كيف انفجرت نترات الأمونيوم في مرفأ بيروت؟

ياسمين مصطفى

تكثر التحليلات والسيناريوهات والفرضيات المطروحة حول السبب الحقيقي للانفجار المروّع في مرفأ بيروت.

ما بين فرضية العمل التخريبي المفتعل والانفجار الناجم عن حريق أو تلحيم أو مفرقعات، خيط الحقيقة لم يتكشف حتى اليوم، إذ إن التحقيق لا يزال جاريا لكشف ملابسات الحادثة.

وعلى الرغم من صعوبة إعطاء صورة كاملة عما حصل مع غياب الكثير من المعطيات، لكن انطلاقا مما أصبح مؤكدا، تواصلَ موقع “العهد” الإخباري مع الأستاذ  في الجامعة اللبنانية الدكتور والمهندس المتخصص في الصناعات الكيميائية زاهي خليل لتقديم مقاربة علمية بعيدًا عن التحليل.

كمهندس كيميائي، يؤكد خليل أن أية مادة كيميائية لها نوع من الهوية العلمية، تحدّد خصائصها الفيزيائية والكيميائية وحتى كيفية التعامل معها، ووصول نترات الأمونيوم إلى لبنان لا بد أنه مصحوب بـ”داتا” لكيفية استعمالها الآمن msds material safety data sheet تعطينا معلومات كافية ووافية عنها وعن المخاطر التي ممكن أن تؤدي لها.

وفق خليل، طريقة التخزين أساسية في كشف ملابسات الحادثة الأليمة، ولذلك يؤكد أن ثمة شروطا خاصة لتخزينها، ويسأل:”كيف جرى تخزينها وإلى جانب أيّ من المواد الأخرى المشتعلة وُضعت، هل إلى جانبها غاز؟ أو مفرقعات؟ أو أية مواد ممكن أن تتفاعل معها؟ “.

أكثر ما يشدد عليه خليل هو أن نترات الأمونيوم تعد من المواد المستقرة أي stable، وبالتالي تحتاج إلى حرارة عالية جدا تقارب الـ300 درجة لتنفجر، مرجّحًا أن “ثمة ما أوصل هذه المادة للانفجار ومعرفتها رهن التحقيقات الجارية”.

خليل يستبعد أن تكون حرارة الصيف العادية كافية لافتعال هكذا انفجار، ولا حتى شروع العمال بتلحيم الثغرة في مدخل العنبر رقم 12 الذي احتوى مادة نترات الأمونيوم، لكنه يلفت في الوقت نفسه إلى أنه يمكن لوجود مفرقعات أو قارورة غاز أو مادة الكحول alcohol أن يحفز نترات الأمونيوم على الانفجار.

ويضيف خليل:” حين يتم الكشف عما كان بداخل العنبر 12 من مواد محفزة على الاشتعال والانفجار سنعرف سببه لكن نترات الأمونيوم وحدها لا تنفجر أبدا”.

ماذا عن سيناريو التخريب المُفتعل؟

وعن احتمال وجود سيناريو تخريبي متعمّد وراء الانفجار أو عبر صاعق حفّز المادة على الانفجار، يوضح خليل أن الصاعق يعني مصدرًا للنار وكذلك المفرقعات والمواد الكحولية.

فرضية وجود صاعق بحسب الخبير ليست بعيدة، لكن الأكيد بنظره أن هذه المادة بحاجة لمحفز، وفي هذا السياق يعطي مثالا على مادة الـethyl، التي تشتعل على درجة حرارة 50 درجة على سبيل المثال، في حال كانت إلى جانب نترات الأمونيوم ستشتعل على درجة 50 بلا شك، وبالتالي تؤدي إلى الحريق.

وعن تحليل طبيعة الانفجار بالشكل، يقول الخبير: “عندما تنفجر نترات الأمونيوم تعطي موادّ نسميها أكاسيد النيتروجين، هي سبعة أنواع بالإضافة إلى الأمونيا تعطي لونا بنيا في الانفجار، نراها في معامل الكهرباء التي تستعمل وتظهر حين  الاحتكاك مع الهواء كما رأينا في الانفجار، لكن عدم رؤية الدخان الأسود مرده لعدم وجود مادة كربونية في المواد المشتعلة، كان هناك مادة الـ”آزوت” والـ”أمونيا” وأوكسجين مساعد على الاحتراق ما أنتج الهواء المكثف نتيجة الرطوبة بلون دخان أبيض”.

وعن مدى صحة تشبيه الدمار الناتج عن انفجار مرفأ بيروت بالقنبلة الذرية التي أطلقها الأميركيون على مدينتي هيروشيما وناكا زاكي اليابانيتين، يقول خليل:” المقاربة صحيحة من جهة الدمار الكبير الذي حصل بعد الانفجار، مساحة الدمار التي كانت في هيروشيما كانت شبيهة بمساحة الدمار الهائل الذي حدث في بيروت الإدارية، بعد دمار هيروشيما تأتي في المرتبة بيروت”.

وينبّه خليل إلى أن جزءا من عصف الانفجار الدائري ذهب في البحر، ونصفه الآخر ذهب نحو اليابسة ولو لم يكن البحر قريبا من الانفجار فـ2700 طن من المواد الشديدة الخطورة والحساسية كانت لتكون مأساة أكبر بكثير. كما يلفت إلى أن الهزة التي صاحبت الانفجار ووصلت إلى ما يفوق 4 درجات على مقياس ريختر لم يشهدها لبنان منذ القرن السادس، وحتى الهزة في الخمسينيات لم تكن بقوتها.