فاطمة سلامة / العهد
لم تنحصر تداعيات السياسة النقدية “العوجاء” التي اتّبعها حاكم مصرف لبنان رياض سلامة بالساحة النقدية فقط. في بلد الاقتصاد “المدولر” طالت نيران ارتفاع سعر الصرف كل شيء تقريبًا حتى “لقمة” الخبز. ولا نبالغ اذا قلنا إنّ الصورة باتت أكثر سوداوية ولا حل في الأفق. انسداد الحلول تقابله “برودة” أعصاب غير مبرّرة في التعامل مع العرض الإيراني القائم على تزويد لبنان بالنفط بالليرة اللبنانية. ثمّة سلوك غير مفهوم رغم الحديث عن كارثة محتّمة يقترب منها لبنان. كارثة بدأت علاماتها بالظهور وسط أزمة المحروقات الحالية، وفي خضم الحديث عن رفع الدعم عن المحروقات تدريجيًا والذي سيبدأ أولًا بجعل الدعم على أساس 3900 ليرة للدولار الواحد تمهيدًا لتحريره بالمطلق لاحقًا. وعليه، فإنّ رفع الدعم وسط عدم وجود خطة نقل عام يعني حُكمًا تضرر شريحة واسعة من المواطنين جُلهم لا يملك كفاف يومه حتى يتمكّن من التنقل.
موظفو القطاع العام على رأس تلك الشريحة التي قد لا يعود فيها الموظف قادرا على الوصول الى عمله وهنا تكمن الخطورة. كيف ستستمر مؤسسات وقطاعات الدولة عندما تصبح تكلفة وصول الموظّف الى عمله تقارب الـ80 بالمئة من راتبه الشهري؟ ماذا تركنا لبقيّة الحاجات من مواد غذائية وحاجات استهلاكية؟.
رمال: 80 بالمئة من موظفي القطاع العام يتقاضون مليون ونصف المليون ليرة
عضو المجلس الاقتصادي الاجتماعي عدنان رمال يستهل حديثه بالإشارة الى أنّ الحاجة باتت ملحة جدًا لوجود حكومة. غياب حكومة فعّالة يفاقم الأمور ويجعلنا نسير نحو مزيد من الانهيار، وللأسف فإنّ بعض القوى السياسية لا تزال تتشدّد أكثر للحصول على حصة وزارية في بلد ينهار. يشدّد رمال على ضرورة أنّ تحسّن الدولة أوضاع موظفيها حتى يقدّموا إنتاجية أكبر، والا فالمؤسسات في حالة خسارة كبيرة وتراجع. الخسارة لم تنسحب على موظفي القطاع العام فقط، فحتى المؤسسات الخاصة في حالة خسارة. ثمة بضعة تجار يحتكرون السوق بينما القطاع التجاري والصناعي والزراعي والقطاعات بحالة تراجع كبير. نسبة التراجع تتراوح بين 80 و90 بالمئة. الـ10 بالمئة المتبقية من المبيعات قد لا تغطي المصاريف والإيجارات.
يشرح رمال الآثار والانعكاسات التي ستطال القطاع العام مع رفع الدعم عن المحروقات، فيشير الى أنّ حوالى 80 بالمئة من موظفي القطاع العام يتقاضون راتبًا يبلغ مليون ونصف المليون ليرة كحد وسطي. هذا المبلغ لم يعد يساوي شيئا اذا ما أراد الموظّف تأمين احتياجاته الأساسية. وللأسف، هؤلاء يتقاضون 8000 ليرة كـ”بدل نقل” يوميًا فقط. وفق رمال، إذا أصبح الدعم وفقًا لسعر الـ3900 ليرة سيصبح سعر صفيحة البنزين مئة ألف ليرة اذا ما كان سعر الصرف لا يزال 15 ألف ليرة، فكيف اذا ارتفع ليصل الى العشرين ألف ليرة؟ حينها قد يفوق سعر الصفيحة المئة ألف ليرة. هذا الأمر طبعًا سيكون مرحليًا ولفترة قصيرة جدًا ريثما يتم تحرير سعر الصفيحة بالكامل ليتلاءم مع أرقام سعر الصرف في السوق لتتراوح الصفيحة بين 150 و200 ألف ليرة بالحد الأدنى.
الموظّف سيكون مضطرًا لدفع ما يقارب المليون ليرة كبدل نقل
يُجري رمال عملية حسابية بسيطة، برأيه اذا أراد موظّف أن يذهب الى عمله خمسة أيام في الأسبوع فإنّه سيحتاج بالحد الوسطي 10 صفائح بنزين في الشهر -هذا إن كان المنزل قريباً- أي سيدفع ما يقارب المليون ليرة بدل نقل، أما اذا كانت المسافات طويلة فيحتاج الموظّف كل يوم صفيحة واحدة. وفي ما يتعلّق بالتنقل عبر سيارات الأجرة، يلفت رمال الى أنّ أجرة السرفيس قد تبلغ 12 ألف ليرة، وهذا سيؤثر بالتأكيد على وظائف الناس. وفق رمال سيضرب هذا الأمر العمل في القطاع العام خاصة أنّ الموظفين لا مصادر أخرى لديهم، ما قد يجعل بعض القوى العسكرية تغض النظر في حال عمل العسكري أثناء إجازاته، خاصةً أنّ القوى العسكرية والأمنية تقطع مسافات طويلة لتصل الى مكان خدمتها.
الانهيار سيطال القطاع العام
وفي ما يتعلّق بالبطاقة التمويلية، يلفت رمّال الى أنّ الأمور لا تزال ضبابية فتقديمات البطاقة ستنخفض الى ما دون المئة دولار، ومن غير المعروف اذا ما كان سيتم إعطاؤها بالدولار أو الليرة اللبنانية. أكثر من ذلك، يقول رمال إنّه يجري العمل على خفض عدد الأسر المستفيدة، فبعد أن كانت ستغطّي 80 بالمئة من الشعب اللبناني أي نحو 750 ألف أسرة، يُحكى اليوم عن 250 ألف الى 300 ألف أسرة بالحد الأقصى. وأيضًا فإنّ أي موظّف لديه وديعة مصرفية حتى لو كانت 2000 دولار لا يحق له الاستفادة من البطاقة وأي موظّف يتقاضى فوق المليوني ليرة لن تشمله البطاقة أيضًا. وفق رمال، يجري العمل على معايير جديدة لا تزال غير واضحة.
ويُشدّد رمال على أنّ ارتفاع سعر صفيحة البنزين دون تأمين بدائل سيؤثر على العمل، وعليه، فإنّ الانهيار سيطال القطاع العام لأن ليس لدى كل موظفي القطاع العام معاشات عالية.
وهبي: سنذهب الى الإقفال القسري
ممثّل موظفي الإدارة العامة لدى الحكومة حسن وهبي يلفت في حديث لموقعنا الى أنّ عدد الموظفين في القطاع العام يبلغ 320 ألف موظّف ما بين قوى أمنية ومستخدمي المؤسسات العامة وغيرهم. موظفو الإدارة العامة أي موظفو الوزارات الـ24 يبلغ عددهم 15 ألفًا. أغلبية هؤلاء الموظفين من الفئتين الرابعة والخامسة. وبالتالي فإنّ رواتب أغلبية الموظفين تتراوح بين مليون ونصف المليون ليرة الى مليونين و800 ألف ليرة. وعليه، عندما تصبح صفيحة البنزين بمئة ألف ليرة سنذهب الى الإقفال القسري -يقول وهبي- الذي يلفت الى أنّ هذه الأزمة ستؤثر على خدمة المواطنين وتلبية حاجاتهم.
ويوضح وهبي أنّ نسبة قليلة من موظفي الإدارة العامة تسكن بالقرب من عملها. البعض ينزل من جونية والجنوب والجبل والشوف وإقليم الخروب الى بيروت. أنا على سبيل المثال -يقول وهبي- عملي في النبطية ومنزلي في بيروت، ويوميًا أجتاز 70 كلم ذهابًا و70 كم إيابًا.
يُشدّد وهبي على أنّ أوضاع موظفي القطاع العام والإدارة العام لم تعد على ما يرام مطلقًا، فالمئة ألف ليرة باتت 10 آلاف ليرة فيما بقي الراتب ثابتًا. ومن كان يتقاضى ثلاثة ملايين ليرة كان راتبه 2000 دولار، أما اليوم فقد أصبح مئتي دولار. وعليه فالأوضاع مأساوية ومن غير المعروف متى ستنفجر.