تحت عنوان رشوة الـ400 دولار شهرياً: «إبرة بنج» و«طرد» لصغار المودعين، كتبت ليا القزي في الأخبار:
يُثبت حاكم البنك المركزي، رياض سلامة، عبر التعميم 158 (تسديد تدريجي للودائع بالعملات الأجنبية) أنّه فعلياً «الصانع الحصري للسياسات» – كما ورد في آخر تقرير صادر عن البنك الدولي – والمُتحكّم في توجّهات السوق.
وعدا عن أنّ سلامة «وجّه» توقيت ومضمون مسودة قانون القيود على رأس المال (الكابيتال كونترول)، فإنه في الأساس يُخالف أهمّ ما ورد في قانون النقد والتسليف.
المادة 70 من هذا القانون تُحدّد مهمّة المصرف العامة القائمة على «المحافظة على النقد لتأمين أساس نموّ اقتصادي واجتماعي دائم»، مع ما يعنيه ذلك من «محافظة على سلامة النقد اللبناني، والاستقرار الاقتصادي، وسلامة أوضاع النظام المصرفي». في حين أنّ التعميم الأخير يُشكّل خرقاً جديداً للقانون. دفع 400 دولار نقداً شهرياً لمدة سنة، و400 دولار أخرى بحسب سعر «منصة صيرفة» المُحدّد حالياً بـ12 ألف ليرة، أي 4 ملايين و800 ألف ليرة شهرياً، سيؤدّي إلى انهيار سعر صرف الليرة أكثر، في غياب أي خطّة من السلطة السياسية، ومن دون أن يكون استرداد «أموال المودعين» قد تحقّق كلياً.
في البيان الذي أصدره مصرف لبنان الجمعة الماضي، أعلن أنّ الكتلة النقدية سترتفع بقيمة 27 ألف مليار ليرة، نتيجة طبع الليرة لدفع جزء من الودائع «المُستردة»، وتصل معها القيمة الإجمالية للكتلة النقدية إلى 67 ألف مليار ليرة. هذا التضخم في كميات الليرة المتداولة في السوق، قد يؤدي الى انهيار سعر العملة بصورة اكبر.
في الفترة السابقة، ارتفعت الكتلة النقدية من 5.8 آلاف مليار ليرة نهاية 2018 إلى 40 ألف مليار في أيار 2021، أي زادت نحو 8 مرّات، ما أسهم في زيادة الضغوط على سعر الصرف وارتفاعه إلى الـ13500 في السوق الموازية. الزيادة بما يُعادل 13 مرة حالياً، تفسّر ارتفاع سعر الصرف إلى حدود كبيرة. وهو يبقى مرشحاً للزيادة في غياب إجراءات اقتصادية جذرية، تبدأ بكفّ يد رياض سلامة.
مسؤولون في الحكومة و«المركزي» يشككون في استمرار التعميم لأكثر من أشهر
لن يكون حجم الليرة في السوق السبب الوحيد لزيادة الانهيار، بل السماح – بطريقة غير مباشرة – للمصارف بالعودة (وبعضها لم يتوقّف أصلاً) إلى السوق والضغط لشراء الدولارات، بغية زيادة كتلتها النقدية بالعملات الصعبة، وربما الاستفادة من ذلك لتعزيز حساباتها لدى لدى المصارف المراسلة في الخارج حتى لا تقلّ النسبة عن 3%. فقد ورد في تعميم «المركزي» 158 أمس أنّه «يتم تأمين السيولة مناصفةً من سيولة المصرف المعني لدى المراسلين في الخارج، ومن التوظيفات الإلزامية بالعملات الأجنبية العائدة للمصارف لدى مصرف لبنان والتي يُحرّرها هذا الأخير». ثمّ يُحدّد أنّه يجب «تكوين نسبة الـ3% في مهلة أقصاها 31 كانون الأول 2022». بيع المصارف لشيكات بـ27% من قيمتها، وأحياناً أقل، وشراء الدولارات من السوق قبل تحويلها إلى الخارج، كان السبب الرئيس لارتفاع سعر الصرف في الأشهر الماضية، وسلامة يُريد «تشريعه».
التعميم 158 «إبرة مورفين» ضدّ الوجع، يُريد أن يرشو بها «صغار» المودعين، تحديداً الذين يملكون حسابات مصرفية بأقلّ من 10 آلاف دولار، فيتخلّص مصرف لبنان من «عبئهم» عليه وعلى القطاع المصرفي المُفلس. المُخطّط يقتضي بإقفال 800 ألف حساب، «بعد أن أُقفلت حسابات نتيجة التعميم 148. حصر المودعين داخل القطاع المصرفي بفئة مُحدّدة منهم، وهي الكبار، يعتقد مصرف لبنان أنّها تُسهّل عليه أي عملية توزيع خسائر مُقبلة والتفاوض مع هؤلاء المودعين»، يقول مسؤول وزاري. والهدف الثاني هو غربلة الودائع بالدولار عن تلك المحولة من الليرة إلى الدولار، «وتُقدّر بـ15 مليار دولار». هؤلاء لن يحصلوا في أي «عملية إصلاحية» على دولارات، لأنّ «التحويل محلّي بدولار غير حقيقي، فلا يعتبر مصرف لبنان نفسه معنياً بالدفع من حساب التوظيفات الإلزامية لهم».
يعد التعميم المودعين بـ9600 دولار خلال سنة (مُقسّمة بالتساوي بين الدولار والليرة)، موحياً بأنّه سيتم تقسيط المبالغ على خمس سنوات. مسؤولون في الحكومة وفي المصرف المركزي يقولون باستهزاء: «إن شاء الله يدوم التعميم لأشهر قليلة»، مؤكدين أنّ صلاحيته لن تتعدّى السنة. خلال هذه المدّة سيزيد الطلب على الدولار، إن كان من الأفراد الذين قد يعمدون إلى استبدال الليرات التي حصلوا عليها نتيجة التعميم بسبب غياب الثقة بالليرة، ومن المصارف التي عليها أن تُعيد تكوين نسبة الـ3% في حساباتها الخارجية، مع وجود طلب كبير على الدولار أصلاً من المستوردين.
حين أنشأ سلامة «منصّة صيرفة»، قال إنّ من أهدافها ضخّ الدولارات في السوق مقابل امتصاص الكتلة النقدية والحدّ من اقتصاد «الكاش»، واعداً الرئيس ميشال عون بخفض سعر الصرف إلى أقل من 10 آلاف ليرة. لكنّ سلامة قرّر إطلاق عملية معاكسة، عبر زيادة الكتلة النقدية وترك سعر الصرف يُحلّق إلى ما يزيد على 14 ألف ليرة. طبع الليرات بما يفوق العرض والطلب، يقود إلى حين أصدر «المركزي» التعميم 151 وبدأ بتسديد الودائع وفق سعر صرف الـ3900 ليرة، وكان أحد أهدافه تقليص كتلة الودائع في المصارف و«تنظيف» ميزانياتها وميزانية مصرف لبنان.
التعميم 158
صدر أمس، رسمياً، عن مصرف لبنان، التعميم الأساسي الرقم 158، لتسديد تدريجي للودائع بالعملات الأجنبية في الحسابات المفتوحة، مُجمّدة أو جارية، قبل 31 تشرين الأول 2019، على أن ينطلق العمل به في 30 الشهر الحالي.
لا يستفيد من التعميم من:
– حوّل أمواله من الليرة إلى الدولار بعد 31 تشرين الأول 2019
– الحسابات المُجمّدة كضمانة مقابل قروض أو تسهيلات
– المُعرضون سياسياً والمساهمون في المصارف الذين يجب أن يُعيدوا 15% و30% من قيمة الأموال التي حوّلوها إلى الخارج، ولم يُعيدوها بعد.
كيف تُدفع المبالغ؟
– يُفتح «حساب خاص مُتفرع» للزبون، لا يستفيد من أي فائدة، يُحوّل إليه المبلغ المتوافر في حساباته، بحدّ أقصى هو 50 ألف دولار أميركي. تُرفع السرية المصرفية فقط عن هذا الحساب.
– تُدفع شهرياً 400 دولار نقداً، أو تُحوّل إلى الخارج بواسطة البطاقات المصرفية الصالحة للاستخدام خارج لبنان، أو تودع في حساب طازج «فريش».
– تُدفع شهرياً 400 دولار على أساس سعر صرف «منصّة صيرفة»، مُقسّمة بين 50% نقداً و50% بواسطة البطاقات المصرفية.
ماذا إذا تراكمت المبالغ ولم يسحبها الزبون؟
يُمكن تراكم المبالغ غير المسحوبة وتبقى في «الحساب الخاص المُتفرع» وتكون حقّاً ثابتاً له يُمكن سحبها وقت يشاء
هل المصارف مُلزمة بتنفيذ التعميم؟
– المصارف غير المُلتزمة بالتعميم تُجبر على إعادة السيولة الخارجية بالعملة الأجنبية التي أعطاها لها مصرف لبنان، إلى حساب «المركزي» لدى المصارف المراسلة في الخارج
– وتُفرض بحق المصارف المخالفة العقوبات المنصوص عليها في المادة 208 من قانون النقد والتسليف، التي تصل إلى حدّ شطبها من لائحة المصارف.