مُكرَهًا أكتبُ! صباح البنزين!
د. محمد حمود
قبل الذهاب إلى عملي الأوّل في ثانوية العباسيّة(بلدتي)، ذهبْتُ عند الخامسة والنصف إلى طابور البنزين في المحطة القريبة من منزلي، وعند السابعة والنصف حصلت على تعبئة ٢٠ الف ليرة مشكورين. عند الحادية عشرة والنصف قبل الظهر علمْت بأنّ محطة أخرى في البلدة المجاورة تقوم بتعبئة البنزين، هرَعْت إليها، انتظرْت ساعتين تقريبًا، وقبل أن يصل دوري أشار واحد من (رامبووات ) المحطة أنّ الوقود قد نفد ( وكلّ واحد يكمّل طريقه)! بعدها تناهى إليّ عبر الوتس اب بأنّ محطة في قرية مجاورة نسبيًّا تقوم بالتعبئة للقطاع التربوي لأبناء القرية ولخواص الزبائن ولهم الحق طبعًا! اتصلت بصديق لي، قال: فقط لأبناء البلدة، وإذا ذهبت سوف تخسر وقودك وحسب! داخل بلدتي العباسية محطّتان، الطابور الليلي للغريب عن البلدة والقريب والمواطن الأصلي والمهاجر وعابر السبيل والعارف، جلّهم يوقفون سياراتهم على الطريق ويذهبون إلى النوم، من دون أن يُدرك أحد التوقيت الفعلي لفتح “مجوهرات زغيب”، والسيارات تتجمّع وتتجمّع، وكذلك المحطة الجديدة صاحبة الطابور الرشيق والطويل على الشارع العام إلى ما بعد حرج البلدة، والتي تحتاج الى تسديد وتوفيق ربّاني لكي ياتي الدور، هذا اذا بقي الوقود، وجرّبت مرّتين وكنت خاسرًا على الجهتين!
وطبعا لا توجد في غالبيّة المحطات طرق سرية ومعنوية أبدا، فصدقاتهم يقدّمونها في العلن، ولجانهم المحيطة المعلنة والسرية تسهّل وصول الزبائن والابتسامة بادية على محياهم، يدنو أحد قوات الردع؛ يقول لي: يا دكتور، اتصل بك ولديك غالن خاص! طبعا من دون أن يأخذ رقم هاتفي ولا أظنه يعلم به! ليس ل وجه الله .
المهم: عندما نصل الى فدرالية القرى قريبًا، أتوقّغ أنّ الصورة ستكون كالآتي: عندما نطلب الدواء من خارج بلدتي، سيسألنا الصيدلي؟ انت من العباسية، فالدواء عندي لزبائن وابناء البلدة هذه! وكذلك في شأن الأفران والخبز والطحين والسكر والزيت وتعبئة خطوط الهاتف المناطقية! ففتح المحطات كرمى عيون عدد قليل من الموظفين يعدّ من الاسراف والبذخ! اما فتحها امام عدد كبير من سيارات الأجرة الوهميّة، والرابيدات الوهميّة وموتوسيكلات القبضايات على الاغلب، من اجل تخزين البنزين في غالونات وبيعها مضاعفة بالسوق السوداء والحمراء، أمر طبيعي وعادي لتيسير شؤون الناس!
والمهم ! ربما نجح التجار والساسة والنافذون في تثبيت الذل والاذلال، وبات الجشع من أساسيات الكثير من الصغار والكبار، في مجالات الحياة كافة، إلا أنّ تعبئة العشرين الف ليرة بكرامة على مرارتها أفضل من مشاهدة لعلعات الشتم والسب والبودي غارد ومهازل المحطات التي كانت حتى الماضي القريب تنتظر الزبون لتاخذه بالاحضان، والآن يتربّع الأشاوس عليها قرب العدّادات، وقد فاقت شهرتهم شهرة السياسيين الذين يؤمّنون لهم اللازم للاستمرار بإذلال الناس، فأصحاب السعادة يجلسون في بيوتهم المتواضعة إفساحا في المجال أمام الشعب الفقير والمستور ليفرح بعد عناء يوم كامل باشارة الربع زائد واحد على ساعة عداد السيارة الفرح من عبور الضوء الأحمر.
ومن عجائب المحطات السبع أن ترى نافذًا، زوجة نافذ، ولد نافذ…حفيد نافذ، يقف في طابور الحياة والموت متضامنًا مع الشعب الحزين…والسلام! وبعد.
د. محمد حمّود.