طوابير البنزين على حالها..مصرف لبنان “ينكث” بالإتفاق

فاطمة سلامة

على عكس التوقعات لم تسهم الزيادة الكبيرة التي لحقت بجدول أسعار المحروقات في حل أزمة الطوابير أمام المحطات. لا يزال المشهد على حاله ولا تزال مادة البنزين “نادرة”. أسعار “خيالية” يدفعها المضطرون لشراء البنزين من السوق السوداء. كل أشكال الذل و”حرق الأعصاب” ذاقها المواطنون على محطات شتى في مشهد لا نبالغ اذا قلنا إنّه نادر الحدوث إن لم نجزم بأنه فريد من نوعه عبر العالم. ولدى البحث في الأسباب سُرعان ما تحضر صورة مصرف لبنان بشخص حاكمه رياض سلامة. للأخير اليد الطولى في كل ما حدث ويحدث على الساحة من أزمات. الأداء “المريب” لهذا الحاكم والسياسة النقدية الفاشلة وما الى هنالك من مفردات يصح استخدامها جعلت المواطن اللبناني يعيش عصر الأزمات بكل ما تحمل هذه الكلمة من معنى. وفي هذا السياق حدّث ولا حرج: أزمة مواد غذائية، دواء، مستلزمات طبية، محروقات، قدرة شرائية معدومة، ودائع، تدهور الليرة وما الى هنالك من تفاصيل قد لا يتّسع المقال لإيرادها. 

أما في ملف المحروقات تحديدًا، فيتحدّث من هم على تماس مباشر بهذا الملف عن ازدواجية غير مفهومة تحكم عمل مصرف لبنان. ثمّة تمييز من قبل المصرف المركزي في سياق فتح الاعتمادات لبواخر النفط. تمامًا كما ثمّة مماطلة لجهة تأمين الأموال تزداد حدتها في الآونة الأخيرة ما أوجد شُحًّا في السوق يُنذر بالأسوأ. 

أبو شقرا: لن آخذ مصرف لبنان على عاتقي لأنه لا يقول الصدق

ممثل موزعي المحروقات في لبنان فادي أبو شقرا يتحدّث بكل صراحة عن أزمة المحروقات، فيتأسف على إصدار أي قرار أخذ فيه مصرف لبنان على عاتقه لأنه “جهة لا تقول الصدق وتنافق وخربت البلد”.  

طوابير البنزين على حالها..مصرف لبنان "ينكث" بالإتفاق

وفي حديث لموقع “العهد” الإخباري، يلفت أبو شقرا الى أننا وُعدنا الأسبوع الماضي في الاجتماع الذي حصل بيننا وبين الشركات أنّ مصرف لبنان وحاشيته “التي لا تتكلّم الصدق” ستسهّل أمور الشركات بعد أن ترتفع الأسعار. وفق أبو شقرا، جرى تسهيل أمور بعض الشركات وفتحت اعتمادات لباخرتين، بموازاة عدم تسهيل أمور شركات أخرى من ضمنها شركتان كبيرتان لم تتمكنا من تفريغ البضاعة. 

ويوضح أبو شقرا أنّه وخلال الاجتماع الذي حصل أمس الثلاثاء مع رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب 
وُعدنا بأنّ مصرف لبنان سيسهّل خلال ساعات أمور الشركات العالقة، لكنني كنقيب الموزعين لن آخذ مصرف لبنان على عاتقي. 

فياض: البضاعة بأكملها لا تغطي حاجة السوق لأكثر من 15 الى 20 يومًا

المشكلة التي تحدّث عنها أبو شقرا يُلمح اليها نقيب أصحاب الشركات المستوردة للنفط ​​جورج فياض. يحذّر من أن لبنان قد يكون أمام مشكلة جديدة إن لم تُسرّع عملية إعطاء الموافقات للاستيراد مجددًا. لا يُخفي فياض أنّ تعديل الدعم من مبلغ لمبلغ لا يؤثر علينا كشركات، ولكن ما يهمنا هو إعطاؤنا الموافقات لشراء البواخر. عندما أعطونا الموافقات لسبع بواخر أواخر حزيران كانت البواخر موجودة في الحقيقة ولكن ليس لديها أذونات، وعندما عدّلوا السعر، جرى تفريغ قسم من هذه البواخر، فيما لم يفرغ قسم آخر لأسباب إدارية بين الشركات ومصرف لبنان. لكن فياض يستطرد بالقول: “حتى لو فرّغوا البواخر فإن البضاعة بأكملها لا تغطي حاجة السوق لأكثر من 15 الى 20 يومًا”. وفق تقديراته، يحتاج لبنان يوميًا 10 ملايين ليتر من البنزين، بينما المازوت لا حدود له وقد تصل الحاجة الى 15 مليون ليتر في اليوم، فانقطاع الكهرباء أوجد ضغطًا على المولدات الخاصة التي باتت تعمل لأكثر من 20 ساعة في اليوم.  

طوابير البنزين على حالها..مصرف لبنان "ينكث" بالإتفاق

المسألة لا تتوقّف على أخذ الموافقة فقط بل لدينا قضية الدفع 
 
يُشدّد فياض على أنّه اذا بقي الاستهلاك على ما هو عليه يوميًا فإنّ الكميات بالكاد تكفي حتى 19 تموز الحالي. وعليه، اذا أردنا استيراد بواخر جديدة تصل في 20 الشهر الحالي يجب أن نأخذ موافقة جديدة اليوم أو أواخر الأسبوع الحالي بالحد الأقصى لأننا نحتاج 15 يومًا لشراء الباخرة وتحميلها وإيصالها الى لبنان. وهنا يلفت فياض الى أن المسألة لا تتوقّف على أخذ الموافقة فقط، بل لدينا قضية الدفع، فالشركات التي لم تفرغ حمولتها هي شركات باخرتها موجودة وأخذت الموافقة لتفريغها لكنها لم تقبض ثمن الباخرة التي سبقتها. لذلك، تقدّم الشركات أوراق الباخرة السابقة لتقاضي مستحقاتها لتفريغ الموجودة. هذه المعاملة كانت تأخذ -وفق فياض- من يوم الى يومين، أما حاليًا فتأخذ أسبوعًا لأسباب تتعلق بأمور إدارية لا تنتهي. وفق فياض، فإنّ المصرفيين يعملون ورقيًا وعليه لا يستطيعون أن يقدروا حجم المشكلة العملية الموجودة على الأرض، فنحن بكل بساطة نتمكن من الاستيراد بوجود الدعم ومن دونه لا نتمكّن. 

يستغرب فياض كيف لا يسهّل المعنيون الأمور رغم الضغط الكبير الذي يسود قطاع المحروقات. المشكلة -برأيه- أنّ الجهة المعنية لا تجاهر بأنها لن تعطي الموافقات لكن ما يهمنا هو أن تعطينا إياها في الوقت المناسب كي نتمكن من الاستيراد. ثمّة عطش في السوق لمادة المحروقات وما لدينا لا يلبي المطلوب -يضيف فياض- وكي نتمكّن من تلبية حاجة السوق نحتاج الى من يعطينا موافقة ولاحقًا يدفع لنا. 

ولدى سؤاله عن مسألة تخزين بعض المحطات لمادة البنزين، يستبعد فياض هذا الأمر لافتًا الى أنّ المسألة 
تجارية وليس من مصلحة المحطات التخزين. يوضح أن جزءًا كبيًرا من المحطات تتراوح بين 300 الى 400 محطة لا تعمل لأنها تابعة للشركات التي لم تفرغ حمولتها وهذا يخلق ضغطًا كبيرًا على الشركات الأخرى. 

البراكس: مصرف لبنان يعتمد سياسة إذلال المواطن 

عضو نقابة أصحاب المحطات ​جورج البراكس يوجز في حديث لموقع “العهد” الإخباري عناصر مشكلة أزمة البنزين محمّلا المسؤولية في الدرجة الأولى الى مصرف لبنان. الأخير لا يلتزم بالاتفاق الذي أنجزه مع السلطة عندما اتفق على آلية الـ3900 ليرة بدل 1515 ليرة. وقتها تعهّد مصرف لبنان بتأمين الاعتمادات اللازمة خلال الثلاثة أشهر القادمة لتنشيط الموسم السياحي وتشجيع المغتربين على القدوم الى لبنان ما يعزّز وجود الدولارات وينشط الاقتصاد. وفق البراكس، لا تزال سياسة مصرف لبنان حتى اليوم ضبابية وغير مفهومة بأكملها وغير شفافة، ما يجعلنا نشك بأن مصرف لبنان لديه سياسة معتمدة لإذلال المواطن. 

طوابير البنزين على حالها..مصرف لبنان "ينكث" بالإتفاق

ويدرج البراكس ثانيًا قضية التهريب الذي لا يتوقف، أما في الدرجة الثالثة فيتحدّث عن التخزين الحاصل من قبل المواطن. وهنا ينفي البراكس ما يقال حول تخزين المحطات للبنزين، فالمحطات فارغة ويهمها أن تبيع المواطن. 

شرطان أساسيان لحل الأزمة 

وفي الختام، يشدّد البراكس على أنّ أزمة المحروقات لن تحل اذا لم يطبق مع الآلية الجديدة التي صدرت في 29 حزيران شرطان؛ أولا تأمين مصرف لبنان للاعتمادات، وثانيًا ضبط الدولة للتهريب. وفق البراكس، اذا لم يتحقق هذان الشرطان لن تحل الأزمة وسنبقى مكاننا كمن يضع المياه في السلة.