إلى مَن يعنيهم الأمر!
د. محمد حمود.
النغمة التي يجب أن يكسرها الموظّفون الرسميّون:
فقدان قيمة الرواتب لا تعني فقدان الكرامة الشخصيّة والأنَفَة والرفعة!
بلى. قد نجوع، نتأذى، تتبدّل سبُل حياتنا، نتخلّى عن أدنى المقوّمات ونصبر ونصبر، ولكن!
بوصفي موظّفًا رسميًّا، لن أسمح لمَنْ اغتنى في الأزمة الراهنة، أو شعر بالشبع بعد (شبع) أو بعد جوع، يعاني من عقدة نقص الكفاف، وبات يهزأ براتب الأستاذ الجامعيّ، والمعلّم، والضابط والجنديّ، وبذوي الشهادات والكفاءات، بالفقير الجائع أصلًا وبالمستور المُنهك من عبء الحياة، فيقول:
أين كنتم؟ وكيف أصبحتم؟ وفي باله أنّ الوهن قد نال منّا، وأنّ العوز سيرهقنا! أقول لمَن حَسُنَ حاله فتكبّر، ولمَن حلّق في الأزمات فتجبّر:
مَن يمتلك إيمانا بربّه ويُتقن عبور الجسور المتهاوية والمتهالكة على صعوبتها، ويؤمن بأنّ ” مع العسر يُسْرا”، لن يقنت ولن يشعر بالعوز على مرارته، ولن يتآلف والضعف مهما بلغ إليه الظلم سبيلا، وأنّ الشهادة العادية والعليا لا تزال أرفع من أوسمة المال والجاه الذي تعيشه، ولمّا تدرك فنون الشبع بعد، مهما ارتفع رصيدك !
لا! فالذي سهر الليالي وتعب وحفر بالصخر كي يتعلّم، هو ليس كما تراه أنت، وتهزأ من مآله أنت!
فالشهادات السامية لن تُشرى بالمال!
ولن يحصل عليها جاهل.
نراك سعيدًا وأنت تتحدّث:
ماذا جنى لكم العلم؟
جنى لنا ما لم تستطع أن تجنيه ولو امتلأ كرشك بالمال والسمك!
جنى لنا المعرفة والقوة والعزيمة وبناء الأجيال، ولو كان في القلب غصّة!
عندما تتحدّث عن رواتبنا باستخفاف، وتقارننا بالعاملة الأجنبيّة وراتبها، نتطلّع اليك باستحقار المقلّين، واستلطاف الضاحكين عليك، فنعطف على فكر لك مجمّد، وعقل متحجّر تمتلكه مُقيّد!
الأستاذ الشريف لا تكسره الأزمات!
والجامعيّ القويّ لن ترهقه الكدمات!
والموظّف العنيد لن تهزمه الملمّات!
فنحن إذا جعْنا! نجوع لوحدنا، بسرّنا، والنعمة تبدو علينا عظيمة أمام الملأ!
ونحن إذا انكسرنا لبرهة، جبرنا خواطر المُحبَطين أمام الملأ!
وتلك الأيام نداولها بين الناس!
صبرًا فنصرا! ولو بعد حين! وبعد.
د. محمد حمود.