية .كما ليس خافيا ان ابرز حليف كان الحزب التقدمي الاشتراكي الذي اختار رئيسه السياسي المخضرم خفض منسوب التنسيق الى حدوده الدنيا وصار الامرغب الطلب وعلى القطعة .
الى ذلك فقدت هذه الحريرية ايضا عددا من اركانها السابقين ومنهم النائب نهاد المشنوق “بفعل الطرد والابعاد ” والنائب السابق احمد فتفت “بفعل الفصل والاعتزال ” واللواء اشرف ريفي الذي اختار الانشقاق عن التيار والالتحاق بركب اخر .
لذا فانه بات لزاما على هذه الحريرية السياسية ان تشرع في رحلة نضال شرسة على النمستوى الداخلي لكي تحافظ على الاقل على كتلتها النيابية الحالية لاسيما بعدما تقلصت الى حدودها الدنيا .وعلى المستوى الاقليمي بات لزاماعلى هذه الحريرية السياسية ان تعلرف كيف تواجه الغضب السعودي الساطع والمعلن تجاهها منذ زمن وهو الغضب الذي اخفقت وساطات ووجهود عدة بذلتها عواصم معنية وازنة ( القاهرة وابوظبي ) في خفض منسوبه توطئة لعودة الامور الى مجاريها بين الرياض والتيار الازرقواستتباعا لاعادة هذا التيار الى موقعه التاريخي كناطق بلسان الرياض لاسيما بعدما جاهرت الرياض في اظهار القوات اللبنانية كمعتمد اخر لها يعبر عن توجهاتها ويضرب بسيفها .
وسواء كان هذا المصير المازوم الذي بلغه هذا التيار هو بفعل عجزه عن السير باجندات خارجية فرضت عليه الدخول في مواجهات مع قوى لبنانية متجذرة ام ان المسار السياسي المترنح والمتذبب الذي سلكه وتنكبه مهمات صعبة وغير نبيلة قد ال تلقائيا الى هذه النهاية المفجعة فالثابت ان التيار الازرق يواجه ازموة من طبيعة مصيرية .
والسؤال الاهم هل هو قادر بهذا الجسم المترهل والقائم على مغانم السلطة والحكم على الصمود والمواجهة واستعادة ما فقده ؟الاجابة الحاسمة تبقى في ظهر الغيب .